مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
سبتمبر – أكتوبر | 2024

أمهات الأشجار..

رحلة لاستكشاف حكمة الغابات


تأليف: سوزان سيمارد 
ترجمة: باسمة المصباحي 
الناشر: روايات، 2024م

“لغز سلوك الغابات، وكيفية ارتباطها بالأرض والنار والماء جعلني عالمةً. شاهدتُ الغابات، وأصغيتُ إليها. سِرتُ حين قادني فضولي، واستمعتُ إلى قصص من عائلتي ومن الناس، وتعلمتُ من باحثين وعلماء. خطوة وخطوة، أحجية وأحجية، كعميل سري سعيتُ إلى تسخير كل ما بوسعي لعلاج العالم الطبيعي”. 

 السطور السابقة كتبتها أستاذة علوم البيئة والغابات في جامعة كولومبيا البريطانية بكندا سوزان سيمارد، في مقدمة هذا العمل، الذي تُعلن فيه انحيازها الكامل إلى ما سمَّته “حكمة الغابات” وحكمة “السخاء الاستثنائي” و “الأخذ والعطاء” و “الاتفاق العام على إرساء التوازن”. وبهذا المعنى يقترب مضمون الكتاب، بطريقة ما، من فحوى رسالة الشاعر والفيلسوف الأمريكي هنري ديفيد ثورو، الذي أراد أن يفهمها قُرَّاء كتابه المعروف “والدن أو الحياة في الغابة” الذي نشره عام 1854م، وتضمَّن يومياته في الفترة التي عاش فيها في الغابة، منعزلًا في كوخ شيَّده بنفسه على شاطئ بحيرة والدن ببلدة كونكورد بولاية ماساتشوستس، التي أعلن فيها من دون مواربة تقديره الكبير لبساطة الحياة وسط الطبيعة.  

وتنتقد “سيمارد” في كتابها، الذي صدرت ترجمتُه إلى العربية حديثًا، الحالة الراهنة التي وصلت إليها مجتمعاتنا بأنظمتها الصناعية، التي شنَّت حربًا على نظامها البيئيِّ، وغيَّرت طبيعة تُربتها، وتغوَّلت على أشجارها القديمة، وجعلت الأشجار حديثة العهد عُرضةً للزوال، ونالت بقوة من الغابات، وجعلتها “تعاني الاضطراب”، وتبعًا لذلك “عانى كلُّ شيء آخر”.  

ويُوضح الكتاب، كما تشرح المؤلِّفة، كيف يمكن للأرض أن تتعافى ذاتيًّا حينما تُتاح الفرصة لنظامها الطبيعي للتصرُّف، ويكشف عن الطرائق التي تتواصل بها الأشجار، والرسائل التي تتبادلها معًا من خلال شبكة تكافلية مشفرة في باطن الأرض، مؤلَّفة من الفُطر، تمتدُّ على أرضية الغابة كلها. تُمثِّل جذوع الأشجار الضخمة والقديمة مصدر روابط هذا الفُطر التي تستخدمها في إعادة تكوين الشتلات. ليس ذلك فحسب، بل ترتبط عبرها بالجيران كافةً، وتعمل بوصفها غابة من السلاسل والمشابك والتقاطعات، في عمل دقيق شبيه بالعمليات التي تجري داخل أدمغتنا البشرية.  

وتؤكد سوزان سيمارد أن كتابها لا يتحدث عن دورنا في إنقاذ الأشجار، بل عن قدرة الأشجار على إنقاذنا، وأنه “من المستحيل إنكار الأدلة العلمية بأن للغابة حكمة ووعيًا وشفاء”. وتبحث سيمارد عبر خمسة عشر موضوعًا فيما سمَّته “الطبيعة الاجتماعية للغابة”، وتعني بها الأدوار كافةً التي تؤديها الأشجار خلال مراحل حياتها، خاصةً الأكبر سنًّا أو “أمهات الأشجار” التي تستطيع تمييز الشتلات التي تنتمي إليها، وترعى الأشجار الصغرى وتزوِّدها بالغذاء والماء “كما نفعل مع أطفالنا تمامًا”.  

وسيتعرف قارئ الكتاب إلى آليات تواصُل الأشجار فيما بينها، وكيف يُمكنها إرسال إشارات تحذيرية، ووسائل حماية عند التعرُّض لأي تهديد، وكيف يُمكنها “مساعدة بعضها بعضًا في المرض والشِّدة؟”، و “لِمَ تتصرَّف كما يتصرف الإنسان؟”. وسيدرك أن ثمة توارثًا للحكمة في عالم الغابات، فحين تموت أمهات الأشجار “المحاور المهيبة، ومراكز التواصل والحماية في الغابة”، فإنها تُورِّثُ حكمتها لسلالتها “جيلًا بعد جيل، تتناقل المعرفة حول ما ينفع وما يضرُّ”.  


مقالات ذات صلة

صدر مؤخرًا كتابان يسلطان الضوء على العلاقة العميقة بين الخيل والإنسان. يُقدم “الغزاة والحكام والتجار” للمؤرخ ديفيد شافيتز لمحة عن دور الخيول في الحضارات، بينما يُعيد “ضربات الحوافر” لويليام تايلور صياغة القصة الملحمية للخيل مستندًا إلى أحدث الاكتشافات العلمية، ليحل محل الأساطير القديمة.

Money: A Story of Humanity
by David McWilliams
تأليف: ديفيد ماكويليامز
الناشر: 2024م، Simon & Schuster UK

The Haunted Wood: A History of Childhood Reading by Sam Leith 
تأليف: سام ليث  
الناشر: 2024م، Sutherland House Books


0 تعليقات على “أمهات الأشجار..”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *