مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو – يونيو | 2020

نادي القبح! لإنصاف جَمَال الروح


يعود تاريخ بلدة بيوبكو الإيطالية الهادئة إلى القرون الوسطى، وقد اشتهرت بموقعها الجميل بين جبال أبينين والبحر الأدرياتيكي، كما تميزت بجمال بيوتها الحجرية وغاباتها الخلابة، ولكنها، رغم جمال طبيعتها، تُعرف بأنها عاصمة القبح في العالم!
ففي عام 1879م، أسس أهالي بيوبكو “نادي القبح” أو (Club Dei Brutti)، الذي أُنشئ في الأصل لتقديم خدمة التوفيق الزوجي لشابات البلدة العازبات اللواتي لم يكنَّ على مستوى معيَّن من الجَمَال، ومن ثم تطور للاحتفاء بالبشاعة بالمطلق.

يقول جيوفاني لويجي، الذي شغل منصب رئيس النادي لمدة ثماني سنــوات، إن شعـار النـادي كـان ولا يزال: “البشاعة فضيلة والجَمَال عبودية”، وإن لفلسفة النادي أثراً كبيراً على سكان البلدة الذين باتوا يمارسون التعاطف مع الآخرين في أجمل أشكاله. إذ لا ينظر سكان بيوبكو إلى الجمال والبشاعة حسب المعايير المعروفة عادة، ولكن بالنسبة لهم تكمن الأهمية في القيم الداخلية وجَمَال الروح بدل المظاهر الخارجية.
ومن أهداف النادي الأوسع تعزيز تقبل الذات مهما كان الأمر، الأمر الذي يترجم بالثقة بالذات التي هي الجمال بعينه. والأهم من ذلك كله هو إزالة الوصم حيث إنه إذا ما تم الاحتفاء بالبشاعة بهذه الطريقة يشعر الأشخاص القبيحون بأنهم أقل قبحاً، إذ عادة ما يرى الناس أنفسهم من خلال عيون الآخرين. ومن ناحية أخرى ليس بالضرورة أن يكون كل من ينتمي إلى النادي على مستوى معيَّن من القبح، بل يكفـي أن يكون إنساناً جميلاً من الداخل يتفهم هدف النادي وشعاره وفلسفته.

وتشتهر بيوبكو بتعلقها بهذا النادي، إذ تُجرى انتخابات كل عام لاختيار رئيس له، كما يقام مهرجان كبير في يوم الانتخابات، تقدَّم فيه الأطعمة المحلية التقليدية وتنظم الاحتفالات داخل مقر النادي، حيث ينشد الأهالي نشيد البلدة الذي يحتفي بالقبح. ولأن النادي أصبح الرمز الأكثر تعريفاً لصورة بيوبكو، وتماشياً مع هذه الصورة، أقيم في وسط البلدة تمثال لرجل في غاية القبح يشبه في هيئته كوازيمودو في رواية أحدب نوتردام، وهو عبارة عن تمثيل لرجل ينظر إلى نفسه في المرآة ولكن ما يراه في الواقع ليس قبح وجهه بل جَمَال شخصيته.
والآن مع تغير الزمن، لاقت فلسفة هذا النادي صداها حول العالم. فتفرعت عنه منظمة عالمية للبشاعة تضم حوالي 30,000 عضو. وتتولى هيئة إدارة النادي تقييم المنتسبين الجدد، وعادة ما يتراوح التقييم بين قبح “غير محدد” و”في غاية البشاعة”.
وفي هذا المجتمع المعاصر الذي بات يضع قيمة عالية على الجَمَال الخارجي، يدفعنا نادي بيوبكو للقبح إلى أن نعيد النظر في ثقافة الصورة الطاغية ويجعلنا نتعمق أكثر في الشعار الذي يحمله ونتساءل: هل حقاً أن الجمال عبودية؟


مقالات ذات صلة

على الرغم من وجود العديد من التساؤلات حول مستقبل الكتب المادية، فقد أطلقت الفنانة الإسكتلندية المفاهيمية “كاتي باترسون” في عام 2014م فكرة إنشاء “مكتبة المستقبل” كمشروع فني تطلعي يجمع بين كونه كبسولة زمنية أدبية ومشروعًا بيئيًا. كرّست “باترسون” جلّ اهتمامها بما ستتركه البشرية للأجيال القادمة؛ لذلك ابتكرت فكرة إنشاء هذه المكتبة في مدينة أوسلو النرويجية. […]

استطاعت الدول الناطقة باللغة الألمانية (ألمانيا، والنمسا، وسويسرا) أن تخلق نموذجاً في النهضة والتفوّق بالاعتماد على الأيدي العاملة المؤهلة مهنياً، وقد حقَّق هذا النموذج نجاحاً باهراً على مستوى العالم، فيما تسعى دول كثيرة داخل أوروبا وخارجها للاستفادة منه، ففي هذا البلد المزدهر اقتصادياً، يُعدُّ التدريب المهنيّ سرّاً من أسرار نجاحه، بل وربما ريادته عالمياً، فبفضله […]

من المؤكد أن للعلوم والتكنولوجيا تأثيراً عميقاً على المجتمع، لكن العكس صحيحٌ أيضاً، بحيث يشكِّل المجتمع، بصورة كبيرة، الطرق التي تتطوَّر بها العلوم والتكنولوجيا. ومع ذلك، تُظهر التجربة أنه لا يمكن دائماً للعلماء، من ناحية، وعامة الناس والحكومات والشركات، من ناحية أخرى، فهم بعضهم بعضاً بوضوح، لهذا السبب كان لا بدَّ من وجود خبراء ذوي […]


0 تعليقات على “نادي القبح! لإنصاف جَمَال الروح”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *