“نحن في الواقع لا نرى بأعيننا، بل نرى بأدمغتنا”، هذا ما يوضحه الدكتور راسل لازاروس، في شبكة “فاحصي البصر”، في أكتوبر 2020م.
فخلال رؤية شيء معين، تركّز قرنية العين والعدسة الضوء على الشبكية في الجزء الخلفي من العين. ثم تُنشئ المستقبلات الضوئية الموجودة في الشبكية، نبضات كهربائية استجابة للضوء. وتنتقل هذه النبضات بعد ذلك، بواسطة العصب البصري، إلى الجزء الخلفي من الدماغ الذي يُسمَّى الفص القذالي. وهناك تُفسَّر النبضات لتتشكّل الصورة. لكن كيفية خلق الدماغ للعواطف المرتبطة بالصورة، لم تكن مفهومة جيدًا.
عندما يرى الناس منظرًا طبيعيًا يجدونه جذابًا بصريًا، يُظهر نظام المكافأة في أدمغتهم نشاطًا متزايدًا
لدراسة كيفية نشوء التقدير الجمالي في الدماغ، أجرى علماء الأعصاب في معهد ماكس بلانك للجماليات التجريبية في ألمانيا، تجربة عرضوا بموجبها على 24 مشاركًا، مقاطع فيديو للمناظر الطبيعية، وطُلب إليهم تقييم هذه المقاطع أثناء قياس نشاط الدماغ باستخدام جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي. ونُشرت النتائج التي توصلوا إليها في مجلة “فرونتيرز إن هيومان نيوروساينس” (Frontiers in Human Neuroscience)، في يوليو 2021م.
كشفت الأبحاث أنه عندما يرى الناس منظرًا طبيعيًا يجدونه جذابًا بصريًا، يُظهر نظام المكافأة في أدمغتهم نشاطًا متزايدًا. وتقول المؤلفة الرئيسة للدراسة، آيسي إيلكاي إيشيك: “كنا نتوقع أن تقتصر الإشارات الجمالية على أنظمة المكافأة في الدماغ، ولكن من المدهش أننا وجدناها موجودة بالفعل في المناطق البصرية من الدماغ، بينما كان المشاركون يشاهدون مقاطع الفيديو”.
نظام المكافأة في الدماغ
هي مجموعة من الهياكل العصبية المسؤولة عن بروز الحوافز أو الرغبة في الحصول على مكافأة، والعواطف المتوازنة بشكل إيجابي، وخاصة تلك التي تنطوي على المتعة باعتبارها مكونًا أساسًا مثل: الفرح والنشوة. ويحفّز نظام المكافأة البشر والحيوانات على الاقتراب من المحفّزات، أو الانخراط في سلوك يزيد من اللياقة البدنية وتناول الأطعمة الغنية بالطاقة، وما إلى ذلك. ويعتمد بقاء معظم الأنواع الحيوانية على تعظيم الاتصال بالمنبهات المفيدة، وتقليل الاتصال بالمنبهات الضارّة.
يحفّز نظام المكافأة البشر والحيوانات على الاقتراب من المحفّزات، أو الانخراط في سلوك يزيد من اللياقة البدنية وتناول الأطعمة الغنية بالطاقة
على هذا الأساس، كان العلماء يعتقدون أن الشعور بالجمال غايته تطورية للحفاظ على البقاء والتكيف مع البيئة. وهذا يخالف النتائج المهمة لدراسة معهد ماكس بلانك. والمثير للاهتمام هنا (وهذه إشارة من فريق القافلة وليس من باحثي الدراسة المذكورين آنفًا)، أن ما توصل إليه هذا المعهد العريق يتوافق مع ما جاء في “دليل أكسفورد لعلم الجمال”، الصادر عام 2003م عن مطبعة جامعة أكسفورد، والذي كتب هذا الجزء منه فيلسوف الفنون الأمريكي دينيس داتون، وجاء فيه: “يُنظر إلى هذه السمات بشكل عام على أنها تكيفات مع البيئة خلال عصر البليستوسين (من 2.5 مليون إلى 11 ألف و700 سنة مضت)، وليست بالضرورة تكيفية في بيئتنا الحالية”.
هذا يعني أن الجمال والشعور به هو غاية بذاته.
اترك تعليقاً