The Crisis of Narration by Byung-Chul Han, translated by Daniel Steuer
تأليف: بيونغ تشول هان
ترجمة: دانييل ستوير
الناشر: Polity، 2024م
لطالما كانت رواية القصص تُنشئ الروابط التي تربطنا معًا، وتخلق المجتمعات، وترسخ موقعنا في هذا العالم. ولكننا اليوم في مجتمع المعلومات المعاصر، الذي أصبح كل شيء فيه اعتباطيًا وعشوائيًا، باتت رواية القصص بيعًا للقصص، وفقَدَ السرد قوته الرابطة.
في هذا الكتاب، يقول الفيلسوف الكوري الألماني، بيونغ تشول هان، إنه في عصر الإنستغرام وتويتر وفيسبوك ومختلف التطبيقات الإلكترونية، التي يبدو الأمر معها وكأننا غارقون في سرد الروايات والقصص، نعيش في الحقيقة في طوفان من البيانات والمعلومات التي نتبادلها باستمرار من خلال الشاشات الرقمية التي حلَّت مكان مواقد النار التي كان الناس يتجمعون حولها لحكاية القصص بعضهم لبعض. وكل ذلك قد جعلنا أفرادًا نؤدي نسخًا مصطنعة من أنفسنا لأقراننا غير المرئيين، ونصمّم مظهرنا وحياتنا وآراءنا لتناسب المعايير السائدة. يكتب هان ليقول إن ذلك: “قد خلق شكلًا ذكيًا من الهيمنة التي تطلب منا باستمرار أن ننقل آراءنا واحتياجاتنا وتفضيلاتنا، وأن نروي قصص حياتنا، وأن ننشر الرسائل ونشاركها ونعجب بها“.
انحدر البشر، كما قال هان في مكان آخر، إلى أجهزة توليد لرأس المال، ما أدى إلى اختصار ذواتنا إلى مجموعات من البيانات القابلة للتسييل التي يمكن التحكم فيها واستغلالها، وهو ما جعل شركات التكنولوجيا العملاقة من أهم الشركات في العالم، ودفعنا لنتحوَّل إلى مجرد مقدمي محتوى لتوسيع نطاق أعمال تلك الشركات وزيادة أرباحها. نحن ننشر بيانات معدل ضربات قلوبنا من ساعات “الفيت بيت” التي نرتديها؛ لنروي قصصًا مثيرة عن رحلات اللياقة البدنية التي نقوم بها، ونعمد إلى تزيين حكايات ما قمنا به في إجازاتنا من خلال صور السلفي ولقطات الوجبات الشهية التي تناولناها. لقد ضاع شيء ما في كل هذه القصص: فرديتنا وإنسانيتنا وقدرتنا على سرد روايات مقنعة، بدلًا من أداء أدوار مصطنعة عن ذواتنا.
يقول هان إن طبيعة السرد لا تتلاءم مع منطق الكفاءة الذي يسيطر على حياتنا المعاصرة، ويجد أن أكثر ما يظهر ذلك في المجال الطبي؛ إذ إن الأطباء لم يعد لديهم لا الوقت ولا الصبر للاستماع لمرضاهم، ونتيجة لذلك أصبح المرضى يُشجَّعون على تدوين ما يشعرونه من أعراض في تطبيقات مثل تطبيق Dr iQ، مثلًا، الذي يسمح فقط بأشكال معينة من السرد من خلال حصر الأعراض في مربعات الاختيار، التي تبدو مصمَّمة لمنع الأشخاص من تقديم وصف دقيق وموضوعي لما يشعرون به. وكل ذلك، بحسب هان، قد حوَّلنا إلى دُمى متطابقة مع أعراض مماثلة.
إن تضخم رواية القصص التي تحوَّلت بيعًا للقصص في وقتنا الحاضر، باتت ظاهرة مَرضية يجب تسليط الضوء عليها وتشريحها بدقة، لعلَّنا نستطيع التعامل معها بطريقة تُعيد لنا بعضًا من إنسانيتنا.
اترك تعليقاً