تأليف: ماري روتش
ترجمة: د. إيمان معروف
الناشر: منشورات تكوين، 2023م
“رائع، ومُضحك، ومُرعب”، بهذه الصفات عبَّرت إحدى المشاركات على موقع التواصل الاجتماعي الشهير “جود ريدز” لمراجعات الكتب عن رأيها في كتاب “الحياة المُريبة للجثث البشرية”. وهي الصفات الثلاث التي يُمكن أن يتفق عليها فعليًّا كثير من القُرَّاء عند تقييمهم لهذا العمل البحثي اللافت الذي أنجزته المؤلِّفة الأمريكية المُتخصِّصة في الكتابة العلمية عن الظواهر الغريبة، والمُحرِّرة في كثير من الدوريات، مثل مجلة “ناشيونال جيوغرافيك” وصحيفة “نيويورك تايمز”، ماري روتش.
تقول المؤلفة إن الجثث موجودة دائمًا “تصنع التاريخ بطريقتها الهادئة والمميزة”. وتُضيف أن بعضها شارك عن طيب خاطر أو عن غير قصد، على مدى ألفي عام، في “أشجع الخطوات العلمية وأغرب التجارب”. وترى أن أكبر ميزة في عمل الجثث هذا “أنها لا تُـكابد المشاق”، على الرغم من خضوعها لكمية كبيرة من الممارسات القاتمة. فهي تتحدى النار دون أن تتراجع، وتصمد أمام السقوط من المباني الشاهقة، وتصادُم السيارات بالجدران، ويمكن إطلاق الرصاص عليها، أو تمرير زورق سريع على أرجُلها، ولن يُزعجها ذلك.
وتشير “روتش” إلى أن كتابها، الذي تناولت فيه اثني عشر موضوعًا رئيسًا، يروي الإنجازات التي تحقَّقت مع الموت. فهو يهتمُّ بالأشخاص الذين ساعدوا البشرية بعد أن فارقوا الحياة. إنه كتاب عن “الأشياء الغريبة والصادمة والمقنعة التي فعلتها الجثث”.
ولطبيعة الأفكار التي يعرضها، تعترف المؤلفة بأن كثيرين ممن سيطالعون عملها سيجدونه “غير جدير بالاحترام”، على حد تعبيرها، وذلك لأن القيام بأي شيء غير دفن الموتى هو عدم احترام للإنسان. وسيقول بعضهم: “إنه ما من شيء مضحك في أن تكون ميتًا”. لكنها ترى ذلك خطأ، فالكتاب لا يتناول الموت بمعنى الرحيل الحزين والعميق، “فلا شيء مضحك في رحيل شخص تحبُّه”، لكنه يدور عن “الموتى المجهولين خلف الكواليس”.
وعبر سرد مشوق لكثير من التجارب التي كانت الجثث محورها الأساس، يأخذنا الكتاب في رحلة مثيرة داخل أروقة المعامل وغُرف العمليات وعلى طاولات التشريح، حيث تستقر الأعضاء البشرية كلها أو بعضها لإجراء التجارب العلمية، وذلك بهدف استكشاف المعلومات التي قد تفيد معرفتها في تعزيز صحة الأحياء، أو إنقاذ حياتهم حينما يحتاجون إلى إجراء جراحات دقيقة. فلا شك أن التدريـب على إجراء أنواع معينة من الجراحات على الجثث سيُقلِّل من الأخطاء الشائعة عند إجرائها على الأجساد الحيَّة، وسيُنِّمي مهارات الجرَّاحين.
لكن هذه الرحلة، التي يغلب عليها الطابع الدرامي الذي يَسِمُ أفلام الرعب، ربَّما لا تُنـاسب أصحاب القلوب الضعيفة والحس المرهـف. وذلك لأن المؤلفة تُسهِبُ في ذكر تفاصيل تتعلَّق بالتعامل مع أجساد الموتى، خاصةً في مرحلة تجهيزها للاختبار والفحص. لهذا، لا نستغرب نصيحتها التي وجَّهتها في متن كتابها إلى الأطباء وطلاب التشريح؛ إذ دعتهم إلى “التفكير في الجثث على أنها غير مرتبطة تمامًا بالأشخاص الذين كانوا أصحابها في السابق”.
اترك تعليقاً