مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2024

إسهامات العلم..

في معالجة ندرة مياه الشرب

د. زكريا الخنجي

لعلَّنا لا نبالغ إن قلنا إن مشكلة توفير مياه الشرب قد بلغت مرحلة الأزمة، ويُمكن أن تصبح كارثة إن لم تجرِ إدارتها بصورة منهجية علمية. إذ يشير تقرير أممي صادر في مارس 2024م عن الأمم المتحدة، إلى أن 2.2 مليار شخص يفتقرون إلى مياه الشرب التي تُدار بطريقة مأمونة. تعليقًا على ذلك، تقول المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي: “كلَّما تفاقم الإجهاد المائي، تعاظمت أخطار اشتعال النزاعات على الصعيدَين المحلي والإقليمي، وإن رسالة اليونسكو واضحة في هذا الصدد”. ولا يختلف الوضع في العالم العربي إن لم يكن أشد، كما يشير التقرير الأممي الذي صدر في أغسطس 2023م، وخاصة في دول الخليج العربي التي تعاني الندرة المطلقة للمياه. 

لمعالجة هذا الوضع، حاول العلماء ابتكار طرق وآليات متعددة، بعضها عالي التكلفة، وبعضها بسيط يمكن أن ينفذه المرء في منزله. من أهم هذه الطرق، تحلية مياه البحر، وهي فكرة اُستلهِمت من عملية انتقال المياه من الأرض إلى جذور النبات. بعد ذلك تطوَّرت إلى فكرة التناضح من خلال حركة انتقال جزيئات الماء عبر الأغشية نصف النافذة التي لا يُستخدم فيها أي نوع من الطاقة. ثم تحوَّلت الفكرة إلى التناضح العكسي (Reverse Osmosis)، وهو عملية لتنقية المياه يُستخدم فيها غشاء شبه نافذ لفصل جزيئات الماء عن المواد الأخرى. غير أن هذه العملية تتطلَّب استخدام الطاقة والضغط لدفع محلول الماء المالح (مياه البحر) عبر هذا الغشاء الذي يمنع الجزيئات المذابة الكبيرة، مثل الملح، من المرور خلاله، لتخرج من الجهة الأخرى مياه عذبة. ولكن مع التقدُّم التقني طُوِّرت تقنية التناضح العكسي، واُبتكِرت عدة طرق أخرى، منها: التقطير الفائق، وتقطير التأثير المتعدد، والتقطير بالأشعة الشمسية، والتبادل الأيوني، وتقنيات التقديم الضغطي، وتقنيات النانو تكنولوجيا. 

معالجة مياه الصرف الصحي  

وهي عبارة عن عملية إزالة الملوثات من مياه الصرف الصحي، التي تحتوي بشكل رئيس على مياه الصرف الصحي المنزلي، بالإضافة إلى القليل من مياه الصرف الصناعي. وتُستخدم العمليات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية لإزالة الملوثات وإنتاج مياه الصرف المعالَجة، أو النفايات السائلة المعالَجة، التي تكون آمنة بدرجة كافية لإطلاقها في البيئة. وعادةً ما يُستخدم هذا النوع في ري المزروعات أو في الصناعة، ولا تُستخدم مياهًا للشرب. ومن الجدير بالذكر أن المنتج الثانوي لمعالجة مياه الصرف الصحي هو نفايات شبه صلبة، تُسمَّى “حمأة مياه الصرف الصحي”. ويجب أن تخضع الحمأة لمزيد من المعالجة قبل أن تكون مناسبة للتخلص منها، أو إطلاقها في الأرض. 

استخدام المياه الرمادية  

المياه الرمادية هي المياه الناتجة عن استخدام المغاسل والاستحمام وغسيل الملابس والمطابخ وغسالات الصحون وغيرها من الأنشطة المنزلية، باستثناء مياه المراحيض. بيْدَ أن بعض الدراسات تُوصي بعدم توصيل ناتج مياه صرف المطبخ ومياه غسالات الصحون إلى خزان المياه الرمادية، وذلك بسبب احتوائها على الدهون والزيوت وبقايا الأطعمة التي يصعب معها عملية التحلية.  

تشكِّل المياه الرمادية ما يقرب من %50 إلى %80 من مجمل المياه المستعملة داخل المنازل. وهــذه المياه لا تحتاج إلى معالجة مُعقَّدة مثل مياه الصرف الصحي، وإنما يُمكن اسـتخدام بعض أنواع من المُرشِّحات، أو أي تقنيات بسـيطة للمعالجة. ويقتصر اسـتخدامها في ري المزروعات المنزلية. كما يمكن استخدام مياه المكيفات أيضًا في ري المزروعات وغيرها. 

تكثيف الرطوبة  

إن تكثيف الرطوبة هو ببساطة ما تقوم به الطبيعة بصورة يومية، وذلك من خلال تكثيف الرطوبة على النوافذ والسيارات وبقية الأسطح الباردة. بمعنى آخر، يُمكن تكثيف الرطوبة الموجودة في الهواء الجوي على صورة بخار ماء باستخدام التبريد عند ضغط جوي محدد، ليتحوَّل هذا البخار إلى ماء سائل. وهي نفس الصورة التي نستشعرها عندما تتساقط المياه من مكيفات الهواء في المنازل. فتحوَّلت هذه الفكرة البسيطة، باستخدام بعض أنواع التقنيات، إلى ابتكار أجهزة متقدمة لتكثيف الرطوبة، وذلك عبر تقنيات مستدامة واعدة لإنتاج مياه شرب نظيفة من الهواء دون أي نفايات. 

الاستمطار  

يُعرف أيضًا بـ”المطر الصناعي”؛ إذ إنه من المعروف أن السحب تُعدُّ مخازن لكميات كبيرة من الماء الموجود في الفضاء. وكل ما على الإنسان أن يعمله هو تحفيز أو تلقيح هذه السحب ببعض الطرق الكيميائية والفيزيائية باستخدام بعض المحفزات مثل الثلج الجاف، أو يوديد الفضة ومسحوق الملح؛ لجعل السحب تهطل مطرًا. ويجري تحفيز أو توصيل المواد الكيميائية بواسطة طائرات مخصصة لبذر تلك المواد الدقيقة داخل السحابة نفسها. بعد ذلك تأخذ القوانين الطبيعية دورها في هطول المطر. وتشير بعض الدراسات إلى أن هذه العملية تُحقِّق بعض الفوائد البيئية والاقتصادية، إلا أنها تحتاج إلى تقنيات متقدِّمة ومُكلِّفة. كما يصعب تطبيقها على نطاق واسع. 

على الرغم من كل تلك التقنيات والابتكارات، فإنه يبقى عامل الإنسان هو الأساس في المحافظة على الثروات والموارد المائية. فمهما استخدمنا تلك التقنيات والآليات في توفير الماء، وبقي الإنسان لا يعي قيمة هذه الثروات والموارد، فإن الإشكالية تبقى قائمة. 


مقالات ذات صلة

تُعتبر “المُركَّبات الباقية إلى الأبد” من أخطر المشكلات الصحية المعاصرة، الناتجة عن مبيدات الآفات الزراعية. بينما يفتح الذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة لمواجهة هذه المخاطر..

أحدثت تقنيات تحرير الجينات، مثل “كريسبر كاس 9″، ثورة في علم الأحياء والطب، حيث فتحت آفاقًا لعلاج الأمراض المستعصية بكفاءة وبتكلفة منخفضة. لكن هذا التقدم يثير تحديات أخلاقية، خاصة فيما يتعلق بتحرير “خلايا الخط الجنسي” وتأثيراتها الاجتماعية. لذا، من الضروري الموازنة بين الطموحات العلمية والاعتبارات الأخلاقية لضمان مستقبل مسؤول للبشرية.

اكتشاف الإلكترونات في القرن العشرين أحدث ثورة في فهمنا، مما أدى إلى تطوير تقنيات مسرِّعات الجسيمات وكشف أسرار مذهلة عن عالم الذرة والمادة.


0 تعليقات على “إسهامات العلم في معالجة ندرة مياه الشرب ”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *