مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين

حراك غير مسبوق حجماً وتنوّعاً
الثقافة السعودية تقترب من المجتمع والفرد!


حسن المصطفى

تشهد المملكة في الفترة الحالية حراكاً ثقافياً كبيراً يترافق مع حركة تغيير وإصلاح، وورشة من التجريب المستمر. وإلى أن تصل المملكة إلى العام 2030، سيكون هنالك كثير من الخطط الثقافية التي ستخرجُ من الأدراج، سينجحُ بعضها، وستضمرُ أخرى؛ ولكن الأهم أن يكون المثقف في صلبها، والمجتمع مختبرها الحقيقي، والفرد السعودي غايتها الأولى، لأنه لبنة التغيير الحقيقي، وهو من وُضعت “رؤية المملكة” من أجل بناء مستقبله.

كان العام 2019م، عاماً مميزاً للنشاط الثقافي في السعودية. فبحسب “تقرير الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية”، الذي أصدرته “وزارة الثقافة” السعودية وتضمَّن رصداً لعدد من النشاطات المختلفة، تضمن هذا النشاط خلال العام الماضي، وعلى سبيل المثال لا الحصر:

  1. نشرُ 604 كتب في الأجناس الأدبية المختلفة.
  2. وصول عدد مرتادي السينما منذ افتتاحها وحتى نهاية العام 2019م، إلى 4 ملايين شخص، زاروا 12 صالة سينما في المملكة.
  3. بلغ عدد الأفلام السعودية المصنَّفة بين روائية طويلة وقصيرة ووثائقية 101 فِلْم.
  4. بلغ عدد المسرحيات التي قدَّمتها “الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون” و”الهيئة العامة للترفيه” وحدهما، 155 مسرحية، حضرها 94,565 شخصاً. كما وصل عدد الجوائز التي حصدها المسرح السعودي نحو 300 جائزة في مشاركاته الخارجية.
  5. حازت 8 مشروعات في المملكة جائزة “آغا خان” العالمية للعمارة.
  6. رصد 1,985 موقعاً تراثياً عمرانياً.
  7. إقامة 255 معرضاً فنياً على الأقل في السعودية في العام 2019م.
  8. ابتعاث 54 طالبة وطالباً لدراسة فنون الطهي.
  9. بلغ حجم سوق النشر السعودية السنوية 4.5 مليار ريال، استناداً إلى حجم المبيعات وفق إحصاءات 2017م.
    ومثل هذه الأرقام تدلُ على أن الثقافة في السعودية ليست فعلاً هامشياً، إنما نشاطٌ له دورته الاقتصادية، وفعالياته الاجتماعية، وفاعلوه الذين من خلاله لا يمارسون حريتهم في التفكير والقول والإبداع وحسب، وإنما يسهمون في صياغة نسقٍ مختلف، يحلَ مكان نسقٍ سابق. أي إنه فعلُ تغيير وإصلاح، وبعبارة أكثر تحديداً: هي عملية تنوير، ورافعة من روافع الدولة الحديثة. وطبيعة المنجز المعرفي والفني والأدبي والجمالي، أنه لا يمكنه أن يتحقق في صورة “خاتمة”. لذا، هو مستمر في ديمومة تنتقل من حال لآخر، وتنتج سردياتٍ وأعمالاً فنية متباينة، قد تصل حد التضارب والتضاد، إنما هو تشابك ضروري، من دونه لا يمكن أن تتصف أي ثقافة بـ”الحياة”.
المشروعات الثقافية المتنوعة والأمسيات والمهرجانات تشير إلى أن الثقافة السعودية ذات طبيعة ديناميكية

حول وظيفة الثقافة كمحرِّك
لفهم البُعد المعرفي والفلسفي لطبيعة دور الثقافة كمحرِّك للمجتمعات، يمكن التوقف عند عبارة لعالم “الإناسة/الأنثروبولوجيا” الفرنسي، كلود ليفي شتراوس، أشار فيها إلى أن “المجتمعات البدائية، كانت تتحرَّك بدافع الحاجة أو الرغبة في فهم العالم المحيط بها، وفي فهم طبيعته وفهم المجتمع؛ ولتحقق هذه الغاية تقدَّمت الشعوب عبر وسائل فكرية وعقلانية محضة”.
في مقاربته لتأريخ تطوُّر الشعوب، يجد شتراوس أن الحاجة دعت إلى المعرفة، والثانية قادت إلى إعمال العقل، الذي انعكس بشكل إيجابي على من مارسه، وحوَّل هذه الجماعات البشرية من مجتمعات “بدائية” إلى أمم متقدِّمة. وكانت إشارته دقيقة عندما قال إن الوسائل التي كانت مستخدمة هي “فكرية وعقلانية محضة”. رغم أن البعض قد يجادل في طبيعة وحجم هذه الأدوات حينها، وإن كانت تمارس بالوعي نفسه الذي تشكل لاحقاً، أم أنها انبثقت من حاجة طبيعية، لبتها الغريزة، وتلمست طريقها عبر الحواس، وعمل العقل على تنظيمها وتطويرها. أي إنها ليست انبثاقاً جمعياً متكاملاً، بل، صيرورة مستمرة من التجارب والخبرات التي يتطوَّر العقل البشري معها ويتكامل ويتجادل، ليخلق تالياً أنماطاً متعدِّدة من “الثقافات”، هي نتاج كل تجربة باختلاف ظروفها ومآلاتها.
إذن، الثقافة هنا تحضر بوصفها ملازمة للإنسان في تطوُّره، وأيضاً رافعة له من مستوى إلى آخر، وكاشفة عن عوالم كلما تقدَّم الإنسان احتاج إلى معارف جديدة لاكتشافها، ما يجعل تلك الثقافة ذات طبيعة ديناميكية لا تقف يوماً عند حد أو تقول: أنا منجزة التكوين وكاملة! وإلا فإنها حين ذاك تنقرض، وتستحيل إلى ثقافة ضعيفة، مستسلمة، ميتة، تحلّ مكانها أخرى قوية، ديناميكية، قادرة على التطوُّر والاستمرارية. وبهذا المعنى تكون الثقافة صنو الوجود، والمعادل الموضوعي لمعنى أن يكون للفرد كينونته، وللمجتمعات حيويتها، وللمستقبل شهوته بمزيد من الفتوحات المعرفية والتجارب البشرية الكبرى.

مبنى الحج في مطار الملك عبدالعزيز في جدة، أحد المشروعات الثمانية التي حازت جائزة “آغا خان” العالمية للعمارة

لذلك، اعتبر الفيلسوف الألماني فردريك هيغل، أن “الفكرة البسيطة التي تجلبها معها الفلسفة وهي تتأمل التاريخ: هي الفكرة البسيطة عن العقل، التي تقول إن العقل يسيطر على العالم”. وفي هذا إشارة واضحة إلى أن العقل هو الأداة الرئيسة لـ”السيطرة”. ما يعني أن كل أشكال الهيمنة الأخرى، حتى تلك العسكرية منها، هي نتاج هذا العقل، الذي سيكون له الدور الفعَّال في بناء الحضارة والتأثير في مسار البشرية.
سقنا هذه المقدِّمة النظرية لكي ندركَ سبب الدعوة إلى أن تأخذ “الثقافة” و”التفكير العقلاني” مكانة أكبر في المجتمع السعودي. ليس لأن المملكة بلدٌ نفطيٌ مهم، أو لأنها تمتلك رمزية خاصة لدى المسلمين في جميع أنحاء العالم باحتضانها مكة المكرمة والمدينة المنورة وحسب؛ وإنما أيضاً لكونها دولة ذات مجتمع متنوِّع، واسع، به ثقافات فرعية عدة، وأنماطٌ اجتماعية ثرية في موروثها وعاداتها وتقاليدها، تشارك الآن في العمل على إعادة اكتشاف جماليات هذه الثقافات كعناصر ثراء تجعل من “قوة السعودية في تنوُّعها”، كما “جمال اللوحة في تعدُّد ألوانها”.
وقد جاء في مقدِّمة وثيقة رؤية المملكة 2030، ما نصهُ “لقد حبانا الله في المملكة العربية السعودية، مقومات جغرافية وحضارية واجتماعية وديموغرافية واقتصادية عديدة، تمكننا من تبوء مكانة رفيعة بين الدول القيادية على مستوى العالم”. كما تؤكد الوثيقة نفسها أن “المجتمع الحيوي” هو أحد العناصر الثلاثة الرئيسة التي تعتمد عليها “الرؤية”.

إحدى فعاليات الهيئة الملكية لمحافظة العلا التي تنشطُ
في الفعل الثقافي

ضـرورة تحـرير الثقافة
لتصبح زاداً يومياً للناس

لا يمكن لأي مجتمع أن يتصف بـ “الحيوية”، ما لم تكن هنالك أفكار متنوِّعة تتساجل، تتثاقف، تتناقش، تدخل في مختبرات حياتية، تشارك فيها ليس النخبة وحسب، بل المجتمع بأفراده ومؤسساته المدنية وهيئاته الحكومية. أي أن تتحرَّر “الثقافة” من وصفها “مُلكاً خاصاً للنخبة”، إلى زاد يومي بين الناس.
تحرير الثقافة له أهمية بالغة، لأنه يخرجها من كونها فكرة “مثالية” لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، ويجعلها قابلة للتطبيق في مشروعات حيوية. هي إخراج لها من تلك “النرجسية” المتعالية لـ “الذات العالمة”، التي خلقت جداراً بين المثقفين وعامة الناس، لسنوات وسنوات.
لقد عملت وزارة الثقافة السعودية و”الهيئة العامة للترفيه” عبر برامجهما المختلفة على هدم هذا الجدار، ما أربك المثقف النمطي، لأن إيقاع العمل كان سريعاً، مفاجئاً، تجاوز حدود التفكير السائد، بل تخطاه لخطوات لم يكن كثير من المثقفين يعتقدون أنها ستكون ممكنة في العام 2019م!
فللمثقف السعودي كبرياؤه. وهذا الشعور النفساني، غلفهُ انفعالُ البعض، إنزواء آخرين، ويأس أو تردد مجموعة أخرى. ما جعل قابليتهم لأن يستوعبوا كثيراً من المتغيرات السريعة، أمراً أشبه بـ”الصدمة المعرفية”.
لقد أصبح المثقف المحلي كـ “قابضٍ على الماء خانته فروج الأصابعِ”، لا لشيء إلا لأن حالة الارتباك جعلت رجليه تتجمدان في الأرض الخاصة والقصية التي اعتاد الركون إليها. فمن الصعب أن يتحرَّك من يسند ظهره إلى كرسيه الخشبي، يدخن سِيجارهُ وينظر إلى الناس بوصفهم مجرد أرقام وأتباع مُنفعلينَ لا فاعلين!
لا يمكن التعميم على جميع المثقفين السعوديين، فالتعميم سلوك يجافي الموضوعية والعلم؛ إلا أن قلائل هم الذين استطاعوا فعلياً أن يجاروا المتغيرات الاجتماعية التي أنتجها التطوُّر التقني، وزاد من سرعتها وسطوتها انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وأتت رؤية المملكة 2030 لتعطي هذه المتغيرات زخماً أكبر.

الفلسفة في ثلاث تجاربَ محلية
من المفيد في هذا الصدد، التطرُّق إلى ثلاث تجاربَ متنوِّعة، واحدة منها قديمة، واثنتان حديثتان، لكنها جميعاً تنتمي إلى حقل يُعد نُخبوياً، ألا وهو “الفلسفة”. إلا أن هذه التجارب، لم تبقَ حبيسة أُطرها الضيقة، وإنما عملت قدر استطاعتها، ووفق إمكاناتها، على توسيع دائرة تأثيرها والمنخرطين فيها:

  1. حلقة الرياض الفلسفية. تأسست في عام 2008م، ونشطت تحت مظلة “النادي الأدبي بالرياض”. وهي تجربة وإن كانت أوجه نشاطها اقتصرت على المحاضرات والندوات والحلقات النقاشية، إلا أنها دفعت بـ “الفلسفة” لتكون أحد الحقول التي يشتغل عليها الشباب السعودي، ويكتبون حولها، ويسهمون بمقالات عدَّة، في صحف محلية وعربية، تحاول الإجابة عن أسئلة، مثل: أي دور للفلسفة في المجتمع السعودي؟ وهل هنالك من فيلسوف محلي؟ وهل بإمكان الفلسفة أن تصبح جزءاً من مناهج التعليم في المدارس السعودية؟
    صحيح أن “حلقة الرياض الفلسفية” لا تمتلك كثيراً من الموارد المادية، ولم تنوِّع أدوات عملها ضمن أنساق الإعلام والتواصل الحديثة، إلا أنها حافظت على استمراريتها، في وقت كان فيه المهتمون بهذه المعارف قلائل حتى بين أوساط المثقفين أنفسهم.
  2. “حكمة”؛ وهي مجلة إلكترونية تُعنى بالفلسفة، واللسانيات، وعلم النفس، وعلم الأعصاب.. وهي بمثابة مختبر حيوي للجيل الجديد من الفتيات والشبان السعوديين، الذين يعملون بشكل تطوُّعي على ترجمة نصوص علمية من لُغاتها الأم، وإعادة نشرها عبر الموقع باللغة العربية.
    وربما استطاعت منصة “حكمة” أن تتجاوز محدودية تأثير “حلقة الرياض الفلسفية”، عبر تشجيعها لعدد كبير من الفتيات والشبان السعوديين على الانخراط في نشاطاتها، وتحديداً “الترجمة” و”النشر”. وتوسيعها لمعنى “الفلسفة” من ذلك السؤال عن “الوجود”، إلى تفاصيل الحياة اليومية ومجرياتها. وهي بذلك سهلت الحقل الفلسفي للراغبين في قراءته، من دون أن تفرغه من مضامينه.
    ليس هنالك من تجربة مكتملة، وبعض ما يعتري “حكمة” من وهن وإن نسبي، هو في نظر بعض المتابعين، المستوى المتوسط لبعض المواد المترجمة. إلا أنها في الوقت نفسه، قرّبت القارئ السعودي خاصة والعربي عامة، من موسوعة “ستانفورد” الفلسفية، من خلال ترجمة موضوعات عديدة منها.
  3. “معنى”؛ وهي منصة إلكترونية، أطلقت في عام 2019م، تعمل على نشر مواد تهتم بالثقافة والفلسفة والفنون، ولديها منتجات بصرية ومسموعة ومجلة مطبوعة.
    قد تمتلك “معنى” إمكانات مادية أكبر من سابقتيها، وتتنوَّع في منتجاتها. إلا أن بعض المهتمين بالحقل الفلسفي في السعودية، ينتقدونها لبُعدها العربي الأوسع، وعدم حضور المثقف السعودي فيها بشكل كبير. إلا أن السؤال عن هذا الغياب: هل هو بسبب عدم مشاركة المشتغلين بالفلسفة في السعودية في “معنى”، أو استكتاب المنصة لمثقفين عرب متنوِّعين لأسباب موضوعية وعملية؟ أو ربما يكون جدل المشروعات المختلفة، وتباين الآراء والتنافس بينها!
    تمثلُ هذه التجارب نماذج على قدرة المثقف التواصلية، حتى في أكثر الموضوعات نخبوية، وإشراك جيل جديد من السعوديين، وتحديداً طلاب الجامعات الذين درسوا في أوروبا والولايات المتحدة وكندا، للاستفادة من خبراتهم في بناء مشروعات ثقافية محلية. إلا أنها تتقاطع والأفق الإنساني العام في اشتغالاتها الوجودية.
    بالموازاة مع هذه الجهود “الأهلية”، نجد مؤسسات سعودية أكبر، من خارج إطار “وزارة الثقافة”، تنشطُ في الفعل الثقافي، ولعلَ أبرزها:
  4. مركز “إثراء”، التابع لـ “أرامكو السعودية”.
  5. “مسك الخيرية”، وهي إحدى المؤسسات التابعة لصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد ابن سلمان.
  6. الهيئة الملكية لمحافظة العلا. وهي هيئة استحدثت بقرار ملكي، وتأسست في 20 يوليو 2017م.
    أسهمت هذه المؤسسات وتسهم بشكل كبير في مشروعات ثقافية متنوِّعة، وأمسيات ومهرجانات، مثل مهرجان “شتاء طنطورة”، وسواه من الفعاليات الفنية والتدريبية والثقافية، التي اتسمت بتركيزها على أن يكون للفتيات والشباب السعودي دور رئيس في عمليات الترتيب والتنظيم والإعداد. لكي يكتسب هؤلاء مهارات جديدة، تمكنهم مستقبلاً من أن يقوموا بأنفسهم، وبالاعتماد على الكوادر الوطنية، في اجتراح مشروعات خاصة وخلَّاقة.
“معنى”؛ وهي منصة إلكترونية، أطلقت في عام 2019م، تعمل على نشر مواد تهتم بالثقافة والفلسفة والفنون، ولديها منتجات بصرية ومسموعة ومجلة مطبوعة

مشروعات الوزارة
من جهتها، لم تكتفِ وزارة الثقافة السعودية بـ “الأندية الأدبية” و”جمعيات الثقافة والفنون”، بل عملت على محاولة توسيع دائرة فاعليتها. ولعل العمل الأهم الذي قامت به هو إنشاء إحدى عشرة هيئة تتبع لها، تختص كل واحدة منها بشأن معيَّن. وشملت هذه الهيئات:

  1.   الأدب والشعر والترجمة.
  2.   المتاحف.
  3.   التراث.
  4.   الأفلام.
  5.   المكتبات.
  6.   فنون العمارة والتصميم.
  7.   الموسيقى.
  8.   المسرح والفنون الأدائية.
  9.   الفنون البصرية.
  10. فنون الطهي
  11. الأزياء.
    والملاحظُ في هذه الهيئات، أنها عملت على “تحرير الثقافة” مفهومياً ونظرياً على الأقل، وأخرجتها من دائرتها الضيقة، وجعلتها تلامس أذواقاً مختلفة. وبالتالي، وسّعت مروحة جمهورها، ولم تقصره على ذلك الجمهور النمطي الذي تدور أفكاره في ثنايا دوائره الخاصة.
    في يوم 25 يوليو 2020م، صدر قرارٌ بناءً على موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على اقتراح من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ينص على “التأكيد على جميع الجهات الحكومية اقتصار القطع الفنية في مقراتها على الأعمال الفنية الوطنية وفق دليل يُعدُّ من قبل وزارة الثقافة، على أن تزود الجهات الحكومية وزارة الثقافة بقائمة الأعمال المقتناة، ليتم إضافتها في السجل الوطني للأعمال الفنية”.
    هذا القرار يتعدى بُعده الإجرائي الحكومي، إلى جعل الثقافة جزءاً من ثقافة المؤسسة، وأنسنة الفضاء العام في هذه المباني والمقار، ودعم الفنانات والفنانين التشكيليين المحليين.
    هذه الأنسنة لا تحتاج إلى “معجزة” وإنما بعض الأعمال التي ترسل إشارات عميقة ذات دلالة، كالتي نقرأها في قصة الفنان السعودي زمان جاسم، الذي وجد نفسه محل اهتمام الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، وتالياً المؤسسات الإعلامية المحلية. وكان السبب صورة انتشرت لسمو ولي العهد وهو في مكتبه يتابع جلسة مجلس الوزراء السعودي في مايو 2020م، وظهرت في الصورة لوحة فنية رسمها التشكيلي زمان جاسم. فكانت هذه الصورة كفيلة لأن تضع جاسم تحت أضواءٍ عدة، وتعيد للفنان السعودي اعتباره.
    فمن خلال اهتمامه الشخصي بالفنون، وعبر صورة التقطها مصورٌ له، بعث سمو ولي العهد برسالة التقطها الفنانون السعوديون، وشكَّلت دعماً معنوياً لهم. وهي ستتجاوز في مفاعيلها الجانب المعنوي، إلى اهتمام عملي أكبر من وزارة الثقافة والجهات المعنية بالفنون.

المآلات!
ليس هنالك من خطٍّ نهاية للثقافة، لأن الخط حد، والذي يلتزم بحدٍّ لا يستطيع أن يجترح أفكاراً متجاوزة جرئية خارج الصندوق.
لهذا، يعيش السعوديون اليوم في مختبر حقيقي لثقافاتهم وفنونهم، وسيكون عليهم أن يجربوا فيه كثير من الأعمال والنظريات والمفاهيم، وهي بدورها مثل لعبة الأبواب المشرعة على أبواب متتالية. الأهم، أن تقود هذه الرحلة إلى صناعة الحضارة، وبناء الوعي، وتشكيل مستقبل حديث مدني، بعيداً عن تسليع الثقافة أو الاستخدام النفعي المرحلي لها.


مقالات ذات صلة

خلال أمسية شعرية ضمَّت مجموعة من الأسماء، ألقى محمد الفرج في الجولة الأولى قصيدته وهو يمشي بين الحضور، متوجهًا إلى جمهوره بالكلام، ونظنه تعثَّر في قدم أحدهم. ولكنه استفاد من الإمكانات الأدائية الكبيرة التي يوفرها له دور الحكواتي الذي اعتاد القيام به؛ إذ إن الفرج فنان تشكيلي وحكَّاء إلى جانب كونه شاعرًا. غير أن مقدِّمة […]

صاحب حركة النهوض التي عاشتها الثقافة العربية، أثناء القرن التاسع عشر وامتدادًا إلى العقود الأولى من القرن العشرين، تدفق عدد من المفاهيم أوروبية المنشأ التي قُدّر لها أن تغيّر مسار الثقافة العربية نتيجة لجهود العديد من المترجمين والباحثين والمفكرين لا سيما من تعلم منهم في أوروبا أو أجاد لغات أجنبية. وهذه المفاهيم كثيرة ومتنوعة تمتد […]

من الملاحظات المهمة التي سمعتها من عدد من الفلاسفة الذين شاركوا في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة في ديسمبر 2021م، أن الحضور الغالب كان من غير المحترفين في الفلسفة. والمقصود بالمحترفين هنا هم أساتذة الجامعات وطلاب الدراسات العليا تحديدًا. فالمعتاد في مؤتمرات الفلسفة في العالم هو أن يحضرها أسـاتذة الجامعات الذين يقدمون أوراقًا علمية في المؤتمر […]


0 تعليقات على “الثقافة السعودية تقترب من المجتمع والفرد!”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *