مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين

البحث عن الزيت


في مستهل فصل الخريف، يشاهد الناس قوافل من السيارات الضخمة محملة بمختلف الأجهزة والآلات ومعدات الحفر، ومزودة بالوقود والماء والطعام، وما يحتاج إليه المسافرون عبر الصحاري من متاع وخيام، تغادر مراكز العمران متجهة نحو البراري والقفار. فأين يا ترى محط الرحال، ومن هم ركبها، وما هي غايتهم…؟

هذه القوافل هي طلائع التنقيب عن الزيت، وركبها هم كشافو الزيت الذين يُعرفون بالجيولوجيين. وهم خليط من أصحاب المهن المختلفة الذين تجمعهم في رحلاتهم هذه غاية واحدة هي البحث عن الذهب الأسود وتعيين المناطق التي تكمن في باطن أراضيها هذه الثروة.


فمن هؤلاء الخبراء، الفنيون الذين يتولون العمليات الصعبة المعقدة، ويجرون التجارب والاختبارات العلمية المتعددة لمعرفة طبيعة طبقات الأرض السفلى ومحتوياتها، كما أن منهم أيضًا السواقين والميكانيكيين والطباخين والعمال الذين يتولون مختلف الأعمال من نصب الخيام إلى التحميل والتنزيل، إلى الحراسة، إلى العناية بنظافة المخيمات وشؤون المعيشة الأخرى.

أما غاية هذه الفرق فهي السعي للاهتداء إلى المناطق وتعيين الأراضي التي يتجمع هذا السائل الثمين تحت طبقاتها. ولذلك فإن كل فرقة تتجه وجهة معينة تحددها لها رئاسة إدارة التنقيب بموجب برنامج الموضوع. إلا أن معظم عمليات التنقيب هذه تتركز في المنطقة الواسعة المعروفة بالربع الخالي، والتي تبعد عن الظهران ما لا يقل عن 300 ميل تجاه الجنوب. ولكن كيف يستطيع هؤلاء تمييز الأراضي التي قد تحتوي على الزيت من غيرها؟ الواقع أن الإجابة على هذا السؤال إجابة وافية، لا تتيسر إلا لذوي الاختصاص ممن مارسوا هذه المهنة سنين عديدة متواصلة، وأصبحت لديهم خبرة وافرة. غير أننا سنحاول في هذه العجالة أن نبين للقارئ الكريم في أسلوب مبسط المراحل الرئيسية لعملية التنقيب عن الزيت.

بمجرد ما تصل القافلة إلى المكان المقصود يشرع الرجال في نصب الخيام.

قبل كل شيء يعيّن الخبراء المختصون بعلم التربة وتكوين الصخور المناطق التي تدل معالمها الظاهرة على احتمال وجود الزيت في باطنها، مستعينين على ذلك بأوجه الشبه بين هذه المعالم ومعالم الأرض في المناطق الأخرى التي سبق وثبت وجود الزيت في أعماقها. ومن ثم يتولى خبراء علم المساحة التثليثية تخطيط الأرض وتعيين مواقع تركز فيها أجهزة خاصة شديدة الحساسية، تُعرف بأجهزة قياس تأثير الجاذبية وتمييز الطبقات، مهمتها وصف الطبقات السفلى من الأرض وتكوينها، وبالتالي تحديد جاذبيتها وكثافتها النوعية. وعلى ضوء هذه المعلومات يتولى فريق ثالث من الخبراء تسجيل موجات اهتزاز الطبقات الأرضية، التي يُحدثها تفجير ألغام تُزرع خصيصًا لهذه الغاية في نقاط معينة وعلى أعماق معينة. وتُعرف الآلات الدقيقة التي تسجل موجات الاهتزاز بأجهزة قياس الهزات الأرضية. فإذا ما كانت المعلومات التي تشير إليها هذه التسجيلات مُشجعة شرع الحفّارون باستخراج عينات متعددة من الطبقات الأرضية ومن أعماق مختلفة، تُرسل جميعها إلى المختبرات الخاصة لتحليلها وتقرير ما إذا كانت تحتوي على الدلائل التي تشير إلى وجود الزيت تحتها.

ولعل من الطريف أن يعرف القارئ كيف يعيش هؤلاء الرجال في رحلاتهم تلك. إنهم كالبدو الرُحَّل يسكنون الخيام التي ينقلونها معهم من مكان إلى آخر.

أما طعامهم فأكثر ما يكون من المعلبات، يطبخونها في المطابخ المتنقلة التي ترافقهم. وبالرغم من أن هذه الفرق تصطحب معها ما تحتاج من المواد والمعدات إلا أنها تظل تعتمد في تموينها إلى حد كبير على مراكز التموين البعيدة. ولذلك فإن المواصلات البرية والجوية بين مخيمات هذه الفرق ومراكز العمران لا تنقطع طيلة المدة التي تقضيها هذه الفرق في البراري.

تستمر عمليات التنقيب هذه من أوائل الخريف حتى أواخر الربيع، أي حوالي تسعة أشهُر. أما أشهُر الصيف الثلاثة الباقية التي يشتد فيها الحر عادة فيقضيها الأفراد في الإجازة، وفي إصلاح معداتهم وإعداد العدة للشروع في رحلاتهم من جديد حالما ينقضي فصل القيظ.

غروب الشمس في قلب الصحراء. وقد أُخذ هذا المنظر من مخيم إحدى فرق التنقيب عن الزيت في الربع الخالي.

مقالات ذات صلة

غالبًا ما نتصوّر أن الدماغ يؤثر في الجسد كالسائق بالسيارة، لكن الأبحاث الحديثة كشفت أن التأثر والتوجيه يحدث من الجانبين. فالجسد، من خلال نشاطاته الحسية والحركية، يؤثر بالدماغ أيضًا. 

هل بتنا على مشارف عصر زراعي يُسمّد فيه النبات نفسه بنفسه؟

تشير فرضيات عدة إلى أن السفر إلى الماضي أو المستقبل ممكن باستخدام طرق مختلفة؛ لكن جميعها واجهت ما يُعرف بـ “مفارقة الجَدِّ”؛ فإذا تمكن المرء من السفر عبر الزمن في الماضي وقتل جدَّه، فكيف سيكون موجودًا ليؤثر في الزمن الماضي؟


0 تعليقات على “البحث عن الزيت”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *