مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو - يونيو 2023

مواساة غير مكتملة


عبدالله بيلا

أواسي‭ ‬السماءَ

لأنَّ‭ ‬السماءَ‭ ‬ترى‭ ‬الآنَ

أبعدَ‭.. ‬

أوسعَ‭ ‬مما‭ ‬أرى

وأواسي‭ ‬المطرْ

لأنَّ‭ ‬الدموعَ‭ ‬التي‭ ‬ارتعَشَت‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬السحابِ‭ ‬المهاجرِ

تبتكرُ‭ ‬اليومَ‭ ‬ذاكرةً‭ ‬للفجيعةِ

تثملُ‭ ‬بالدمِ.. ‬والنارِ‭.. ‬‮‬

والصرخاتِ‭ ‬الفظيعةِ

حتى‭ ‬تفيض‭ ‬العيونُ‭ ‬الغريقةُ‭ ‬في‭ ‬حزنِها

مطرًا‭ ‬من‭ ‬حجرْ‭.‬

مُطرِقًا‭.. ‬‮‬

مُغرِقًا‭ ‬في‭ ‬خيالِ‭ ‬القيامةِ

وهي‭ ‬تمرِّرُ‭ ‬في‭ ‬أرقِ‭ ‬الليل‭ ‬أهوالَها

وتخيطُ‭ ‬ثيابِ‭ ‬الردى

للقلوبِ‭ ‬التي‭ ‬حلُمَت‭ ‬بالصباحِ‭ ‬البسيطِ‭ ‬المكررِ

للأغنياتِ‭ ‬النبيّةِ‭ ‬في‭ ‬شفةِ‭ ‬الطفلِ‭ ‬والطير

للأرضِ

وهي‭ ‬تمدِّدُ‭ ‬قاماتِ‭ ‬أشجارها‭ ‬لعناقِ‭ ‬السماءِ‭ ‬البعيدةِ

لكنها‭ ‬لا‭ ‬ترى‭..‬

لا‭ ‬تُجيبُ

لا‭ ‬تُصيخُ‭ ‬لهذا‭ ‬العويلِ‭ ‬الثقيلِ‭ ‬المفخَّخِ

بالليلِ

والويلِ

والأضرحة‭.‬

الصباحُ‭.. ‬‮‬

الرمادُ‭ ‬المُمدَدُ‭ ‬فوق‭ ‬البلادْ

الصباحُ‭.. ‮‬

القبورُ‭ ‬التي‭ ‬انتثرَت‭ ‬في‭ ‬شظايا‭ ‬البيوتِ‭ ‬الغزيرةِ‭ ‬في‭ ‬ضفتيه

ربما‭ ‬مثلَنا‭ ‬أدهشَته‭ ‬القيامةُ

نامَت‭ ‬طويلًا‭ ‬على‭ ‬مقلتيه‭ ‬الغمامة‭.‬

وها‭ ‬هو‭ ‬يلمحها‭ ‬‮ ‬

وهي‭ ‬ترحل‭ ‬ذائبةً‭ ‬

في‭ ‬صديدِ‭ ‬الهواءِ‭ ‬المملَّحِ‭ ‬بالبحرِ

يبصرها.. ‬فيشكُّ

يصدِّق‭ ‬أوهامَ‭ ‬عينيهْ

يُنكرها

ويقولُ‭: ‬

الحقيقةَ‭ ‬أختُ‭ ‬المجازِ‭ ‬الشقيةُ

ها‭ ‬هي‭ ‬تعجنُ‭ ‬في‭ ‬سهوِ‭ ‬هذا‭ ‬الزمانِ‭ ‬‮ ‬

الترابَ،‭ ‬الدمَ،‭ ‬البحرَ،‭ ‬والشجرَ‭ ‬الفزِعَ‭ ‬المتطايرَ

حتى‭ ‬تعانقَ‭ ‬كلُ‭ ‬العناصر‭ ‬أجزاءَها

وتواسيَ‭ ‬آلامَها

ريثما‭ ‬يتبدد‭ ‬وجهُ‭ ‬الزمانِ‭ ‬‮ ‬

وتُنسى‭..‬

ولكنني‭ ‬لستُ‭ ‬أنسى

دمي‭ ‬شاهدٌ

صرختي‭ ‬جمُدت‭ ‬في‭ ‬صقيعِ‭ ‬الجحيمِ

ترمَّدتُ

بعثرتُ‭ ‬أسئلتي‭/‬حيرتي‭ ‬في‭ ‬السماءِ

وعدتُ

لألقى‭ ‬القصيدةَ‭ ‬باردةً‭ ‬مُرَّةً‭ ‬في‭ ‬انتظاري

سأواسي‭ ‬القصيدةَ‭ ‬أيضًا

لأنَّ‭ ‬القصيدةَ‭ ‬بنتُ‭ ‬دمي

ولها‭ ‬أن‭ ‬تثورَ.. ‬تضجَّ‭ ‬بقلبي

وتكتبَ‭ ‬منِّي‭ ‬

وعنِّي

‭ ‬إليَّ

وترثيَ‭ ‬آخرَ‭ ‬أشباحي‭ ‬الراحلة‭.‬

ولي‭ ‬أن‭ ‬أفتش‭ ‬جرحَ‭ ‬الكلامِ‭ ‬القديمَ

وأسألَ‭ ‬كل‭ ‬الحروفِ‭ ‬التي‭ ‬نزفَتها‭ ‬القصائدُ

كيف‭ ‬لها‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الخرابِ‭ ‬الكبير‭

الذي

نثرَ‭ ‬اليأسَ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬المدى

أن‭ ‬تواسيَ‭ ‬بالكلماتِ‭ ‬البشر؟‭!‬


مقالات ذات صلة

ينعكس التجريد على حياة الفنانة بلقيس فخرو وسلوكياتها. فهي لا ترسم الأشياء، وإنما ذاكرتها. وفي محترفها، تشير إلى نفسها قائلة: “أحب البساطة في الأشياء؛ ملبسي، محترفي، سلوكي، منزلي… إني أجد المعنى فيها”. فالبساطة تقابل، بمعنى ما، التجريد الذي تنتهجه في تخليق لوحاتها، بما فيها من سكون وطمأنينة تتعدى المعاني التي انطلقت منها في إبداعها، إلى […]

يعبِّر فيلم استفتاح العام “بين الرمال” (2024م) للمخرج محمد العطاوي، عن إحدى الصيغ التمثيلية السينمائية السعودية المقترحة في القصة والتمثيل والزمان والمكان، بعيدًا عن محاولات استنساخ أساليب واتجاهات وطرق عربية وأوروبية وأمريكية.يقوم هذا الفيلم على سردية “مخاوي الذيب”، وهي سردية مكررة في التراث المعنوي والمادي في ثقافة شبه الجزيرة العربية، مبنية على موضوع علاقة الإنسان […]

١- يمشي شجرٌ للماء يستسقي من النهر حكـاياه ويبكي مثلما يستشهد الأطفال بالماء وأخطاء العطش كلَّما مات الورق في غصون الشجر العطشان متنا وتنادينا جناحان بلا ريش وريح تُسعف الطير من الموت وأسماء الشجر هل تناوبنا قُبيل الموت؟ آخينا ضمير النهر أجّلنا الحكايات عن السرد وأمضينا بقايا عمرنا الباقي بغرب الشارع العاري تفادينا قتال الموت […]


0 تعليقات على “مواساة غير مكتملة”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *