يتجاوز مضمون هذا الكتاب كونه سردًا لجوانب من السيرة الذاتية للكاتب الصحفي والإعلامي السعودي محمد رضا نصر الله، فهو أشبه برواية متكاملة العناصر، تتعدد شخوصها وتتبايَن فضاءاتها وتتطوَّر حبكتُها مع تعقُّد تفاصيل كثير من الحكايات التي ترد بها، وجميعها تؤكد، بما لا يدع مجالًا للشك، ما تميز به واقع مؤلفها من زخم وثراء طوال مسيرته الفكرية والثقافية. 

يصطحب محمد رضا نصر الله في كتابه، الذي يحمل العنوان نفسه الذي اختاره لعمود صحفي كان يعرض فيه آراءه في كثير من المجالات في صحيفة الرياض من عام 1978م، “أصوات”، القارئ في جولة ممتعة مع أسماء لها وزنها ومساهماتها في المجالات الإبداعية المتنوعة، مثل: توفيق الحكيم، ومحمد مهدي الجواهري، ونزار قباني، ومحمد عابد الجابري، وغازي القصيبي، وأدونيس، وأمل دنقل، وسميح القاسم، ويوسف إدريس، ومحمود أمين العالم، وعبدالرحمن بدوي، وعبدالوهاب المسيري، وفدوى طوقان، ومحمد جابر الأنصاري.  

ويأتي الكتاب في لغة شاعرية يتجاور فيها التكثيف والإيجاز، بما يتوافق مع طبيعة مضمونه، فنرى المؤلف ينتقل سريعًا من دولة إلى أخرى، يكون في المنامة بالبحرين في صحبة الشاعر إبراهيم العريض، ثم سريعًا، في الصفحة نفسها، نراه ينتقل إلى القاهرة بمصر؛ ليحدثنا عن أمل دنقل الذي كان “يُسائل الصمت الذي خنقه ومجتمعه”، ويقصُّ علينا كيف تعددت لقاءاته معه في مقهى ريش الشهير بما فيها من مسامرات ومناقشات. بعدئذٍ يطير الكاتب إلى بغداد، ويجد القارئ نفسه، دفعة واحدة، في وسط دار الشاعر العراقي بدر شاكر السياب في البصرة، ثم ينتقل المشهد، على غرار اللقطات السينمائية الخاطفة، إلى دمشق حين يزور الشاعر السوري أدونيس المؤلف في مقر إقامته بأحد الفنادق، وكان قد انتهى من إصدار “ديوان الشعر العربي” بأجزائه الثلاثة، وتأليف أطروحته “الثابت والمتحول”. 

ولا تخلو هذه الانتقالات المكانية من المعلومات الوافية، الدالة على غزارة الاطلاع، التي يقدمها المؤلف عن أطرافها كافةً، بل عن أي أسماء تصادَفَ ذكرها فيها، وعن منجزها الإبداعي، إضافةً إلى استعراض وجهة نظره في الموضوع شعرًا كان أو نثرًا، فيتطرق في أثناء حديثه عن حواراته مع الشعراء العرب عن واقع الشعر الراهن في ظل وجود مَنْ سمَّاهم “حشود الشعراء الطارئين الذين تكاثروا على الشبكة العنكبوتية”، مُنتقدًا القصيدة الرقمية التي أطاحت بالذائقة الشعرية، ويتساءل فيما يخص قصيدة النثر، مستنكرًا، أين شعراء هذه القصيدة من اكتناه أسرار نصوص إبداعية بارعة، بصورها ولغتها، مثل: نصوص ابن عربي، وجلال الدين الرومي، والنفري، بتجاربها الروحية وتأملها الوجودي العميق. 

وعلى هذا المنوال، يجيء معظم ما رواه محمد رضا نصر الله، أو بالأحرى ما ردَّده من أصوات؛ ليرسم صورةً واضحة وشاملة عن علاقات جمعته بأبطال هذا العمل على مدار سنوات عمله العديدة.