تأليف: د. إدريس بن إبراهيم البريدي
الناشر: أدب للنشر والتوزيع، 2023م

يسعى الباحث السعودي الدكتور إدريس بن إبراهيم البريدي في هذا الكتاب، عبر دراسة مجموعة من الأعمال الإبداعية التي تدخل ضمن نطاق أدب السيرة الذاتية السعودية، إلى التعرُّف على الأنماط التي تُشكِّل شخصية الإنسان السعودي، وتَسِمُ طرائق معيشته ضمن شبكة من العلاقات الثقافية والاجتماعية التي “تضبط ممارساته اليومية”، و “تُعيد توازنه من أجل مواصلة الحياة”.

ويتبنَّى البريدي، في محاولته الدؤوبة لرصد الملامح التي تُسهِم في تشكيل الشخصية السعودية كما تتجلَّى في خطاب السِّير الذاتية، مقولات البحث الأنثروبولوجي وأدواته، الذي يهتمُّ كما يُشير من خلال عرض عديد من تعريفاته بدراسة الإنسان، من حيث هو كائن عضوي حي، يعيش في جماعات في إطار من الأنظمة والقوانين وفي ظِلِّ ثقافة معينة، ويؤدي أعمالًا متعددة، ويسلُك سلوكًا محددًا ينسجم مع طبيعة البيئة الجغرافية التي يسكنها. وهو بهذا المعنى يتجاوز الأفكار المسبقة أو المنتقاة عن الإنسان وطبيعته وتكوينه.

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام رئيسة. ناقش القسم الأول مفهوم الأنثروبولوجيا، واستعرض تجلياته وعلاقاته كما اُسْتُخْلِصت من خطاب السِّير الذاتية السعودية، وشملت العادات والتقاليد وطبيعة القرابة والمظاهر الدينية. وجاء القسم الثاني بعنوان “الأنثروبولوجي ودوافع الكتابة”، وفيه يبحث المؤلِّف في عدد من الموضوعات التي تضمَّنتها السير الذاتية المدروسة، مثل أشكال التماهي مع الهُوية، ومع المعاش اليومي بمكوناته البيئية المختلفة. أمَّا القسم الثالث، فيتضمن قراءة تحليلية للدور الذي يمكن أن يضطلع به البحث الأنثروبولوجي في فهم العناصر المجتمعية والثقافية التي تُشكِّل الشخصية السعودية، وذلك من خلال فهم طبيعة تأثيرات الزمان المرتبط بالمواسم والشعائر، وكيف تتغير رؤية الإنسان بحسب تطوُّر الزمن، والوعي كذلك بالتأثير الذي يُحدِثُه المكان بامتداداته العامة المتجسدة في الأماكن المقدسة والسوق والمقهى والأماكن الخاصة التي يُمثِّلها البيت بمكوناته الداخلية والخارجية.

وقد تنوَّعت كتابات السيرة الذاتية السعودية التي تناولها هذا العمل، قراءة وتحليلًا، لتشمل طيفًا واسعًا من مؤلَّفات مبدعي المملكة ومبدعاتها، ومنها: “سيرة الوقت” لمعجب الزهراني، و “سيرة حياة” لمحمد آل زلفة، و “أشق البرقع..” لهدى الدعفق، و “استقرت بها النوى” لحمزة المزيني، و “ماضي مفرد مذكر” لأميمة الخميس، و “عشت سعيدًا من الدراجة إلى الطائرة” لعبدالله بن عبدالكريم السعدون، و “التحول” لمسعد بن عيد العطوي، و “مكاشفات السيف والوردة” لعبدالعزيز مشري، و “الحياة خارج الأقواس” لسعيد السريحي، و “من سوانح الذكريات” لحمد الجاسر، و “رحلة بين قرنين” لمحمد الخضير.

وسيتعرف القارئ إلى مجموعة من “الخلاصات” التي توصَّل إليها البريدي عبر تحليله خطاب السِّير الذاتية المدروسة، التي يُفهم منها كثير من الملامح التي تُشكِّل شخصية الإنسان السعودي، ومنها أن نمو الزمن وتغيُّر المكان يعملان على تشكيل مساحة واسعة من التصورات التي تُمثِّل نقلة نوعية في حياته؛ وهو ما يعني، كما كتب المؤلف، أن إنسان المجتمع السعودي قابل للتغير السريع الملائم لمتطلبات الواقع المُعاش والبيئة المكانية التي يسكنها، فنجده ينسجم مع الزمن الذي يعمل على تشكيل المكان والإنسان معًا في صورة متسارعة.