مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2024

مسابقة “أقرأ”..

المبادرة الكشافة!

عبدالله الحواس
ثقافي / "إثراء" يختتم مسابقة أقرأ في نسختها التاسعة (وكالة الانباء السعودية)

انحازت “القافلة” للقراءة، في كلمتها الافتتاحية للعدد 706 سبتمبر – أكتوبر (2024، وطرحت سؤالا تحريضيا بأسلوب معكوس: “متى سنكف عن القراءة؟! ” . كان هذا السؤال موجها لقراء “القافلة”، الشريحة الأشد شغفًا بالمعرفة، والأكثر تمسكًا بالقراءة وعشقًا للكتب وجاء المقال تزامنًا مع انعقاد مبادرة “أقرأ” السنوية، التي ينظمها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”، واختتمت نسختها التاسعة في شهر أكتوبر المنصرم . في هذه السياقات، وجدت نفسي مدفوعا إلى كتابة مقال عن أهمية القراءة والكتب في حياتنا، ودور مسابقة “أقرأ” في التشجيع على جعل القراءة أسلوبًا للحياة.

كان أحدهم يريد أن يكتشف العالم الواسع بشدة، لم يكن بمقدوره السفر والترحال. لكن شغفه المتوقد كان يدفعه لإيجاد طريقة ما لتحقيق مراده، وبينما هو حائر يمشي في شوارع مدينته المكتظة تعثّر بكتاب أوقعه أرضًا. لعن السقوط ولم يلعن الكتاب. كان الغلاف جذابًا معنونا بـ”أولاد حارتنا” وعلى غلافه رجل باسم بنظارات كبيرة وناصية لامعة. لم يكن يعلم أنه وضع يده على حل معضلته قرأ الكتاب برمته في يومين، فوجد نفسه قد سافر إلى القاهرة وحاراتها ورأى عاداتها وتعرف على ثقافتها عبر أجيال عديدة، ثم بحث عن كتاب آخر جعله يتعرف على أمريكا اللاتينية بشرايينها المفتوحة عبر غاليانو، ثم عبر المحيطات ليصل إلى جنوب شرق أوروبا وتحديدًا بلغاريا، ليسبر أغوار فيزياء الحزن الذي خيم عليها كما يرويها غوسبودينوف. ظل صديقنا على هذا المنوال حتى ارتضى بأن الكتب هي وسيلته الفضلى في استكشافه العالم.

أليس هذا ما تفعله الكتب؟ تنقلنا إلى عوالم لم تتخيل يوما أننا سنعيشها، وأراض لم نتصور يوما أن تطأها أقدامنا؟ ألم يكن الدافع الأكبر هو ذلك الفضول اللذيذ الذي يجعلنا مستمرين في البحث عما يشبع عقولنا الجائعة؟ لقد زرعت فينا الكتب بجميع أشكالها ومجالاتها هذا المخيال الذي لا ينضب ويسعى للمزيد من الحكايات والقصص والأساطير بتنا نستهلك كل ما نجد أمامنا . من الكتب حتى أتخمنا بالخيارات التي تملاً الرفوف وتتلقفها العين حيث تديرها. فمن باولو كويللو إلى كونديرا، وصولا إلى هاروكي، ومرورا بالكتاب العرب كابن خلدون وطه حسين والعم نجيب وبلاغة المنفلوطي، أصبح أمامنا هذا الكم الوافر من الخيارات التي استهلكناها بكل حب.

قبل أيام قلائل، اختتمت النسخة التاسعة من مسابقة “أقرأ” تحت شعار “القراءة جسر عبور”، وهي إحدى أعرق وأبرز المبادرات التي أطلقها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي “إثراء” منذ أكثر من عقد كامل. هذه المبادرة التي كانت وما زالت تتمحور حول مفهوم القراءة وأثرها المتعدي. إن مسابقة “أقرأ” واحدة من أبرز المبادرات الثقافية في العالم العربي، حيث تهدف إلى تعزيز القراءة وتنمية حب المعرفة بين الشباب واليافعين، إضافة إلى تحفيز الأجيال الجديدة على استكشاف عالم الكتب والتوسع في المعرفة. فمنذ بزوغ فجر المسابقة كنا نبحث في صبيحتها عن . ذلك القارئ النوعي، الذي يمارس القراءة بوصفها عادة يومية؛ لإيماننا أن هذه المبادرة تسهم في تعزيز الثقافة العامة وتنمية المهارات اللغوية والتفكير النقدي من خلال قراءة مجموعة متنوعة من الكتب، يتعلم المشاركون خلالها كيفية تحليل المعلومات وتطوير آرائهم الخاصة. كما تُشجّع المسابقة على توسيع | الأفاق عبر الاطلاع على مجالات مختلفة من الكتب بغية إثراء تجربة المشاركين الثقافية.

لقد بدأت المسابقة في نطاق محدود الطلاب المنطقة الشرقية وطالباتها. ثم أخذت رقعتها تتسع لتشمل جميع مناطق المملكة، لتنتهي بالتوسع، بوصفها نقطة تحول، لتشمل جميع أنحاء العالم العربي في عام 2022م. ونتيجةً لذلك، بلغ عدد المشتركين أكثر من 230 ألف مشارك عبر كل النسخ، لتشكل آخر نسخة مفاجأة بتسجيل أكثر من 100 ألف مشارك في نسخة واحدة فقط وهو ما يؤكد أن المسابقة أصبح صداها في كل مدينة عربية، فهي تستهدف فئات متنوعة من المجتمع ممثلين في طلاب المدارس والجامعات. ومما يستحق تسليط الضوء عليه، الملتقى الإثرائي الذي نعده جوهرة البرنامج، والذي يتأهل إليه 50 قارئًا مميزا من الدول العربية كافة تجاوزوا كل المراحل السابقة من تسليم مراجعة نقدية لكتاب، تتبعها مقابلة افتراضية، ونهاية بالمقابلة الحضورية في مدينتي الرياض والظهران يقضي المتأهلون فيها أسبوعين كاملين في مركز “إثراء” يتلقون خلالها برنامجا مكثفا يشمل ورش عمل لتعليم مهارات القراءة والتحليل النقدي. إضافة إلى المناقشات والندوات التي تعقد لمناقشة الكتب المختلفة وأثرها على المجتمع. وكذلك التقاؤهم بكثير من الكتاب والمفكرين والأدباء طوال فترة الملتقى. يتأهل من هؤلاء الخمسين عشرة طلاب يقدمون فيها نصوصا أصيلة كتبوها بناء على تجربتهم القرائية ويقدمونها في الحفل الختامي على مسرح “إثراء” أمام لجنة التحكيم والجمهور المهتم، ليجري تتويج الفائزين منهم بألقاب المسابقة المختلفة.

لقد كوّنت مسابقة “أقرأ” إرنا ثمينا حتى أصبحت مطلبا لوجود من هم في قمة الهرم في المجال، نسخ. إيمانا منهم بأهداف المسابقة وأثرها الكبير. يدل على ذلك وجود ثلاثة فائزين بجائزة نوبل للآداب للمرة الأولى في المملكة خلال ثلاث فضلا عن وجود أبرز الكتاب العرب، من أمثال عبد الفتاح كيليطو، وأدونيس، وأحلام مستغانمي، ود. عبدالله الغذامي، وإبراهيم الكوني، إضافة إلى الكثير من الكتاب الذين نالوا جوائز لها وزنها وعراقتها، مثل: جائزة البوكر ونجيب محفوظ، والشيخ زايد.

أهمية المسابقة تكمن في أنها خطوة مهمة نحو بناء مجتمع قارئ ومتعلم. في عصر تزايد المعلومات والاعتماد على التكنولوجيا، تبقى القراءة هي المفتاح لفهم العالم من حولنا. فمن خلال هذه المبادرة، يمكن للأجيال الجديدة أن تتسلح بالمعرفة وتكون قادرة على مواجهة التحديات إن هذه المسابقة “أقرأ” تعد رمزا للأمل في نشر الثقافة والمعرفة وهي دعوة للجميع إلى المشاركة في البرنامج الذي يستمر في استقبال طلبات التسجيل حتى منتصف فبراير 2025م . من خلال دعم هذه المبادرات، يمكننا جميعًا أن تسهم في تشكيل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.


مقالات ذات صلة

الثقافة تعارفٌ وتثاقف، وحوار وتواصل وتآلف؛ إنها نوافذ مشرعة وأبواب مفتوحة، وطرق تُمهّد وجسور تُبنى. بتلك النية بدأت القافلة..

سيدخل النقل العام في عاصمة المملكة مرحلة جديدة من تاريخه، بافتتاح أحد أضخم مشاريع النقل العام في العالم التي تُنفذ على دفعة واحدة، ألا وهو “مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام بمدينة الرياض”.

كما تقول هيلين كيلر، نحن نسافر لنشعر بأننا أحياء، ونكتشف أنفسنا في المجهول، بينما يعلمنا السفر التواضع ويُثري تجاربنا الإنسانية..


0 تعليقات على “مسابقة “أقرأ”.. المبادرة الكشافة!”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *