مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يناير - فبراير 2023

الخالد.. في ذاكرة القافلة


فريق التحرير

عقدٌ كامل أشرف خلاله الأستاذ عبدالله بن خالد الخالد على مجلة القافلة حاديًا لركبها وقائدًا لمسيرتها، التي كان يرى أن قدرها اللائق بها هو أن تمضي في طريقها دون أن تضع رحالها في مستقر أبدًا؛ فالقافلة كما يقول: “لم ولن تصل إلى حد الكمال، لأن ذلك يعني نهاية مسيرة التطور”. الحادي السادس للقافلة ودّع الركب مرتحلًا إلى الجوار الأعز عن عمر ناهز السبعين عامًا، لكنه خلّف وراءه إرثًا عصيًا على النسيان بين صفحات القافلة وفي سجّل تاريخها.

فريق التحرير

وُلد الأستاذ عبدالله بن خالد الخالد في العام الذي شهد مولد القافلة عام 1953م، والتحق بالعمل في أرامكو السعودية عام 1399هـ (1979م)، بعد أن لعب القدر دوره في ذلك حيث قرّر الالتحاق بالشركة بعد أن صادف إعلانًا للتوظيف في إحدى الصحف. وحينما اطَّلع قسم التوظيف على تحصيله الأكاديمي، الذي توَّجه بشهادتي البكالوريوس في الآداب والماجستير في إدارة الأعمال، لم يتردّد في اتخاذ قراره الفاصل بإلحاقه بقسم النشر.

منذ ذلك الحين بدأت قصة الخالد مع القافلة، حيث تدرّج في الوظيفة على مدار 10 أعوام أثبت خلالها كفاءته في عمله، حتى أُسندت إليه أخيرًا رئاسة تحرير المجلة عام 1410هـ (1989م)، حين تسلَّم دفَّة قيادتها من الأستاذ عبدالله حسين الغامدي، ليقود المسيرة 10 أعوام أخرى قبل أن يعهد بها من بعده إلى الأستاذ عصام توفيق.

التجربة من لسان صاحبها

وإذا كان عقدٌ من الزمان عصيًّا على الاختصار في بضعة سطور، فإننا نكِل جزءًا من هذه المهمة الصعبة إلى الخالد نفسه؛ ففي عددها الخاص الصادر في صفر 1412هـ (أغسطس/سبتمبر 1991م)، احتفت القافلة بمناسبة مرور 40 عامًا على صدورها، وقد تضمَّن ذلك العدد مقالة افتتاحية له بعنوان “بين غلافين”، تحدّث فيها عن جانب من بدايات تجربته في رئاسة التحرير. يقول الخالد بنَفَس يشفّ عن تواضع جمّ، كما يكشف عن تقدير بالغ للمهمة التي أقبل عليها: “كنت متردّدًا في البداية في قبول هذه المهمة خشية ألا أُحسن الحِداء، في قافلة تعاقب على قيادتها والسير بها حدّاءون محنكون، لم أكن بعمري القصير وخبرتي القليلة قد أتقنت ما يتقنون، ولا بلغت مبلغهم من العلم والثقافة”.

لكن التواضع الذي اتصف به الخالد رافقته ثقة وعزم مكَّناه من النهوض بمهام رئاسة التحرير على أكمل وجه، ليُثبت في فترة وجيزة أنه كان أهلًا لهذا الحمل الثقيل، بمعونة زملائه في الفريق كما يخبرنا بذلك: “وجدت نفسي، بعد فترة ليست بالطويلة، أسير وتسير معي القافلة بتؤدة واتزان، بفضل من الله، ثم بفضل جملة من الحداءين الأكفاء وجدتهم حولي، ووجدت أننا بعون الله قادرون على السير بالقافلة في خط سيرها الصحيح”.

الوفاء لهوية القافلة ومكانتها

أشرف الخالد خلال فترة رئاسته للتحرير على 120 عددًا من القافلة، وقد وضع نصب عينيه هدفًا واضحًا كرَّس جهوده من أجل تحقيقه خلال تلك الفترة، ألا وهو المحافظة على هويّة القافلة ومكانتها الأثيرة لدى القرَّاء؛ وهو هدفٌ لم يكن سهلًا على حدّ وصفه: “لعمري إن هذا لعبءٌ ثقيل، ولكنّا ماضون بعون الله في طريق نأمل أن نوفق بها، وعازمون قطعًا على أن تظل القافلة كما هي: منار فكر وينبوع ثقافة لكل من يسعى إلى قراءتها”.

كانت البصمة الأدبية واضحة في تلك الأعداد، لا سيما أن الخالد شاعرٌ صدر له في شعر الطفولة ديوانان: الأول بعنوان «أناشيد الطفولة»، والثاني بعنوان «القمر وقصائد أخرى للأطفال». لكن ميوله الأدبية لم تطغَ على منهجه في رئاسة التحرير، بل كانت يده الخبيرة تمسك بالعصا من المنتصف، ليحفظ للمجلة توازنها وتنوّعها الذي يأتي في صميم رؤيتها التي انبثقت منها وبنت عليها خلال مسيرتها الرائدة كمجلة ثقافية متنوّعة.

وهكذا حرص الخالد إبان قيادته للقافلة على: “تنويع مادتها الثقافية، والتركيز على المواد العلمية، إضافة إلى تحسين مستوى الإخراج الفني، واعتماد الصور الأصلية بدلًا من الصور المنشورة في بعض المجلات أو الرسومات”، كما يذكر لنا ذلك في لقاء معه نُشر في العدد الخاص الذهبي بمناسبة مرور 50 عامًا على صدور القافلة.

علامات مضيئة على طريق القافلة

بصماته الأولى

أثناء عمله ضمن فريق تحرير القافلة، أسهم الخالد بعدد من الاستطلاعات والتحقيقات والمقالات، التي تنوَّعت في موضوعاتها، فتناول بعضها أعمال الشركة، بينما جاء بعضها الآخر مكتسيًا بصبغة علمية ظاهرة، كمقالة نُشرت بعنوان “فتح جديد في عالم السرطان”، وأخرى بعنوان “المركز الوطني للكلى”. كما استطلع الخالد في مقالات أخرى مدنًا ومناطق سياحية ومراكز ثقافية داخل المملكة وخارجها، كان من أوائلها مقالة وافية رشيقة عن “نجران بين الماضي والحاضر”.

العدد الأول في رئاسة التحرير

كان عدد صفر 1410هـ (سبتمبر 1989م) القطرة الأولى من القافلة التي تهطل مذيَّلة باسم الخالد رئيسًا للتحرير، حيث تصدّرت الغلاف صورة لملعب الملك فهد الدولي، الذي استطلعه العدد بالتزامن مع استضافة المملكة لبطولة كأس العالم الخامسة للشباب لكرة القدم. وتضمَّنت الصفحات أيضًا قصيدتين شعريتين، وتقريرًا سنويًا عن منع الخسائر في أرامكو السعودية، إلى جانب موضوع عن الشاعر والكاتب المصري أحمد رامي، الذي غنَّت له أم كلثوم عشرات الأغاني، وكانت له عدة ترجمات بينها ترجمة لرباعيات الخيام.

استطلاعات ثقافية

من الموضوعات التي كانت رائجة في القافلة فترة رئاسته للتحرير التحقيقات الصحفية والاستطلاعات التي تتعلق بالمراكز والمتاحف والهيئات ذات العلاقة بالثقافة بمفهومها الواسع العام داخل المملكة، لا سيما تلك التي رأت النور في أوقات مقاربة زمنيًا لتلك الفترة، من قبيل: الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية، ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

القافلة في الأربعين من العمر

في عددها الصادر شهر صفر 1412هـ (أغسطس/سبتمبر 1991م)، احتفى فريق القافلة بقيادة الخالد بمناسبة 40 عامًا على صدور القافلة، حيث تحدّث العدد بشيء من التفصيل عن الدور الثقافي للمجلة، كما تضمّن مجموعة من المقالات المختارة لنخبة من الكتاب الذين شاركوا في القافلة في بداياتها، كالدكتور طه حسين، والأستاذ عباس العقاد، وغيرهم. وقد تصدّرت صحفات العدد رسائل إلى القافلة أدلت بها بعض الشخصيات المهمة على مستوى المملكة.

حول الطاقة وشؤونها

كان الاهتمام بالموضوعات العلمية في بُعدها العام، وتلك المتصلة بالصناعة وقطاع الطاقة خصوصًا، إحدى السمات الواضحة خلال الأعوام العشرة، في امتداد طبيعي ومقصود لما تشكَّلت عليه هوية المجلة في فترات سابقة. وقد تناولت بعض هذه الموضوعات القضايا التي نعايشها اليوم على صفيح ساخن في قطاع الطاقة العالمي، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر: نحو مفهوم جديد لأمن الطاقة، والهيدروجين طاقة عام 2000، والبداية هو الذكاء الصناعي، ومشاكل التنمية وحماية البيئة، وغيرها. 

صفحات في اللغة وأدب الأطفال

كانت زاوية “صفحة في اللغة” زاوية ثابتة اختتمت بها القافلة كثيرًا من أعدادها خلال فترة طويلة من قيادة الخالد لدفتها. وكان القارئ يُشرف من خلال هذه الصفحات على قواعد اللغة العربية ومعاني ألفاظها والأخطاء الشائعة في استخدامها وأسرار البلاغة فيها، لتتكامل بها الصورة العربية مع ما كان يُنشر في القافلة من شعر وقصة وأدب ودراسات لغوية متنوعة. ويظهر لنا باستقراء ما كان يُنشر من موضوعات أن الخالد يرى أن اللغة العربية يجب أن تبقى لغة حيَّة توجِّه خطابها للمجتمع بكافة شرائحه، وهكذا نتلمَّس انعكاسًا لرؤيته هذه في إشراع باب مفتوح لأدب الطفل كشف عن نفسه في بعض الأعداد والمقالات، ومنها: أدب الطفل في الآداب الأجنبية، وثقافة الطفل العربي المنطلق والأمل، وشعر الأطفال.. إلى أين؟.

ختامها مئوية الوطن

شهد العام الأخير من تولِّي الخالد لرئاسة تحرير القافلة إصدار عدد وطني خاص من مائة صفحة تزامن مع احتفال المملكة بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لتأسيسها، حيث تشرّف الغلاف بصورة مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله، بينما احتفت صفحات العدد بالوطن وتاريخه ومستقبله عبر موضوعات ثريّـة متنوعة، استعرضت سيرة الملك المؤسس وما شهده عهده من انطلاق نهضة حضارية شاملة وأظهرت لقطات مصوّرة من حياته، كما تناولت تطوّر صناعة البترول في المملكة وقصة بئر الدمام رقم 7، إلى جانب استطلاعها للعاصمة الرياض ومشاريع توسعة الحرمين الشريفين.


مقالات ذات صلة

الثقافة تعارفٌ وتثاقف، وحوار وتواصل وتآلف؛ إنها نوافذ مشرعة وأبواب مفتوحة، وطرق تُمهّد وجسور تُبنى. بتلك النية بدأت القافلة..

عبدالله الحواس، رئيس مكتبة إثراء، يكتب عن أهمية القراءة والكتب في حياتنا، ودور مسابقة “أقرأ” في التشجيع على جعل القراءة أسلوبًا للحياة.

كما تقول هيلين كيلر، نحن نسافر لنشعر بأننا أحياء، ونكتشف أنفسنا في المجهول، بينما يعلمنا السفر التواضع ويُثري تجاربنا الإنسانية..


0 تعليقات على “الخالد.. في ذاكرة القافلة”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *