عند الحديث عن التلعيب والتعليم، يعتقد البعض أن الأمر يشير إلى ممارسة ألعاب الفيديو خلال الحصص الدراسية. ولكن الأمر ليس كذلك تمامًا. فالتلعيب هو تطبيق عناصر اللعبة في سياق غير اللعب، أو بمعنى آخر هو إشراك عناصر من الألعاب الإلكترونيّة والعمل على تنفيذها في سياق التعليم من أجل تحسين مشاركة المتعلّمين.
ظهر مصطلح التلعيب (Gamification) في عام 2003م على يد المبرمج البريطاني نيك بيللينج، ليكون تسميةً للإستراتيجية التي تعمل على جلب عناصر التحفيز والمرح والمشاركة الموجودة في الألعاب، وتطبيقها على أنشطة العالم الواقعي في مختلف المجالات، وذلك باستخدام تصاميم تركِّز على الإنسان فتعظم دافعيته وتخاطب مشاعره وطموحاته وتفكيره.
وتؤكد الدراسات إيجابيات تطبيق التلعيب في المجال التعليمي لأنه أسلوب مألوف عند المتعلمين الذين اعتاد معظمهم استخدام الألعاب الإلكترونية في الأجهزة المحمولة. ويؤكد زيكرمان (2013م) أن استخدام تقنية اللعب تطوّر القدرة على تعلّم مهارات جديدة بنسبة %40، كما تؤدي إلى مستوى أعلى من الالتزام والتحفيز لدى المستخدمين.
وقد أوضحت الأبحاث أن التلعيب يساعد الطلاب على تطوير مواقف أكثر إيجابية تجاه موضوعات مثل الرياضيات، وتقليل السلوك العدواني في الفصل، وتشجيع النمو المعرفي وتحسين مدى الانتباه، وغرس سلوكيات إيجابية مثل ممارسة الرياضة وإتمام الأعمال المنزلية اليومية وقائمة الواجبات بسهولة. كما يمكن أن يشجع على التقليل من استهلاك الكهرباء عبر تطبيقات تلعيب محفزة. ومع تطور استخدام الألعاب الإلكترونية، تحوَّل التلعيب إلى صناعة تُقدَّر بمليارات الدولارات.
الأساس: “حرية الفشل”
ويعودُ المبدأ الأساس للتلعيب في التعليم إلى مبدأ “حرية الفشل”، حيث لا تُفرض أي عقوبات على الأداء الضعيف للمهمّة، بل يُسمح للمتعلّم بمراجعة وإعادة تقديم الواجبات أو إعادة الاختبارات.
وقد ذكر تشارلز كونرادت في كتابه “لعبة العمل”، أهمية إضافة عناصر اللعب في العمل، وضرورة وجود بعض العناصر في الألعاب لجعلها أكثر جاذبية، مثل: وجود الأهداف المحددة، ونظام منح النقاط، والتغذية المرتدة المستمرة، وتوافر مدى من الخيارات الشخصية لطرق أداء المهام، إضافة إلى التدريب المتسق.
العناصر الأساسية في التلعيب
يُعدُّ يوكاي تشو رائد التلعيب، ومؤلف كتاب “التلعيب القابل للتفعيل”، الذي يُمثِّل إطار عمل لاستخدام التلعيب في التعليم، من منطلق أنه لا بدَّ من وجود لعبة ما كلَّما لعب بها المرء صار أقوى وأفضل في الحياة الواقعية. وقد قاده اكتشافه لأسرار التلعيب إلى العمل مع شركات عالمية شهيرة، والحصول على جوائز عدة. وحدَّد يوكاي تشو العناصر الأساسية في التلعيب، ومنها:
1. إيجاد معنى وهدف بعيد المدى، كأن يعتقد الشخص أنه يقوم بمهمة أكبر منه، من دون انتظار تقدير مادي أو معنوي.
2. التقدُّم والإنجاز، وهو الدافع الباطني لإحداث التقدُّم وتطوير المهارات وبلوغ الإتقان والتمكن، وتخطي التحديات التي تُعدُّ مهمة جدًا.
3. التمكين من الإبداع والتغذية المرتدة؛ أي أن يشترك اللاعب في عملية إبداع، ويجرب طرقًا ومكوّنات مختلفة، مع وجود تغذية مرتدة مستمرة ومعرفة نتائج عمله.
4. التملُّك والتمكُّن من السيطرة، وشعور اللاعب بالرغبة في المزيد، مثل مراكمة الثروة والمكاسب الافتراضية، أو السيطرة على العملية أو المشروع أو المنظمة.
5. التأثير الاجتماعي والعلاقات، ويتضمن عناصر اجتماعية تحقق القبول وتجذب الصحبة والمنافسة والإلهام.
6. الندرة، فعدم قدرتنا على الوصول إلى الشيء تجعلنا نفكر فيه طوال الوقت، ونعود إليه عندما تسنح الفرصة.
7. تنمية الفضول، وهو دافع للاستمرار في المشاركة والتوق إلى معرفة ما سيحدث تاليًا.
8. تجنُّب الخسارة، وهو دافع مهم، حيث يعرف الشخص أنه إذا لم يتصرف بسرعة فسيخسر.
9. المتعة المادية الناتجة من حـواس السمع والبصر واللمس والتذوق، وما يمكن استشعاره أثناء اللعب.
ووفقًا لدراسة أجراها الأستاذان جوي لي وجيسيكا هامر من جامعة كولومبيا، يُمكن اعتماد التلعيب حلًّا لتحفيز الطلاب ومشاركتهم، وذلك بدمج عناصر الألعاب في مواقف تعليمية بشرط فهم معنى “التلعيب” وتقييم منافعه وإمكاناته. ويؤكد الباحثان أن قدرة التلعيب لا تقتصر على تغيير القواعد الرسمية فحسب، بل يتعدى ذلك إلى التأثير في خبرات الطلاب العاطفية وفي شعورهم بالهوية؛ إذ تتيح مشروعات “التلعيب” فرصًا للتعايش مع القوانين والمشاعر وممارسة الأدوار الاجتماعية. فمن خلال عبارات مثل: “اقرأ كتابًا اختياريًا من المكتبة حول موضوع درس اليوم، واحصل على نقاط”، يُمكن تحفيز الطلاب على المشاركة الفعَّالة في الأنشطة التعليمية وفهمها بشكل أعمق.
ويتباين مستوى تطبيق التلعيب بين المُدرِّسين، فمنهم مَن يُلعِّب حصصه ويُقيِّم طلابه بجمع النقاط ويحوِّل الواجبات إلى طلبات أو أسئلة، ومنهم من يُوسِّع نطاق التلعيب ليشمل النظام التعليمي كلَّه بدمج عناصر اللعب في المناهج والأنشطة، وتوفير أدوات وحقائب تعليمية مصمَّمة لحل المشكلات القائمة، مع توافر تقييم لمدى ملاءمتها، وخطط للتطوير المستمر.
اترك تعليقاً