مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين

أكثر من رسالة


جامعة إم آي تي تختبر تصميم دافينشي

كانت القافلة قد تناولت في عددها لشهري نوفمبر وديسمبر 2016م، مشروع الجسر الذي صمَّمه ليوناردو دافينشي لمدينة إسطنبول، ليربط به بين الشطر الآسيوي من المدينة وإحدى الجزر الواقعة في الشطر الأوروبي منها. وهو المشروع الذي رفضه السلطان بايزيد الثاني؛ “لأنه لا يمكن بناء جسر من قوس واحد بهذا الحجم من دون أن ينهار”. وقد ضاع الرسم التخطيطي لهذا الجسر لأكثر من 400 سنة، ثم أعيد اكتشافه عام 1952م.
ومعلوم أن الفنان النرويجي بورن ساند اقترح في عام 1996م بناء جسر للمشاة فوق طريق سريع، فى مدينة هاليس النرويجية مستوحى من تصميم دافينشي. وبالفعل، تم بناء هذا الجسر في عام 2001م. ولكنه صُنع من الخشب بخلاف تصميم دافينشي الذي أراد بناءه من الحجر، وبمقاييس أصغر بشكل ملحوظ.
بعد حوالي 500 عام من وفاة دافينشي، استخدم المهندسون المعماريون والمهندسون المدنيون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا طابعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء نسخة طبق الأصل من جسر دافينشي المصمّم. وللمفاجأة، لم ينجح الأمر فحسب، بل استنتج الباحثون أن هذا التصميم كان سيُحدِثُ ثورة أيضاً في تصميم الجسور قبل خمسة قرون.
كان اقتراح دافينشي مختلفاً تماماً عن الجسر القياسي في ذلك الوقت، حسب وصف مجموعة المعهد. كان طوله حوالي 218 متراً، وكان “سيتكوَّن من قوس مسطح واحد يجب أن يعبر المجال الواسـع… وبذلك كان سيكـون أطـول جسـر في العالــم في ذلك الوقت” وفقاً لبيان صدر عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
لم يكن الطول أو الأسلوب فقط ما ميَّز جسر دافينشي. فواحدة من أكبر التحديات التي تواجه أي تصميم للجسور، خاصة في تلك المنطقة غير المستقرة جيولوجياً، هو أن تكون مقاوِمة لعوامل الطبيعة العنيفة كالزلازل والرياح العاتية. إزاء ذلك، أظهر التصميم طريقة غير عادية لتحقيق الاستقرار. يتضمَّن التصميم قاعدتين على كل طرف من الجسر، تتباعدان نحو الخارج، وذلك لامتصاص التمايل الجانبي وتحقيق التوازن. وهذه الميزة هي اليوم من العناصر الأساسية لتصميم الجسور الحديثة.
ترأس مجموعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، التي اختبرت تصميم دافينشي من خلال ماكيت للجسر، جون أوشندورف، الذي كان يدرس الهندسة المعمارية القديمة والبناء لسنوات عديدة. ولاختبار التصميم، ابتكر فريق المعهد نسخة متماثلة بحجم 1: 500، يبلغ طولها حوالي 81 سم، تم تجميعها من 126 مجموعة من القطع ذات الأشكال والأحجام المختلفة تم إنشاؤها بواسطة طابعة ثلاثية الأبعاد، آخذين بعين الاعتبار كافة المخاطر الجيولوجية وغيرها المتأتية من خصائص المكان.
ثم قام الباحثون بوضع الكتل معاً، باستخدام سقَّالة لدعم الجسر حتى يتم إدخال المُتَّكَز أو حجر العقد النهائي، الذي هو على شكل إسفين يقفل بقية القطع في مكانها من خلال قوة الضغط المحضة. بعد إزالة السقَّالة، بقي الجسر واقفاً، يقول أوشندورف “إنها قوة الهندسة”.
وعلى الرغم من أن الجسر الحقيقي، لو تم بناؤه بالفعل، كان سيتطلب الآلاف من الكتل الحجرية المحفورة بدقة، إلَّا أن المقاربة التي اتبعها مهندسو الجامعة في النسخة المطابقة للأصل، تسمح لهم باختبار جدوى تصميم ليوناردو بشكل صحيح.
المثير للإعجاب أن التصميم لم يكن فقط صالحاً للعمل، وأن أجزاءه بقيت قوية ومستقرة دون استخدام أي ملاط أو مثبتات، بل أدرك فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أيضاً أن دافينشي قد صمَّم طريقة لتقليل تأثير الحركات الجانبية غير المرغوب فيها. وبهذا التصميم، استنتج المهندسون، أن الجسر كان سينجو من معظم الزلازل التي كانت شائعة في ذلك الوقت في تلك المنطقة.

رامي الأمين


ستون عاماً على “الحروفية العربية”

مع بداية ستينيات القرن الماضي، ظهرت مدرسة جديدة أو أسلوب جديد في الفنون التشكيلية العربية مزج ما بين أشكال الخط العربي والفنون التشكيلية، وأطلق عليه اسم “الحروفية”. وكانت الانطلاقة من العراق مع جماعة فنية أطلقت على نفسها اسم “البعد الواحد”.
استمرت الحروفية كشكل من أشكال التجريب في التشكيل والخط العربي حتى الوقت الحالي، وأصبح لها فنَّانوها المتميزون عربياً، وأقيمت المعارض الكثيرة لهم. ولكن هناك من اتَّهم الحروفية بأنها لم تقدِّم خدمة تطويرية للخط العربي، بل طغى عليها التشكيل، وبرز الحرف هنا كحالة جمالية استخدمه الحروفي لزيادة الألق للوحته. بينما ذهب البعض بأهمية الحروفية، إلى أنها ولو لم تقدِّم عملاً خطياً بجمل مكتملة، فهي خدمت الخط العربي وقدَّمته للمتلقي والجمهور بشكل مغاير للحالة الكلاسيكية التي تعوّد عليها، ويسهب هؤلاء في دفاعهم عن لوحتهم الحروفية في أنهم استطاعوا من خلالها تحقيق تقدُّم لا بأس به في ذائقة المتلقي الأوروبي، الذي شدّته اللوحة التشكيلية المزيَّنة بحروف عربية، فصار لديه فضول كبير لزيادة معرفته بالحرف والخط العربي. فيما رأى آخرون أنهم أوصلوا لوحتهم بكل زخمها التشكيلي والحروفي واللوني وإبهارها البصري إلى عقر دار مؤسسي المدارس الفنية الحديثة كالتجريدية والسوريالية والانطباعية وغيرها، فاستطاعوا المنافسة واكتساب إعجاب جمهور لا بأس به، وكل ذلك تم بفضل الحرف العربي وتفرّد خصائصه الجمالية والتعبيرية.
إذاً ستون عاماً تقريباً مضت على إطلاق الحروفيـة في الحياة الفنية العربية، ولكنَّ هناك أمماً أخرى ظهرت الحروفية على خارطتها الفنية، وخاصة تلك التي يتمتع لديها الحرف بجماليات خاصة كاللغة الصينية واليابانية.
ويبقى السؤال الأبرز هنا إن كانت اللوحات الحروفية خدمت الخط العربي بفنونه المختلفة وجمالياته وتفرده، أم أن الحروفيين هنا تحايلوا على اللوحة التشكيلية وناوروا بها لتقديم عمل مختلف مستلهمين تراث الخط العربي وروحانيته ليقدِّموا أنفسهم كمجدَّدين ومبدعين ومطوِّرين بل وأصحاب مدرسة فنية ذات خصوصية؟
يرى الخطاط المجدّد منير شعراني أن ليس هناك حروفية واحدة وليس ثمَّة سمات جوهرية مدرسيّة تجمع “الحروفيين” وتربط بينهم. فهناك الحروفيون الأوائل الذين اعتمدوا على الحرف بصيغته الكتابية الأولية الوظيفية لا على الدرجة الفنية الأعلى التي ارتقى إليها، فالكتابة الوظيفية موجودة في كل لغات العالم، لكنها وإن تطوَّرت وأصبح لها قواعد في أدائها لم تنتقل نقلة نوعية تجعلها في مصافّ الفنون التشكيلية؛ لأنَّ بنيتها لا تسمح بذلك.
من جهته يؤكد الخطَّاط والحروفي السعودي ناصر الموسى، أن الحرف العربي طيّع وقابل للتشكيل ويمكن تقديم أعمال إبداعية نصية ليس الهدف منها قراءة المحتوى الأدبي فقط، بل التحاور معها بصرياً بحيث نتلمَّس مواطن الجَمَال في هذه التشكيلات وتُعدُّ أيضاً هوية، وليست كل الهوية بل هي جزء من الهوية العربية، بمعنى أننا نتكل على الحرف العربي للتعبير عن هويتنا وفتح الطريق للفنانين الذين يتخذون من هذا الميدان مجالاً للتشكيل أو مجالاً للإبداع أو التعبير عن أحاسيس وخواطر وأفكار ورؤى وفكر وثقافة. فالحرف قابل للتشكيل والتحاور من قبل أي فنان عربي.
وللنقَّاد الفنيين ومحللي ظاهرة الحروفية رأي آخر. فالدكتور محمود شاهين، يرى أن تيار الحروفية لا يعيش معزولاً عن باقي الاتجاهات والمدارس الفنية السائدة في هذه الحياة الفنية، بل يتفاعل ويتعايش معها، يدفعه هاجس تحقيق الهوية المحلية في المنجز البصري المعاصر، خاصة بعد الطغيان الهائل، للاتجاهات والأساليب والتقانات الغربية الفنية، على فنون هذه الحياة! فمن المؤكَّد أن الخط العربي، يُعدُّ من أهم وأبرز العناصر التشكيلية القادرة على التجاوب مع الفنان التشكيلي، ومساعدته على استنهاض عمارة تشكيلية متفردة في منجزه البصري، نظراً لصفة الخط العربي الكامنة التي تتيح لهذا الفنان إمكانات كبيرة للتعبير عن الحركة والكتلة.

هشام عدرة

تعليق الصورة: إحدى مخطوطات منير شعراني


مقالات ذات صلة

رأت ما نشره الكاتب أحمد السعداوي في مجلة القافلة، في العدد الماضي (العدد 700)، تحت عنوان “الرواية.. فن التواضع”، إذ استعرض رأي “جون برين” بخصوص كتابة الرواية الأولى التي أشار إلى أنها تبدو أشبه بالتنويعات على السيرة الذاتية.

ذا أردت أن تقرأ بفاعلية، فاقرأ كتبًا مُعمّرة، أي تلك الكتب القديمة المُتخمة بالدروس الحياتية طويلة المدى؛ كتبًا قديمة ذات قيمة عالية، مليئة بـ “الزبدة” والطاقة الكامنة للمعلومة، ذلك لأنها استمرت طوال السنين وقودًا لتقدم البشرية.

يقول أبو العلاء المعري في واحدة من قراءاته لمستقبل الطفولة: لا تَزدَرُنَّ صِغــارًا في ملاعبِـهِم فجائزٌ أَن يُرَوا ساداتِ أَقوامِ وأَكرِمـوا الطِّفلَ عن نُكـرٍ يُقـالُ لهُ فـإِن يَعِـشْ يُدعَ كَهـلًا بعـدَ أَعــوامِ المعري وهو الذي لم يُنجبْ أطفالًا؛ لأنَّه امتنع عن الزواج طوال عمره، يؤكد من خلال خبرة معرفية أهمية التربية في البناء النفسي للأطفال، […]


0 تعليقات على “أكثر من رسالة”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *