تُظهر الدراسات العالمية الحديثة تزايد نسبة الإصابة باضطراب طيف التوحد بشكل مطرد خلال الـ 15 سنة الماضية، إذ ارتفع العـدد التقـديري للإصابة به من حالة واحدة لكل 166 طفلًا عام 2004م، إلى حالة واحدة لكل 54 طفلًا عام 2020م. ومع أن أكثرنا يعرف عالم التوحد ويتعاطف مع المصابين به من خلال حلقة نقاش أو حملة توعوية لدعم أطفال التوحد، لكن ما يغيب عن أذهاننا في معظم الأحوال هو حجم المعاناة اليومية لأبوين رُزقا بمولود مصاب بالتوحد؛ معاناة قد تتحوّل أحيانًا إلى مصدر إلهام.
خلف أسوار البيوت المغلقة قصص معاناة آباء وأمهات في رعاية أطفال جعلهم الله مختلفين؛ قصصٌ تفرض على من يطّلع عليها عن قُرب أن يرفع القبعة تقديرًا لكل أسرة تكافح لرعاية طفل واحد مصاب بالتوحُّد، كما تحتّم علينا جميعًا ألّا نتوانى عن تقديم كل أشكال الدعم لتلك الأسر ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا. ومع أن جانب المعاناة واضح في هذه القصص، التي تُثير لدينا حالة من التعاطف الإنساني، إلا أنها أيضًا قصص تشع بالإلهام حين نرى كيف كان التوحد سببًا لحراك إيجابي وفاعل قد يتخطى أثره الأفراد إلى نطاق المجتمع.
الملاحظات الأولى وأعراض التوحّد
تقول إحدى الأمهات: “بدأت الحكاية عندما لاحظت أن طفلي لا يستطيع التعبير عن أبسط احتياجاته، وكانت هذه الفجوة تزداد كلما تقدم بالعمر. أناديه باسمه فلا يستجيب، وأحتضنه وأقبله لأعبّر له عن حبّي فيبتعد رافضًا هذا الحب”.
أمٌ أخرى تقول: “عندما كنت أتركه مع إخوته في غرفة اللعب، كان يتركهم دائمًا، بل يذهب إلى أبعد نقطة ليلعب بطريقة غريبة لا أفهمها. ذات يوم، أحضرنا له دراجة هوائية فلم يركبها بل قلبها رأسًا على عقب وبدأ بتدوير العجلات، وصار يرفرف بيديه كأنه يحاول الطيران”.
وتتساءل إحدى الأمهات: “لا أدري لماذا يفضل طفلي نوعًا واحدًا من الطعام، حتى إنه يأكل بنفس الطبق والملعقة ويشرب بذات الكوب! ولماذا يرتدي ملابس بنمط معين حتى أن في دولابه عشرات الأشياء من اللون نفسه”.
المواقف السابقة تكشف لنا طرفًا من مشاعر الإحباط والإرهاق والمعاناة التي تنتاب الأُسر عند بداية ملاحظتها لأعراض التوحد لدى أطفالها، كما تلخِّص جانبًا من الاستفسارات والتساؤلات التي ترافق جلسات التقييم الأولى، عندما يبدأ أولياء الأمور بالبحث عن أجوبة تفسّر ملاحظاتهم تلك. في نهاية الحديث، غالبًا ما يُخبرونك أنهم بحثوا في الشبكة العنكبوتية فاستوقفتهم كلمة “توحُّد”؛ وبصوت خافت ونبرة متردّدة، يأتي السؤال: هل ابني مصاب بالتوحّد؟!
تتنوع الأعراض التي تظهر على الطفل المصاب بالتوحّد، فمنها أعراض ومظاهر سلوكية مثل النشاط الزائد أو الخمول والكسل المبالغ فيه، أو نوبات شديدة من الغضب والبكاء دون سبب محدد، أو انعدام التواصل البصري بين الطفل والشخص الذي يتكلم معه، أو تعلقه الشديد بأشياء صغيرة وغريبة. وقد يشمل ذلك في بعض الأحوال سلوكيات نمطية، كرفرفة اليدين أو تحريك الجسم وهزّه ذهابًا وإيابًا أو غيرها.
وهنالك أيضًا أعراض تتمثل في قصور المهارات الاجتماعية، وعدم القدرة على بناء علاقات مع أفراد العائلة، إذ يُلاحظ أن أطفال التوحّد يميلون إلى الانطواء واللّعب بشكل منفرد، ويفضّلون الانسحاب في مختلف المناسبات الاجتماعية.
أما بخصوص الأعراض الانفعالية، فتتمثل في نقص الاستجابة العاطفية، والفشل في الاستجابة للتدليل والعناق، وبالتالي يتميّز أطفال التوحّد بالبرود العاطفي تجاه الآخرين حتى الوالدين؛ بل قد يتصفون بسلوكيات عدوانية تجاههم وتجاه أنفسهم، مثل الضرب والعض والخدش أو حتى ضرب رأسه بالحائط. وفي الغالب تكون هذه السلوكيات تبعات لنوبات غضب شديدة يصاحبها صراخ أو دوران أو ركض في أجزاء الغرفة، أو غيرها من التصرفات التي يصعب على الوالدين فهمها.
وقد تظهر لدى أطفال التوحّد أعراض ترتبط بالتواصل اللغوي، من قبيل وجود مشكلات في النطق أو استخدام اللغة، بل انعدام استخدامها أحيانًا، كما قد نلاحظ أن الطفل المصاب يكرّر بعض الكلمات، أو يُسيء استخدام الضمائر أو يعكسها في كثير من الأحيان، أو يسمِّي الأشياء بوظائفها لا بأسمائها الحقيقية؛ فمثلًا تراه إذا احتاج إلى قلم يقول: أكتب، وإذا احتاج إلى كأس ماء قد يقول: أشرب.. وهكذا.
ما هو التوحُّد في حقيقته؟
يُعدّ التوحُّد من الإعاقات النمائية المعقدة التي تصيب الأطفال في مرحلة الطفولة المبكّرة، وتسبب قصورًا في جميع جوانب نمو الطفل المعرفية والعقلية والحسية والحركية. ويتضح هذا القصور في الجوانب الاجتماعية التواصلية بصورة أكبر، فالطفل التوحّدي يقف عاجزًا عن التفاعل الاجتماعي، وتقتصر علاقته مع الأشخاص على محيطه فقط.
وكان أول توصيف للتوحّد من قبل الطبيب النفسي السويسري، بول يوجين بليوير، عندما تحدّث عن الانسحاب الاجتماعي للأشخاص الذين يعانون من الفصام، وشبّهه بما قاله طبيب الأعصاب النمساوي ومؤسس علم التحليل النفسي، سيغموند فرويد، بالإثارة الذاتية والانسحاب واللعب بأجزاء الأشياء؛ وقد تكون هذه من الأعراض الرئيسة للتوحّد.
وكان الطبيب النفسي الأمريكي، ليو كانر، أول من أشار إلى التوحّد على أنه اضطراب نمائي حدث في مرحلة الطفولة المبكرة. كان ذلك في عام 1943م، عندما قام بفحص عينة من الأطفال شُخِّصت بالتخلف العقلي بجامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث لاحظ أن 11 طفلًا من بين هذه المجموعة يظهرون أنماطًا سلوكية غير معتادة، بينها فقدان اللغة وعدم استخدامها وعدم تفاعلهم مع الناس من حولهم. أمعن كانر في ملاحظة هؤلاء الأطفال الـ 11 فتبين أنّ خصائصهم تختلف عن بقية المجموعة، فاستنتج أنهم يمثلون فئة مختلفة تمامًا، واستمر تشخيصهم على أنهم مصابون بنوع من أنواع فصام الطفولة.
وفي عام 1987م، عند طباعة النسخة المعدّلة للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM2)، أُشير إلى التوحُّد كاضطراب سلوكي، حيث لاقى هذا التصنيف جدلًا حول ماهية السلوكيات والأنماط التي تم الاستدلال بها، فعدّها كثير من الباحثين غير كافية لدعم هذا التصنيف. وعند صدور الطبعة الرابعة للدليل (DSM4) سُمي هذا الاضطراب بـ”التوحُّد”، وعُرّف وفقًا لمنظمة الصحة الأمريكية بأنه اضطراب نمائي عصبي يظهر في السنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل، ويتجسد في عجز عن التحصيل اللغوي والاجتماعي، كما تصاحبه أنماط سلوكية متكررة.
عوامل نفسية اجتماعية.. وأخرى بيوكيميائية
اختلف الباحثون والعلماء في تحديد الأسباب المؤدية للتوحّد، فمنهم من اهتم بنظرية التحليل النفسي التي رجّحها العالم فرويد؛ فالتوحّد في نظر هؤلاء قد يكون نتيجة اتخاذ أساليب خاطئة في التربية في مراحل النمو الأولى من عمر الطفل، بما يؤدي إلى اضطرابات ذهنية. واتفق علماء النفس على أن الخلل في تربية الأم لأطفالها هو أحد أهم أسباب التوحّد.
ولاحظ كانر، على سبيل المثال، أن معظم آباء الأطفال الذين شُخّصوا بالتوحّد في دراسته لديهم تحصيل علمي مرتفع، واستنتج من ذلك أن التوحّد في هذه الحالات قد يعود إلى تركيز الآباء الدائم على أعمالهم على حساب رعايتهم لأبنائهم والتزاماتهم العائلية والاجتماعية.
فيما رجَّح عدد من العلماء أن التوحّد راجع لأسباب اجتماعية تنعكس في حالة الانسحاب الاجتماعي لدى المصابين، وهذه قد تكون ناشئة من شعور الطفل بالرفض والحرمان العاطفي من قبل والديه، إضافة إلى أن المشكلات الأسرية قد تولّد لدى الطفل شعورًا بالخوف والانطواء والعزلة الاجتماعية، وغيرها من السلوكيات غير السوية.
وقد يكون السبب وجود خلل كروموسومي موروث من الأم، مثل متلازمة إكس الهش، وهو اضطراب يصيب الأطفال التوحّديين الذكور على وجه الخصوص. كما يُحتمل أن تناول الأم لبعض العقاقير، مثل أدوية الصرع، أثناء الحمل قد يسبب لجنينها التوحّد.
ولا تُشخَّص إصابة الطفل بالتوحّد والطريقة المثلى لمساعدته إلا من قبل فريق متعدّد التخصصات، قد يضم بين أفراده الطبيب العام والأخصائي النفسي وطبيب الأعصاب وأخصائي النطق واللغة، وغيرهم من المختصين الذين يشرف على اختيارهم الأخصائي المسؤول عن حالة الطفل بعد تحديد ماهية احتياجاته. ويدير جلسات التشخيص هذه أخصائي التربية الخاصة، وتُعقد جميعها بحضور ولي أمر الطفل. أما التشخيص فيكون من خلال تطبيق مجموعة من الاختبارات الرسمية وغير الرسمية، وعدد من الفحوصات السريرية والمخبرية من قبل الأطباء؛ للوقوف في نهاية المطاف على تشخيص دقيق يسهم بشكل كبير في اختيار طرق العلاج السلوكي المُثلى.
التشخيص ليس نهاية الرحلة
لكن الرحلة لا تنتهي عند تشخيص المصاب بالتوحّد، فما هذه الخطوة إلا بداية لطريق طويل من البحث عن مراكز مؤهلة لتقديم العلاج الأمثل للطفل؛ لأن العلاج السلوكي طويل المدى. وقد تتكبّد الأسر خلال ذلك مبالغ مالية كبيرة، وربما تواجه ضغوطًا نفسية أكبر. ويعود ذلك لاحتياج الطفل نفسه إلى تدريب مستمر يستلزم متابعة دقيقة وتبني أساليب مختلفة. كما أن التعامل مع نوبات الغضب والسلوكيات الغريبة يفرض على أولياء الأمور أن يكونوا على دراية جيدة بكيفية التعامل مع هذه الحالات.
وفي مواجهة هذه الصعوبات، قد يجد الأبوان نفسيهما في حاجة لتقديم دعم مختلف للابن المصاب، وربما يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد التضحية بإجراء تغييرات جذرية قد تطال الأسرة بكاملها؛ كما في حالة الانتقال إلى مكان آخر للاقتراب من مراكز الرعاية التي تخدم هذه الفئة. ومنهم من ينتسب لدورات متخصصة في هذا الشأن ليحصّل المعرفة اللازمة للتعامل مع هذه الحالات، ومنهم من يسعى للحصول على درجة علمية في هذا المجال ليقدّم لولده الرعاية على مدار اليوم. وهكذا نجد بين الأفراد نماذج تستحق الإبراز بوصفها مصدر إلهام للعزيمة الإنسانية بالنسبة للأسر التي بين أفرادها مصابون بالتوحد، بل وخارج نطاق الأسر أيضًا.
مركز شمعة التوحد للتأهيل
ومع أن الأمهات والآباء يبذلون غاية جهدهم للتعامل مع أطفالهم المصابين بالتوحّد، إلا أن هناك حاجة ماسة لتضافر هذه المساعي الفردية مع الجهود العامة واسعة النطاق للمؤسسات الحكومية والخاصة، التي ينبغي لها أن تقوم بدورها في تقديم المبادرات، وإنشاء المراكز المتخصصة المهمة لدعم هذه الفئة على امتداد الوطن العربي.
ويُعد مركز شمعة التوحد للتأهيل أحد المراكز المختصة المهتمة بهذا المجال، حيث يُعنى بدعم هذه الفئة في المنطقة الشرقية من المملكة، سعيًا إلى تحسين نوعية الخدمات المقدمة لأطفال التوحد ولأسرهم. أُنشئ المركز عام 2016م في مدينة الدمام بدعم من أرامكو السعودية، ليقدِّم خدمات التدريب المهني والعملي، إلى جانب خدمات التقييم والتشخيص والتدخل المبكر، وذلك بالاستعانة بأحدث الوسائل في تطبيق منهج تحليل السلوك التطبيقي، وهي الطريقة المعتمدة دوليًا في علاج وتأهيل أطفال التوحد.
وفي عام 2021م، أصبح هذا المركز أول مركز من نوعه في الشرق الأوسط ينجح في الحصول على الاعتماد من قبل اللجنة الدولية لاعتماد مرافق إعادة التأهيل (كارف)، حيث حصل عليه في برنامج خدمات التدخل السلوكي والتدريب الأسري. وفي شهر يونيو من عام 2022م، تم إطلاق مركز شمعة التوحد للتأهيل بالجبيل وأكاديمية شمعة للتدريب بالدمام، وهما مبادرتان تبنيان على لبنات الجهود السابقة وتعمّمان أثرها بما ينفع شريحة أوسع من المستفيدين.
مهمة صعبة.. ليست مستحيلة
من بين قصص التوحّد الملهمة قصة أم سعودية، آثرت عدم ذكر اسمها، أعطاها الله مولودًا مصابًا بالتوحد ألهمها القوة والعزيمة على فعل أشياء لم تكن تخطر لها على بال. لم تكن الأم قد سمعت بالتوحد قبل أن يُصاب ابنها به، فإذا بها تفعل ما يتجاوز مجرّد تثقيف نفسها حول هذا المستجد على حياتها. تقول: “لقد سافرت وتعلمت وحصلت على الماجستير في التربية الخاصة من الأردن في عمر الأربعين لدعم ولدي الذي يحتاجني؛ وأقول لكل الأمهات إن ذلك ممكن”.
ولم يقتصر الأثر الإيجابي على الأم فحسب، فقد وجّهت ابنتها كذلك لدراسة درجة الدبلوم في تقييم وتشخيص اضطرابات التوحد من الجامعة الأردنية أيضًا. ولأنها كانت تعاني من قلة المراكز التي تُعنى بدمج ذوي الاحتياجات الخاصة لخدمة ولدها، صارت الأم تدعو عشرات الأطفال لمنزلها أسبوعيًا؛ لتساعد طفلها على اكتساب المهارات الاجتماعية المختلفة.
بل تطور الأمر عند عودتها إلى المملكة، حيث أنشأت مركزًا للدمج الاجتماعي، تستقبل فيه أطفالًا من مختلف الفئات؛ لخلق بيئة اجتماعية مثلى لتعليم الأطفال مراعية مبادئ الدمج عند استقبال الطلاب.
طفل مصاب قد يغيّر حياتك
ومن لبنان، هناك فاتن مرعشلي، وهي أم لشاب يعاني من التوحد يبلغ الآن من العمر 23 سنة. تقول فاتن: “كان نمو محمود طبيعيًا حتى بلغ 18 شهرًا، عندها بدأ يفقد تواصله البصري، كما فقد قدرته على التعبير والتواصل. كانت لديه انفعالات غير مفهومة، ولا أنسى بالتأكيد حديثه لساعات مع صديق خيالي”.
وتتذكر فاتن أن ابنها شُخّص بطيف التوحد في عمر السنتين، فأصابها ذلك بالاكتئاب وشعور بالعجز والضعف إلى حد أصبحت معه ترى نفسها عبئًا على الأسرة. لكن هذا الأمر لم يدم طويلًا، حيث تمكّنت بعد ذلك من تمالك نفسها وتقبّل حالة ابنها، لتُقبل على التعلم أكثر حتى تستطيع أن تقدّم له ما يحتاج، وتبدأ بحضور الجلسات مع الأخصائيين وأخذ دورات لتثقيف نفسها. كما لم تعد تستعجل النتائج على الإطلاق، وأصبحت مدركة أن كل مهارة يتعلمها تحتاج وقتًا وصبرًا. فكان هذا التغير داخل روح الأم بمثابة مرآة تنعكس على ابنها الذي أحرز تقدمًا ملحوظًا.
وعندما بلغ ابنها الثالثة عشرة وأصبح مستقلًا نوعًا ما، قرّرتْ فاتن البدء بدراسة التربية الخاصة التي لم تكن بتلك السهولة، إذ كانت تضطر في كثير من الأحيان لأخذه معها إلى الجامعة. تقول فاتن: “ليس بالضرورة أن تغيّر حياتك تمامًا فتدرس تخصصًا جديدًا كحالتي، لكني أنصح الأبوين أن يكونا ملمّين بحالة ابنهما، ويثقفان نفسيهما ببعض الدورات البسيطة غير المتخصصة التي تساعد في تقبل حالة الطفل وفهم كيفية التعامل معها؛ فالأم على وجه التحديد مهمتها أن تكون أمًا لهذا الطفل وليس الأخصائي المسؤول عن تعليمه، ولكل منهما دوره الخاص به”.
حياتي كلّها لعبدالوهاب
ومن الأردن ثمّة حكاية أخرى لمصطفى دينو، الرجل الذي غيّر مسار حياته بالكامل عندما رُزق بطفل أصيب بالتوحد. يقول دينو: “قبل سنوات رُزقت بعبدالوهاب، فكان أول فرحتي التي لم تدم طويلًا، لأنه في عمر السنتين بدأ يفقد مهارات التواصل ولم يعد يتكلم”.
غضب الأب وساورته الصدمة في بداية الأمر، غير أن كلمات الطبيب أيقظته سريعًا من صدمته ليبدأ بالبحث عن مراكز التربية الخاصة، ويعمل على تثقيف نفسه بالقراءة. لكنه شعر أن هذا غير كافٍ أيضًا، فأقدم على التضحية بترك عمله في المحاسبة ليكرّس حياته للتعمق في التربية الخاصة، ويأخذ دورات في علم تحليل السلوك التطبيقي (ABA)، وهو العلم الأفضل في تأهيل وعلاج أطفال التوحد. يقول دينو: “غيّر عبدالوهاب مسيرتي المهنية، وأصبحت متخصصًا في مجال آخر، وقدّمت مع مجموعة من المختصين دورات تدريبية مجانية للأهالي حتى يطوروا قدرات ومهارات أبنائهم”.
كما أسس دينو منصة مصادر تحليل السلوك التطبيقي (ABA Resources) بالتعاون مع فريق من المختصين، فدرّبوا أكثر من 2200 أب وأم، وأكثر من 2000 مشارك من 38 دولة حول العالم بشهادات معتمدة دوليًا في تخصص تحليل السلوك التطبيقي، وذلك بهدف رفع جودة الخدمات العلاجية والتأهيلية المقدمة لذوي اضطراب طيف التوحّد، والاضطرابات النمائية الأخرى.
اترك تعليقاً