مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
عدد خاص | سبتمبر - أكتوبر 2022

زرع قصائده في وجدان الناس قبل جمعها

إطلالة نقدية على ديوان الأمير عبدالرحمن بن مساعد


جاسم الصحيح

يُـمثِّل صاحب السمو الملكي الأمير عبد الرحمن بن مساعد عنوانًا مضيئًا من عناوين الشعر الفصيح والعامِّي في المملكة، ويتمتَّع بجماهيريةٍ جارفة تضعه في الصف الأول من شعراء العاميَّة في الجزيرة العربية والخليج. لذلك، عندما حللنا ضيوفًا على ديوانه الصادر مؤخرًا، كنا نعرف أنَّ ضيافتنا ستطول، ليس لضخامة الديوان الذي يبلغ عدد صفحاته 403 صفحات، ولكنْ لفخامة مائدة المعاني التي كنا نتوقع أنْ تكون مُهيَّأةً على طاولة الكلام. ولم يخبْ توقُّعنا، فقد وجدنا الديوان حاويًا قصائدَ منوَّعة، يُعيد من خلالها الشاعرُ تضفيرَ اللغة في جدائلَ جديدة من الأفكار التي تلامس حياته من عمقها.

لأنَّ الشعر يتمثَّل في استجابة الشاعر لوخزات الألم وانفعالات النفس وتأملات العقل، بغضِّ النظر عن الإناء الذي تُجمع فيه هذه التأملات والانفعالات والوخزات، فقد جاءتْ في الديوان قصائدُ بين الفصحى والعامية، فالشعر ينطلق من اللغة ولكنَّ حاصله النهائيّ هو المجاز الذي يسكن ما وراء اللغة (الميتا-لغة).

وفي الوقت نفسه، عندما نتعمَّق في قراءة القصائد العامية المدوَّنة في الديوان، نجد أنَّها تتخفَّف من سطوة اللهجة عليها، وتقع في المنطقة الوُسطى بين الفصحى والعاميَّة، والتي نسمِّيها: العربية البيضاء. بـهذه الطريقة، استطاع الشاعر سمو الأمير عبدالرحمن بقُدرةٍ فريدة أن يتخلَّص من ضغط التراث العامِّي الهائل، وضغط الذائقة الشعبية. إذ تمكن من ترويض هذا الشكل الشعري التراثي لاستيعاب صُوَرَهِ الشعرية المبتكرة المنتمية إلى عصرنا الراهن. فلا نجد في شعره حضورًا للشعراء الأسلاف مثل (الهزاني)، أو (ابن لعبون)، أو (ابن سبيِّل) أو حتى (سعد بن جدلان). وقد استمدَّ هذه القدرة -كما نعتقد- من ثقافته الدينية التي تؤسسها اللغة العربية الفصحى. فهو حافظ للقرآن الكريم والكثير من الأحاديث النبوية، إضافةً إلى ذاكرته وما تكتنزه من الشعر العربي القديم.

يحتضنُ الديوان محتوياتِهِ كما يحتضن الكنزُ مجوهراتِه، موزَّعةً على عدَّة أقسام، فهناك قسم قصائد اللغة الفصحى، وقسم قصائد اللهجة العاميَّة؛ وهناك قسم المرثيَّات، وقسم الومضات؛ وهناك كثير من القصائد الوطنية التي تحتفل بحبِّ الشاعر للوطن وتتسامى بمنجزاته وتفتخر بولاة أمره. وهناك أيضًا القصائد الغنائية التي ترنَّم بها الفنانون وأصبحت راسخةً في الذاكرة الشعبية رسوخَ جبل القارة في قلب الأحساء مثل (شبيه الريح، جاكم الإعصار، البرواز، مذهلة، استاهلك، عيونك آخر آمالي.. وغيرها)؛ وهناك القصائد الإنسانية التي تحتفي بالإنسان في مراكزه الثلاثة: العاطفة والعقل والجسد.

موضوعا العمر والحميمية الأسرية
تحضر ثيمةُ العمر في الديوان عبر قصيدتين هما: (أربعين) و(الخمسون). ولأنَّ الأولى مكتوبة باللهجة العاميَّة، فقد جاء العنوان عاميًّا أيضا (أربعين)، بينما كُتبت القصيدة الأخرى باللغة الفصحى فجاء العنوان فصيحًا (الخمسون)، يقول فيها:

هي الخمسون يا ابنَ الأكرمينا
أراها لحظةً.. ليستْ سنينا
ليالٍ مشرعاتٌ للمآسي
لقينا من أساها ما لقينا
عرفتُ خلالها مقدارَ جهلي
بذلك صرتُ أدهى العارفينا
سقتني من مرارتها كؤوسًا
سقتني بُرهةً شهدًا ثمينا
تجرَّعت الهموم بها، وصبري
يحيل مرارتي ماءً معينا
وليس يُغرُّ بالدنيا لبيبٌ
وفيها جنَّة المستكبيرنا
ممرٌّ لا خلودَ بهِ سيُفضي
لدارٍ تُنصف المستضعفينا

إلى آخر القصيدة التي تمتدُّ في أبياتـها أطولَ من سنوات عمره الخمسين عندما كتبها بكلِّ ما يحمله من الحسِّ الديني العميق، والوعي الإنساني الذي صقلته التجاربُ، والحميمية الدافئة التي استحضر من خلالها أفراد عائلته، إذ يقول:

هيَ الخمسونَ؛ (أُمِّي) شابَ رأسي
وما زالت ترى فِـيَّ الجنينا
هيَ الخمسونَ؛ قلبيَ (بندريٌّ)
غدتْ ظلًّا وعقلًا لي رصينا
هيَ الخمسونَ؛ (جوهرة) ابتهاجي
ويقلبُ أُنسُها جوِّي الحزينا
هيَ الخمسونَ؛ (نورةُ) سرُّ نفسي
ويأبى السرُّ أن يبقى دفينا
هيَ الخمسونَ؛ (سارةُ) أمنياتي
بها أكملتُ عقديَ ياسمينا

الحميمية الأُسَرِيَّة التي طغت على هذه القصيدة يتمدَّد دفؤها على مساحة الديوان ابتداءً من الإهداء لوالدته وشقيقه وزوجته وبناته، وصولًا إلى المدائح الصادقة للملوك والأمراء من أعمامه وأبنائهم، فها هو يقول مادحًا بقصيدةٍ سامقة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله:

مهابٌ في الأنامِ طويلُ قامَةْ
قديمُ قديم عهدٍ باستقامَةْ
مثيلُ أبيهِ أشباهًا وفعلًا
عصيُّ الوصفِ سلمانُ الشهامَةْ
لهُ من كلِّ مكرمةٍ عُلاها
لهُ المجدُ التليدُ لهُ الزعامَةْ

وفي قصيدةٍ أخرى، يتعالق مع قصيدة أبي فراس الحمداني “أراك عصيَّ الدمعِ شيمتُكَ الصبرُ”، فيقول مادحًا خادمَ الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز:

نراكَ عظيمَ الحزمِ شيمتُكَ النصرُ
وما بكَ عن دحر العدا في الوغى صبرُ
فهذي رؤوسُ الغدر ذُلَّتْ وطأطأتْ
وسيفُكَ مسلولٌ يطيبُ به البترُ
فخَيِّرْ بُغاةَ الشرِّ بين حتوفِهِمْ
أأَسرٌ أم الإذعانُ ذلًّا أم القبرُ؟؟

وفي رائعةٍ من روائعه، يتعالق مع المتنبي وهو يثني على سيف الدولة:

لكلِّ امرئٍ من دهرِهِ ما تَعَوَّدا
وعادةُ (سيف الدولةِ) الطعنُ في العِدا

فيقول مادحًا سمو وليَّ العهد الأمير محمد بن سلمان قائلا:

إليهِ انتهاءُ المجد أم عنده ابتدا
هو المجدُ ليس المجدُ إلا محمدا
ولا يُعذَرُ الحسَّادُ في الغلِّ مطلقًا
ولكنَّهُ الإنجازُ يصنعُ حُسَّدا
بعيدٌ على أعدائهِ خدشُ ظلِّهِ
كبُعد الضلال الفجِّ عن واضح الهدى

وتتصاعدُ هذه الحميمية من نصٍّ إلى آخر، فـتراه يُطلق (شمس الكواكب) في ليلة زواج ابنته الكبرى (الجوهرة)، وتراه يترقرق عن غيمةِ أحاسيسَ ساخنة تجوب أفقَ (الوداع) وهو يخاطب زوجته (البندري) في قصيدةٍ من الدموع والخشوع.

