مرآة
ظَلَّ أبي يُحذِّرني من الوقوف طويلًا أمام المرآة، في اعتقاده
أنك إذا أطلت الوقوف فسيبتسم الشخص الذي أمامك
وهذا ما سيقودك إلى الجنون..
ولكن ما قادني إلى الجنون هو أنني
وقفت ولم يتحدث الطفل الذي في المرآة
وقفت ولم يبتسم الفتى
وقفت طويلًا ولم يتحدث العجوز
قل شيئًا يا أنت..
قل بأنني انعكاس ياقة انتظارك
قل إنك ذاهب بينما عليَّ البقاء
لأدرِّب شفتي على الكلام
على أن أبتسم
دون أن يجن الرجل المقابل
الذي في داخلي
جليد الذواكر
أطلنا المكوث في البرد،
حتى اصطكت الأرصفة ببعضها،
وقد كان يكفيها أن نسير عليها
فتطمئن لدفء أحذية
صارت تسير من تلقاء نفسها
لكثرة ما جبنا بها الشوارع
أطلنا المكوث في البرد،
ولم ننتبه أن البرد يُقصِّر عمر الفراشات
حين أوقدنا شجر الغابات اليتيمة
قربانا لأجسادنا المرتعشة
وذلك ما لم ترتكبه الصواعق
أطلنا المكوث في البرد،
ولم تك بريئة سكاكين الخضار
وقت سلخنا بها جلود الأيائل،
ولما خشينا أن يهذي بنا العشب
لو حركته رياح المواسم؛
أخفينا الجثث
في أعلى الأجزاء برودة من الذواكر،
وقد كان في الإمكان
أن نحتضن بعضنا
إلى أن يذوب الجليد،
ونختصر كل هذه المجازر
اترك تعليقاً