في قلب الصحراء السعودية، حيث تتعانق الصخور مع السماء، وتنساب رمال الزمن عبر الوديان، تتألق كهوف العُلا وكأنها جواهر طبيعية وعجائب جيولوجية مذهلة تحمل في طياتها قصصًا من عصور غابرة. هنا، في هذا المشهد الخلاب، تخيّلت مهندسة التصميم الداخلي السعودية، منى عبدالله القويز، كيف يمكن أن تكون الحياة داخل هذه الكهوف، مستخدمة خيالها الواسع وتقنيات الذكاء الاصطناعي والفن الرقمي لتصوير الحياة بين جدران هذه الكهوف بوصفها ملاذًا أنيقًا يشبه العيش في أهم الفنادق الراقية.
أخذت منى القويز على عاتقها مهمة طموحة تتمثّل في تصوُّر الحياة داخل الكهوف القديمة في العُلا وتحويلها إلى مساحات معيشية متعددة الوظائف تُلبّي الاحتياجات الفردية والتجمعات المجتمعية. ففي سلسلة من الصور، قدَّمت القويز تفاصيل دقيقة لتصاميم داخلية ساحرة في أعماق الكهوف تتناغم بسلاسة مع التكوينات الصخرية الطبيعية، باستخدام مواد تعكس درجات الألوان والملمس المميز للمناظر الطبيعية. فجاءت تصاميمها لتكون امتدادًا للطبيعة المحيطة، مثل السلالم التي تبدو وكأنها منحوتة من الصخور نفسها، والجدران التي تحتفظ بملمسها الطبيعي مع لمسات ناعمة تضفي إحساسًا بالدفء، وغرف النوم التي تتربع مثل أيقونة تجمع بين الفخامة والبساطة، فتتمركز الأسرة فيها بين الجدران الصخرية للكهوف، ومناطق الجلوس المفتوحة ببساطتها وألوانها الترابية التي تتيح للضيوف الاستمتاع بمناظر الطبيعة الخارجية دون أن يشعروا بالانفصال عن البيئة الأصلية.
لم تغفل القويز إدماج عناصر العمارة السعودية التقليدية في تصميماتها، مثل الأبواب المقوسة والأنماط المعقدة والأواني الفخارية، مع وسائل الراحة الحديثة لضمان الرفاهية والاستدامة. أمَّا الإضاءة، فتؤدي دورًا محوريًا، حيث كانت التصاميم تعتمد بشكل كبير على الضوء الطبيعي الذي يدخل من خلال فتحات مدروسة بعناية في أسقف الكهوف وجدرانها. ولم تكن هذه الفتحات توفر الإضاءة فقط، بل كانت أيضًا تتيح التهوية الطبيعية، وهو ما يجعل المساحات أكثر حيوية. وذلك إلى جانب الإضاءة الاصطناعية التي اختِيرت بعناية لتكون خافتة ودافئة، فتُلقي بظلال لطيفة على الجدران، فتخلق جوًا من الدفء والهدوء والسكينة داخل الكهوف الصخرية المعتمة.
وقد ارتكز كل ذلك على أساس ما عبَّرت عنه القويز نفسها قائلةً: “حاولت خلق تناغم بين البيئة المحيطة والمساحات المعمارية عبر استخدام التفاصيل الطبيعية التي تشبه الصخور ومواد من الطبيعة؛ لتعزيز الشعور بالانسجام مع المكان، مع إضافة عناصر معمارية تُظهر جماليات التصميم العصري من دون المساس بجمال الطبيعة”. أمَّا الهدف الأساس، فهو تحويل العمارة إلى جزء من الطبيعة وليس مجرد إضافة إليها.
ويُذكر أن الفنانة منى القويز لم تكن الأولى التي استخدمت الذكاء الاصطناعي بوصفه وسيلة لتخيُّل موقع العُلا التاريخي والتفاعل معه من خلال دمج التكنولوجيا مع التراث الثقافي لخلق تعبيرات فنية مبتكرة. فقد أنشأت قبلها الفنانة الرقمية السعودية، نورا الصويري، سلسلة من الصور المولّدة بالذكاء الاصطناعي التي تصوِّر ملاعب كرة السلة مدمجة في وديان الحجر الرملي المذهلة في العُلا. فكانت تصاميمها، التي تمزج الملاعب بشكل متناغم مع التضاريس الوعرة والمضاءة بالضوء الطبيعي، تعكس شغفها بالرياضة وسحر العُلا، بالإضافة إلى أنها تُظهر كيف يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء مساحات ترفيهية وظيفية يتردد صداها مع المحيط الطبيعي حولها.
كما يمكننا أن نذكر “معرض صحراء X العلا”، المعرض السنوي الذي بدأ يُنظَّم في 2022م، والذي يضم تركيبات تستجيب للموقع من قبل فنانين مختلفين يستلهمون الأهمية التاريخية والثقافية للمنطقة، التي يستخدم فيها كثير من هؤلاء الفنانين الذكاء الاصطناعي في أعمالهم.
أمَّا فيما يتعلق بتصورات الفنانة منى القويز، فيمكنها أن تقدِّم لكل زائر لمعالم الطبيعة في المملكة العربية السعودية، ولكل من يشعر بالدهشة والسحر لتكوينات الكهوف الصخرية البديعة في منطقة العُلا، ولكل من يرغب في الاستجمام في الطبيعة بعيدًا عن متطلبات الحياة اليومية، تجربة استجمام من نوع آخر؛ تجربة فريدة من نوعها في اختبار العيش داخل هذه الكهوف الصخرية المهيبة. وذلك على الرغم من أن هذه التصورات ما زالت فكرة متمثَّلة في مجموعة من الصور التي عرضتها القويز في حسابها على “إنستغرام” في انتظار من هو على استعداد للاستلهام منها وتحويلها إلى حقيقة واقعة.
اترك تعليقاً