مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مارس – أبريل | 2024

أين يمكنه أن يحلّ محل الإنسان؟

الذكاء الاصطناعي والهندسة المعمارية


علاء حليفي

يتشكّل المشهد المعماري، اليوم، من خلال نهج عالمي يستمد الإلهام من ثقافات ومراجع متنوعة، مع التركيز على الاستدامة والتصميم الذكي والتكامل السلس مع التكنولوجيا. كما يؤكد التطوير المستمر لتقنيات التصميم المعماري، قدرة التكيف مع الاحتياجات المجتمعية والتقنيات الحديثة بوجه عام. وهو ما نراه من خلال اندماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الهندسة المعمارية.


قبل بضعة أشهر، أصدرت شركات التكنولوجيا برامج تستخدم أنظمة ذكاء اصطناعي تتمثل وظيفتها في تحويل النصوص والأفكار المكتوبة إلى صور وتصاميم كاملة. ومنذ إطلاق هذه البرامج، مثل: “Dalle-E” و “MidJourney”، انتشر استخدامها بسرعة بين المعماريين وأثارت صورها ضجة كبيرة على الإنترنت، وأدت إلى نقاشات وتخمينات حول كيفية تأثيرها في مستقبل التصميم والهندسة المعمارية.

مع هذه التطورات المتسارعة، يُطرح سؤال مُلح: هل سيظل المهندسون المعماريون هم المبدعين الرئيسين لبيئتنا المبنية، أم أن الذكاء الاصطناعي سيهيمن على مجال العمارة وتخطيط المدن مستقبلًا؟ وهل يصبح المهندسون المعماريون شيئًا من الماضي؟

ومع قدرته على إنشاء تصميمات بشكل أسرع وأدق من أي وقت مضى، فإن الذكاء الاصطناعي يعد بإحداث ثورة في مهنة الهندسة المعمارية. وهذا يعني نهاية المهنة كما نعرفها، مما يُضفي غموضًا حول ما يخبئه المستقبل للمهندسين المعماريين في عالم يتطور فيه الذكاء الاصطناعي يومًا بعد يوم.

قبل بضعة أشهر، أصدرت شركات التكنولوجيا برامج تستخدم أنظمة ذكاء اصطناعي تتمثل وظيفتها في تحويل النصوص والأفكار المكتوبة إلى صور وتصاميم كاملة. ومنذ إطلاق هذه البرامج، مثل: “Dalle-E” و “MidJourney”، انتشر استخدامها بسرعة بين المعماريين وأثارت صورها ضجة كبيرة على الإنترنت، وأدت إلى نقاشات وتخمينات حول كيفية تأثيرها في مستقبل التصميم والهندسة المعمارية.

مع هذه التطورات المتسارعة، يُطرح سؤال مُلح: هل سيظل المهندسون المعماريون هم المبدعين الرئيسين لبيئتنا المبنية، أم أن الذكاء الاصطناعي سيهيمن على مجال العمارة وتخطيط المدن مستقبلًا؟ وهل يصبح المهندسون المعماريون شيئًا من الماضي؟

ومع قدرته على إنشاء تصميمات بشكل أسرع وأدق من أي وقت مضى، فإن الذكاء الاصطناعي يعد بإحداث ثورة في مهنة الهندسة المعمارية. وهذا يعني نهاية المهنة كما نعرفها، مما يُضفي غموضًا حول ما يخبئه المستقبل للمهندسين المعماريين في عالم يتطور فيه الذكاء الاصطناعي يومًا بعد يوم.

يوضح مدير شركة زها حديد للمهندسين المعماريين، باتريك شوماخر، كيفية توليد أفكار تصميمية للمشاريع باستخدام مولدات الذكاء الاصطناعي، باعتبارها وسيلة إبداعية مهمة في المسابقات والمراحل الأولى من التفكير لاستكشاف نطاق أوسع من الخيارات التصميمية. ويشدّد على المفاهيم المثيرة للاهتمام والفريدة من نوعها التي تنتج من هذه الرسومات، والتي يمكن تقديمها لأصحاب المشاريع كاقتراحات أولية. ويشير شوماخر إلى أن الشركة تعرضت لانتقادات كثيرة بسبب اتباعها هذا الأسلوب، لكنه دافع عن فائدة الذكاء الاصطناعي في إظهار المفاهيم الأساسية وإشراك العملاء وفريق التصميم في نسج الأفكار الإبداعية الأولى للتصاميم.

تتجلى قدرة تصاميم الذكاء الاصطناعي في أنها تدمج بين الأشكال الطبيعية والمباني الخرسانية، في شكل من التناقض الفني بين التشكيلات العضوية والمباني الخرسانية التي يشيدها البشر؛ هذا التناقض هو ما يعطي هذه المشاريع بصمة خاصة ينعكس فيها الابتكار والتفرد.

يمنح هذا المبدأ التصميمي، المهندسين المعماريين فرصة استكشاف أفق إبداعي واسع، يستند إلى تنوع لا حصر له في الأنماط المأخوذة من الطبيعة. ويتغير تصميم المشاريع تبعًا لاختلاف البيئة المحيطة.

البعد الرمزي وراء هذه التصاميم يتعدى كونها مجرد هياكل معمارية، حيث يتحدى الذكاء الاصطناعي فكرة أن تكون المباني مجرد آلات مصنوعة من الخرسانة أو الفولاذ. كما يثير أيضًا تساؤلات جوهرية حول طبيعة البناء نفسه: هل يمكن للمباني أن تتفاعل مع البيئة المحيطة بها بشكل أكثر حيوية؟ هل يمكن أن يتطور التصميم الهندسي ليصبح جزءًا من نظام حيوي، فيتكيف مع احتياجات المستخدمين بشكل ديناميكي؟ هل يمكن للبنى التحتية الحضرية أن تعيش وتتنفس، تحقيقًا لفكرة العيش في مجتمع مترابط يتفاعل بشكل فعّال مع محيطه؟ هل يستطيع الغلاف الذي نعيش فيه أن يتنفس كما تفعل الكائنات بدلًا من أن نسكن في صناديق خرسانية وزجاجية مكيفة نسمّيها شققًا؟

توقّع بنك “غولدمان ساكس” أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل ما يعادل 300 مليون وظيفة على مستوى العالم في جميع الصناعات.

منافع دمج الذكاء الاصطناعي والعمارة

إن دمج الذكاء الاصطناعي والهندسة المعمارية، يمكّن المهندسين المعماريين من تبسيط عمليات التصميم، بدءًا من إنشاء خيارات إنشائية واختيار المواد حتى إدارة المشاريع. بالإضافة إلى ذلك، يمكِّن استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من اتخاذ القرار السريع، مما يتيح للمهندسين المعماريين اتخاذ خيارات تصميمية مستنيرة في مدة زمنية قصيرة، خاصةً أن العمليات الذهنية المتعددة، مثل: التفكير التناظري والمرونة المعرفية والفضول والبصيرة، كلها مندمجة في العملية الإبداعية لمحركات الذكاء الاصطناعي.

فالذكـاء الاصطناعي يُنتج صورًا، بناءً على فكرة المصمم التي يُغذّى بها على شكل نص. كما يجمع بين الأساليب المتناقضة تمامًا، مستخدمًا أنماطًا وتيارات هندسية مختلفة، وكذلك يستطيع استخدام كثير من المهندسين المعماريين المختلفين كمراجع مُحتملة، مما يقدّم نطاقًا واسعًا من الاحتمالات التصميمية.

وفي ظل التحديات المناخية التي تواجه العمارة وتخطيط المدن، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المهندسين المعماريين في تصميم المباني المُستدامة والموفّرة للطاقة. ويحدث ذلك من خلال تحليل عوامل، مثل: البيانات المناخية وتوجيه المبنى والمواد وأنماط استهلاك الطاقة. إذ يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن توصي بتعديلات في التصميم، من الممكن أن تجعل استخدام الطاقة في المبنى أكثر كفاءة، مما يسهم في تقليل تأثيرها البيئي.

آفاق الذكاء الاصطناعي

على الرغم من التأييد الكبير الذي تعرفه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فإن تطبيقاتها المستقبلية لا تزال موضع نقاش. فقد شكك البعض في أنها ستحدث تغييرات هيكلية في الطريقة التي نصمّم ونبني بها المباني والمدن، وقد تكون بعض هذه التغييرات مفاجئة ومدمرة للممارسة الكلاسيكية للمعماريين.

وتُعد آفاق التوظيف وفقدان المهارات والمعرفة الناجمة عن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي وقضايا الملكية الفكرية، من بين المخاوف المذكورة. وفي هذا الصدد، تصدَّر بنك الاستثمار “غولدمان ساكس”، عناوين الأخبار في شهر مارس 2023م، عندما توقّع أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل ما يعادل 300 مليون وظيفة على مستوى العالم في جميع الصناعات. وقدّر الباحثون أن %37 من مهام العمل المعماري والهندسي، يمكن أن تُؤتمَت بواسطة الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها من بين أكثر المهن عرضة للخطر.

وجدير بالذكر في هذا الموضوع، موقف المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين، الذي قال متحدث باسمه: “يقدّم الذكاء الاصطناعي فرصًا واعدة لمستقبل الهندسة المعمارية في مجالات مثل التصميم وسيرورة العمل. ولكن، هناك أيضًا أخطار مُحتملة يجب علينا أخذها في الاعتبار والتخفيف منها. هناك عناصر في العمل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكملها ويزيد من كفاءتها. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالاستقرار والموثوقية والوظائف، لا يمكنك استبدال خبرة المهندس المعماري”.

وأضاف: “الهندسة المعمارية هي مهنة يحركها الإبداع البشري، وواقع العمل المعماري هو أنه يتطلب مجموعة شاملة من المهارات تتجاوز ما يمكن أن يكرره الذكاء الاصطناعي. لذا، لا ينبغي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أن تأخذ مساحة العمل البشري ومكانه”.

البُعد الثقافي المحلي والعالمي للتصميم المعماري

يتأثر التصميم المعماري، بطبيعته، بالأبعاد الثقافية المحلية والعالمية، مما يخلق نسيجًا غنيًا من الأساليب والأشكال والتعبيرات التي تعكس الهوية الفريدة للمكان، مع الاستجابة في الوقت نفسه للتأثيرات العالمية. على المستوى المحلي، تمثّل الهندسة المعمارية تعبيرًا قويًا عن تاريخ المجتمع وتقاليده وقيمه. إذ تُسهم المواد الأصلية وتقنيات البناء والهندسة المعمارية المحلية في خلق جمالية إقليمية متميزة. وتشكّل الفروق الثقافية المحلية والاعتبارات المناخية والاحتياجات المجتمعية، لغة تصميم خاصة بكل سياق، ما يعزز الشعور بالانتماء والاستمرارية داخل المجتمع. وغالبًا ما يستمد المهندسون المعماريون الإلهام من السياق التاريخي والثقافي لإنشاء مبانٍ تتكامل بسلاسة مع محيطها، وهو ما يقوّي الترابط الوثيق بين البيئة المبنية والثقافة المحلية.

على الصعيد العالمي، ينخرط التصميم المعماري في حوار بين الثقافات، ويتجاوز الحدود الجغرافية ليعكس التجارب والتطلعات الإنسانية المشتركة. فالعالم المترابط يتيح تبادل الأفكار والأساليب والتقنيات، مما يؤدي إلى اندماج التأثيرات المتنوعة في العملية التصميمية، التي تسهم في ترسيخ لغة معمارية عالمية توازن بين الحفاظ على الهوية المحلية واحتضان الطبيعة العالمية للتصميم الحديث. والنتيجة هي مشهد معماري ديناميكي ومتطور لا يحترم التنوع الثقافي للأماكن الفردية فحسب، بل يسهم أيضًا في خطاب معماري عالمي واسع ومترابط.


مقالات ذات صلة

سطح الأرض مستمر في التغيّر وجغرافية القارات كذلك. والمصدر الرئيس لكل هذا التغيير، هو الصفائح التكتونيّة التي يتكوّن منها سطح الأرض.

يثير كسوف الشمس الفضول والغموض لدى البشر والشعور بالارتباط الكوني وصولًا إلى فهمه العلمي الدقيق. ولا تزال هذه الظاهرة الكونية مادة لا تنضب للدراسات والأبحاث حولها حتى كسوف الثامن من أبريل من العام الحالي، وما سيأتينا به من جديد.

انتشرت الألواح الشمسية التي تحوِّل ضوء الشمس إلى كهرباء في شتى أنحاء العالم، حتى بات مشهدها الذي يعلو أسطح المنازل والمؤسسات أمرًا مألوفًا.


0 تعليقات على “الذكاء الاصطناعي والهندسة المعمارية”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *