مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين

الأعشى


في ضواحي الرياض، وعلى بعد خمسة أميال تقريبًا تجاه الجنوب، تقع أطلال المنفوحة، موطن أبي بصير ميمون بن قيس المعروف بالأعشى، أحد فحول الشعراء العرب في الجاهلية. ويُقال إن جدران بيته لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. أما الخرائب التي تظهر في الصورة فهي بقايا الأسوار التي كانت في يوم من الأيام تحيط بالمنفوحة.


أعشى قيس هو أبو بصير ميمون الأعشى ابن قيس بن جندل القيسي. نشأ في بدء أمره راوية لخاله المسيب بن علس، وقد عمي وطال عمره حتى انبلج فجر الإسلام وعظم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بين العرب. فأعد الأعشى قصيدة يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم وقصده بالحجاز، فلقيه كفار قريش وصدّوه عن وجهته على أن يأخذ منهم مائة ناقة حمراء، ويرجع إلى بلده لتخوفهم أثر شِعره فقبل. ولما قرب من اليمامة سقط عن ناقته، فدقّت عنقه ومات، ودُفن ببلدته “المنفوحة”، وهي على مسيرة عشرين دقيقة بالسيارة من مدينة الرياض.

ويُعد الأعشى رابعًا لثلاثة من الفحول: امرئ القيس، والنابغة الذبياني، وزهير بن أبي سلمى. وإن كان يمتاز عنهم بغزارة شِعره، وكثرة ما رُوي له من الطوال الجياد وتفننه في كل فن من أغراض الشِعر. ولشِعره طلاوة وروعة، ليست لكثير من شعر غيره من القدماء، ولقوة طبعه وجلبة شِعره سُمي “صناجة العرب”.

ومن جيّد شعره قصيدته التي أعدّها لينشدها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدحه فيها فلم يفز بذلك وأولها:

ألم تَغتَمِض عيناكَ ليلةَ أرمدَا1
وبتَّ كما باتَ السليمُ مُسهَّدَا2
وما ذاكَ من عشقِ النساء وإنما
تناسيتَ قبل اليومِ خلّة مَهْدَدَا

ومن شعره في المدح:

أرِقْتُ وما هذا السهادُ المؤرقُ
وما بيَ من سُقم وما بِي تعشُّقُ
لَعمري لقد لاحت عيونٌ كثيرةٌ
إلى ضوء نارٍ في اليفاعِ3 تَحرَّقُ
تُشبُّ لمقرورَيْنِ4 يصطلِيانِها
وبات على النار الندى5 والمُحلَّقُ
ترى الجودَ يجري ظاهرًا فوق وجهِهِ
كما زانَ مَتنَ الهندوانيِّ روْنَقُ
يداهُ يَدَا صدقٍ فكفٌّ مبيدةٌ
وأخرى إذا ما ضُنَّ6 بالمال تُنفِقُ

وقيل إن معلقته هي التي أولُها:

ودّع هُريرةَ إن الركبَ مُرتحِلُ
وهل تُطيق وداعًا أيها الرجلُ
غرَّاءُ7 فرعاءُ8 مصقولٌ عوارضُها9
تمشي الهُوَينى كما يمشي الوجِي10 الوحِلُ
كأن مِشيتَها من بيتِ جارتِها
مرُّ السحابةِ لا ريثٌ11 ولا عجَلُ
ليست كمن يكرهُ الجيرانُ طلعتَها
ولا تراها لسرّ الجارِ تختَتِلُ12

(1) ليلة أرمدا: ليلة هاجت عينه بالرمد. (2) مُسهَّدا: أرقًا. (3) اليفاع: ما ارتفع من الأرض. (4) المقرورَين: المرتعِشَين بردًا. (5) الندى: الجود. (6) ضنَّ: بخل. (7) غراء: المرأة الجميلة ذات الغرة. (8) فرعاء: البكر الكاملة الأنوثة ذات الشعر الطويل التام. (9) عوارضها: شعر العارضين. (10) الوجي: الحافي القدمين. (11) الريث: المهلة والإبطاء. (12) تختتل: تسترق السمع.


مقالات ذات صلة

ثمرت ظاهرة “صانع الأفلام” في السينما السعودية بعض الأفلام الناجحة من دون شك. لكن ماذا عن التجارب غير الجيدة؟ وكم عددها؟ فمن الخطأ القطع بنجاح ظاهرة صانع الفيلم متعدد المهام قياسًا على مثال واحد أو مثالين وبتجاهل إخفاقات عديدة.

ما الذي حلَّ بالبرامج الثقافية التلفزيونية؟

أطلقت “إثراء” المرحلة الأولى من الترجمة الصينية لكتاب “المعلقات الألفية”، والتي يُتوقع أن تستوفي كل المعلقات العشر عام 2025م.


0 تعليقات على “الأعشى”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *