تأليف: د. بوزيد الغلى
الناشر: بيت الحكمة، 2023م
يؤكد الباحث المغربي د. بوزيد الغلى، في كتابه، أن للألعاب التراثية أو التقليدية منطقًا داخليًا يستحق الاكتشاف، وهي تخضع لقواعد وقوانين تجعل للعب معنًى لدى الأطفال. وأضحت هذه الألعاب ذات أهمية كبيرة في بناء مهارات التعلّم ونقلها، ولم تعد تنحصر غايتها في الترفيه والترويح، بل تتعدى ذلك إلى نقل العادات والتقاليد والتراث بشكل عام من جيل لجيل.
وعلى الرغم من أن الكتاب عرَّف تجربة إدماج الألعاب التراثية في المناهج والحياة المدرسية بالتطبيق على المناهج الدراسية المغربية، فإن مضمونه يتجاوز هذا البُعد المحلي؛ لأنه، كما يكتب المؤلف، له قصد أبعد يتمثل في السعي نحو الاستفادة من الدراسات النظرية والميدانية التي أُجريت في عدة جامعات ومعاهد دولية في بناء أساس نظري للبحث في هذا الميدان.
ويشير المؤلف إلى سعيه للإجابة عن مجموعة من الأسئلة الخاصة بشروط اختيار الألعاب التراثية المستخدمة في التدريس، ومدى ما يُجرى عليها من تعديلات أو تغييرات عند تطبيقها في المناهج الدراسية؛ أي عند انتقالها من لعبة تراثية تُمارَس خارج المدرسة إلى لعبة تعليمية تُمارَس داخلها، خاصة بعد أن لاحظ عديد من الأكاديميين والباحثين التربويين أن الألعاب التراثية، بما هي تراث إنساني غني، أصبحت تعاني الإهمال والتهميش، وهو ما لفت الانتباه إلى أهمية دراستها من زوايا متعددة وبمناهج مختلفة.
وبالإضافة إلى قسمه التطبيقي، يتضمن الكتاب قسمًا نظريًا اهتم بتحديد مفاهيم المناهج والحياة المدرسية والألعاب التراثية وتصنيفاتها المتنوعة.
وفيما يتعلق بمعنى الألعاب التراثية، يتبنَّى الكاتب تعريفًا لها، تكون، وفقًا له، تلك الألعاب التي تنتجها ثقافة ما، وتنتقل من جيل إلى جيل، وهي مبنية في الغالب على الفعل الحركي، وتعتبر عنصرًا مهمًا من عناصر الثقافة الشعبية ومكوناتها، ومظهرًا أساسًا من مظاهر تراث مجتمع معين وتقاليده.
وتتعدد تسميات الألعاب التراثية، كما نفهم من الكتاب؛ إذ يسمّيها بعضهم “ألعابًا تراثية”، ويدعوها البعض “ألعابًا شعبية”، كما تحمل وصف “الألعاب العتيقة”. ويوضح المؤلف أن مكمن الفرق بين الألعاب الشعبية والتقليدية، أن الألعاب الشعبية كانت تُطلق على تلك الألعاب التي تمارسها الطبقات الفقيرة من الشعب. في حين تُطلق الألعاب التراثية على الألعاب التي تمارسها الطبقات الأرستقراطية. لكنه يقول إنه بصرف النظر عن صحة نسب هذه الألعاب إلى الشعب باعتبارها إبداعًا من إبداعاته، فإن ما يسبغ وصف الشعبية عليها هو “قدرتها على دمج الفرد في المجتمع، بما يجعله كائنًا اجتماعيًا مشاركًا في بناء الهوية الثقافية”.
وخلال هذا العمل، سيتبيَّن للقارئ ما للألعاب التراثية من أهمية في إثراء الأطفال عند دمجها في المناهج الدراسية، على المستويين العقلي والبدني؛ فهي تساعدهم على اكتساب مهارات ذهنية وحسية وحركية تُنمّي قدراتهم الفكرية والجسمية. كما تسهم في إدماجهم في الحياة الاجتماعية وإشباعهم بالقيم الفردية والجماعية، وتطوير قدراتهم الذاتية؛ مما يُمكّنهم من مواجهة المشكلات والعمل على حلها، فضلًا عن تفاعلهم الإيجابي مع الآخرين.
اترك تعليقاً