أمَّا في مرثياته، فإنَّ الحسَّ الحميميَّ يتوهَّج بحرارةٍ لأنَّ الشخصيات التي رثاها ليست مجرَّد شخصيات تربطه بـها قُربى الدم، وإنما هي شخصياتٌ أسَّست هذا الوطن، وثبَّتت دعائمه، ورفعت سقفه، وحرسته بكلِّ ما تملك من عُدَّةٍ وعتاد، فهو يرتبط بـمَرثيِّيهِ عبر قربى الدم وقربى الوطن وقربى الروح. وحسبنا من تلك المراثي ذلك النعي الذي عبَّر به عن جمرة الحزن في قلب كلُّ سعوديٍّ يومَ رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله:

في صلاة الجنازهْ شَعبكْ أضحى سطورْ
في قصيدةْ رثائكْ في الفراق المريرْ
كيف نقوى غيابكْ وأنت كلّكْ حضورْ
في مشاعرْ عيالكْ من كبير وصغيرْ
يا أبُونا فراقكْ إفترَى في الشعورْ
كِثر عَدلِكْ مِنِ اوَّلْ سيرتكْ للأخيرْ

الحضور الطاغي للوطن
للوطن في ثنايا الديوان قصائدُ طاغية الحضور، لا يعادلـها سوى حضور قصائد الحب، وكأنَّ الحب والوطن كلمتان مترادفتان في قاموس الشاعر الأمير عبدالرحمن، فهو إذْ يغنِّي:

ما سألتوا صاحب النظره الخجولهْ
كيف يسهرني ولهْ وجهٍ صبوحْ
كيف يظلمني ولهْ طهر الطفولهْ
كيف يسكنِّي وهوْ دايمْ يروحْ
وكيف أنا ألقى ربيعهْ في فصولهْ
دام كِذْبِهْ صادقْ وصِدقهْ مزوحْ

هو إذْ يغنِّي هذا النشيد للحب، سرعان ما ينعطف باتجاه الوطن وينادي:

قبِّلوا تراب الوطنْ
هذا الزمان أخضرْ
واشكروا مجزي النِّعَمْ
يزيدكمْ أكثرْ
كرامةٍ عزٍ وجودْ
كثِّروا لله السجودْ
وافرحوا بغيض الحسودْ
واقهروه أكثرْ

والحديث عن قصائد الحب والوطن في هذا الديوان حديثٌ ذو شجون، فقد تحوَّلتْ معظم هذه القصائد إلى أغنياتٍ تُدلِّلها حناجر الفنَّانين في المهرجانات الوطنية والحفلات الغنائية، وترقص على أنغامها النساء في الأعراس، ويردِّدها المشجِّعون على مدرَّجات الملاعب، وتتناقلها الناس في يوميَّاتـهم وحتَّى في تبادل التحايا فيما بينهم:

فمَنْ من منَّا لم تلتهب حنجرته بأغنية (جاكم الإعصار)؟!
ومن منَّا لم يصدح مـحيِّيا أصدقاءه: (مساء الخير والإحساس والطيبة)؟!
ومن منَّا لم يمتلئ بالأسئلة كلَّما أرهفتْ مشاعرَهُ نغماتُ (مذهلة)؟!
ومن منَّا لم يُصبح قلبُهُ هدفًا يُرمَى بالآلام والتجريح من سهام (شبيه الريح)؟!

فلسفة ذاتية على طبق من اللغة السلسة
وحينما ندلف إلى القصائد الإنسانية في الديوان وهي كثيرة جدًا، نكتشف فلسفة الشاعر في قراءة الحياة من حوله؛ هذه الفلسفة الذاتية التي تُقَدِّم نفسها على طبقٍ من اللغة السلسة المتنازلة عن جزالتها وبلاغتها لصالح فكرتـها الآسرة ببساطتها، واللاذعة بمضمونـها. وهنا، لا بدَّ أن نؤمن برأيِ النُّقَّاد التأويليِّين في أنَّ النصوص الأدبية ليست بريئة، وإنَّما دائما تخبِّئ (معنًى موجَّلًا) وراء كلِّ معنى ظاهري. وليس أوضح مثالًًا على ذلك من قصيدة (تعاريف)، ولنقتبسْ منها بعض المقاطع:

الكراسي
مصدر أفراح ومآسي
لا هي تْباركْ لجالسْها الجديدْ
ولا هي اللي لأهلْ تاركْها تواسي
الكراسي عامدهْ
تهزأْ بنا وْهِي جامدَهْ
الصرير اللي تسرَّب من قوائمها يقول:
ما في أحدْ منكمْ أساسي!

أو هذا المقطع الذي يبتكر معنى للحياة من الحياة نفسها:

الحياةْ
الممرّ الكهل ما بين الولادهْ والوفاةْ
أو بمعنى آخر نْقولْ:
المسافهْ
بين جبهة متّجهْ صوب السجود وْبين سجَّادةْ صلاةْ!

أو هذا المقطع الذي يصف الفقر وصفًا إنسانيًا عاليًا، وينتصر له ضدَّ الثراء الشحيح:

الفَقِرْ
هُو غِنا فاحش هناك وْمُسْتَقِرْ
الفَقِرْ مطلبْ ضروري
لَجِلْ تتسوَّقْ شعارات القناعةْ والصَّبِرْ
لَجِلْ يطلبْ صاحبه إنصافْ ما بعد القَبِرْ
الفَقِرْ كافرْ وْكُفَّارَهْ كُثُرْ
أو بمعنى آخرْ نْقول الفَقِرْ :
وَضْع ناتجْ عن دناءةْ مُقتَدِرْ

في حديثه إلى القافلة:

سيستمر الحلم وكذلك العزم على تحقيقه

“من السهل دخول مجال الشعر، ولكن الصعوبة هي أن تكون مؤثرًا فيه”، هذا ما قاله صاحب السمو الملكي الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد للقافلة التي تشرفت بلقائه في استطلاع سريع ومقتضب لبعض وجهات نظره في الشعر وقضايا أخرى. وكانت أجوبته على اختزالها، بليغة في التعبير بوضوح عن قناعاته.

من ضفاف نهر السين، إلى أعالي طويق، وطنٌ تسكنه ويسكنك، فما مدى صعوبة تجسيد حُبّ الوطن في القصائد والشعر؟
هو أمر شديد الصعوبة والسهولة في آنٍ واحد. فالسهولة تكمن في أنه حُبّ صادق وواضح ليس فيه لبس، إذ لا يحتاج الشاعر معه إلى حافز للكتابة. أما الصعوبة تكمن في كتابة شعر يليق بعظمة هذا الوطن.

يقول غازي القصيبي – يرحمه الله -: “نفطٌ يقول الناس عن وطني، ما أنصفوا وطني.. وطني هو المجد”. ما دور الثقافة برأيك في صناعة المجد للوطن؟
مجد وطننا من صنع ثقافته الخاصة. كما أن الثقافة والفنون تمثل أصدق وسيلة للتعبير عن مجد الوطن.

(لا جديد.. محمد بن سلمان إذا قال فعل .. في الماضي والآن ومستقبلًا بعون الله..هو اكتتاب لأرامكو.. واكتئاب لمن شكك حسدًا أو حقدًا في مصداقية طرح أرامكو وقيمتها) تغريدة لك في ديسمبر 2019 تعليقًا على المشككين، فما تعليق سموك الآن؟
(محمد بن سلمان إذا قال فعل) مابين القوسين مقولة أثبتت الأيام والوقائع أنها حقيقة لا يمكن أن تقبل التشكيك .. أما عما يمكن أن أقوله لموظفي أرامكو: “تعملون في شركة يحق لكم أن تفخروا بها.”

في ظل انتشار الشعر وحضور كثير من الشعراء في الساحات، هل أصبح “الشعر” اليوم مهنةً من السهل امتهانها؟
من السهل الدخول إلى مجال الشعر، ولكن من الصعب جدًا أن تكون عظيمًا ومؤثرًا فيه.

معظم قصص النجاحات ارتبطت بأشخاصٍ أو أسبابٍ ألهمت أبطالها. فمَن كان الُملهم أو المؤثر الذي نجح في استثارة موهبتكم الشعرية وتنميتها؟
أكثر من طرف واحد وأكثر من شيء. ثَمَّة عوامل كثيرة تنمِّي الملكة الفنية أو الأدبية، ومن بينها النشأة والتربية والموهبة الأصيلة والمكتسبة والاطلاع والاستفادة من فداحة الأخطاء والفشل.. والحظ أحيانًا.
غنّى كثيرٌ من الفنانين قصائد من شعرك، من برأيك أبدع في إيصال عمق الكلمات إلى مسامع الجماهير؟
في الغالب جميعهم.

للمرأة حضور بارز في ديوانك الذي أهديته إلى والدتك وزوجتك وبناتك، فهل من كلمة تهديها إلى المرأة السعودية اليوم؟
لا تحتاج المرأة السعودية حاليًا إلى كلمة مني أو من غيري، فهي تسهم في رفعة شأن بلادها والنهوض به. حري بنا أن نطلب منها توجيه كلمة لنا.

خلال مسيرة سموكم مع الشعر، ما هي القصيدة التي وصفت حالك في مرحلة ما، وما هي القصيدة الأحب إلى قلبك؟
آخر قصيدة دائمًا هي الأقرب، وأحب (أربعين) و(شبيه الريح).

“شبيه الريح.. وش باقي من الأحلام؟” كلماتٌ تغنى بها السعوديون لأكثر من عشرين عامًا، ونسأل اليوم “شبيه الريح” عما تحقق من الأحلام، وتلك التي تنتظر، وغيرها الذي طواه النسيان.
سيستمر الحلم وسيستمر العزم على تحقيقه. وإن لم تتحقق بعض الأحلام، يكفينا السعد بتخيّل أنها تحققت.

وفي قصيدة (نبض الشوارع)، يتجلَّى البُعد الإنساني بكلِّ شفافيته وصدقه، وتكشف القصيدة عن جانب من النقد الاجتماعي اللاذع الذي يعكس القيمة الإنسانية المتجلِّية في روح الشاعر:

ما غدَا للوقت معنى، ما بقى للشعر دافعْ
ملّت آلامي حروفي وملّ صدري من الضلوعْ
غِصْت في أعماق روحي، خَذْت نبض من الشوارعْ
يمكن ألقى أيّ معنى يوقد لْشِعري الشموعْ
التقيت الظلم لذَّه في البشرْ والعدل ضايعْ
والتقيت من المشاعرْ كلّ صِنف وكلّ نوعْ
…..
بهْ نفاق وْفاق حدَّه ما لقى في الناس رادعْ
بهْ صِدِقْ موجود لكنْ مُهمَلْ وْما لهْ شيوعْ
به شعوبٍ ضاع أملْها تكره الفعل المضارعْ
تلقى في الماضي عزاها، أمَّا حاضرْها يلوعْ

وفي قصيدة (صدِّق أو لا تصدِّق)، يباغتُنا الشاعر بصياغة رشيقة لمعنًى مقطوف من أفواه الناس، فهو رغم هذه الجملة التي تعطينا الخيار في أنْ نُصدِّق أو لا نصدِّق، إلا أننا لا نملك إلا أنْ نصدِّق لأنَّنا نشاهد هذا المعنى بأعيننا وبين ظهرانينا، يقول الشاعر:

صدِّق أو لا تِصَدِّقْ
كل ما تباعدْت المسافهْ
بين الرغيف والجوعْ
تلقى الفرح أصدقْ

وفي الختام، قد يتبادر إلى أذهان بعض القُرَّاء سؤالٌ طبيعي: لماذا تأخَّر الشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد في طباعة ديوانه (وهو الديوان الوحيد حتَّى الآن)، بينما تجربته مع الكتابة قديمة، حيث نجد له نصوصًا مؤرَّخة في ثمانينيَّات القرن الماضي مثل (بنفترقْ، شَهَر، فقير… وغيرها)؟! والجوابُ الذي نفترضه هو أنَّ العمل الجماليَّ ينمو ببطءٍ كما تنمو البذرة في تُربتها، وقد كان الأمير عبدالرحمن يزرع قصائده في مشاعر الناس على مدى عقود من الزمن عبر المجلات والتسجيلات والفيديوهات؛ حتَّى إذا بلغتْ نُضجَها في الوجدان الشعبي وكأنَّه قد كتبها في ذلك الوجدان، كانت لملمتُها في ديوانٍ واحد مجرَّدَ تحصيلِ حاصل؛ فليس صعبًا على المغنِّي الذي تتيه أحيانًا من فمه النغماتُ أنْ يُعيدها إلى بيتها الواحد في اللحن الموسيقي.


مقالات ذات صلة

“من الخصائص المميزة للبشر أنهم يبحثون أولًا عن أسباب الأحداث التي يرونها، بعضهم يفعل ذلك بشدة، وبعضهم بشدة أقل، ولكنهم جميعهم يفعلون ذلك؛ كي يظهروا فضولهم بحثًا عن أسباب حظهم السعيد أو السيئ”.

رغم دخول مفهوم “مدرب الحياة” إلى المشهد العالمي في ثمانينيات القرن الماضي، ليصبح شكلًا معتمدًا من أشكال العلاج بالكلام، ومن ثَمَّ انتشاره في عالمنا العربي بشكل واسع منذ زمن ليس ببعيد؛ تبقى هذه المهنة غير واضحة المعالم وغير مفهومة بالنسبة إلى شريحة واسعة من الناس.

عند الحديث عن الروابط الاجتماعية في الأوساط العلمية، ينحصر التركيز على أهمية العائلة والأقارب والأصدقاء، باعتبارهم مصدر الرفاه والسعادة والاستقرار العاطفي، ولكن نادرًا ما يظهر اهتمام بشبكة المعارف الأوسع المكونة من الأشخاص الذين يقعون في مساحة ما بين المقربين والغرباء، والذين يكون التفاعل معهم أقل تواترًا وبدرجة أدنى من الترابط العاطفي.


0 تعليقات على “إطلالة نقدية على ديوان الأمير عبدالرحمن بن مساعد”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *