مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2024

لماذا نقرأ الكتب المملة؟


تأليف: علي حسين

الناشر: المدى، 2024م

“يجب أن نبقى قرَّاء”، هذه كانت نصيحة الكاتب العراقي علي حسين في آخر موضوعات هذا الكتاب الذي سبقـه أربعة وعشرون موضوعًا آخر، حاول أن يُقدِّم فيها إجابة عن سؤال أساس اتخذه عنوانًا لعمله وهو: “لماذا نقرأ الكتب المملة؟”. وهي نصيحة يؤكد بها ضرورة الاستمرار في قراءة المؤلَّفات المتنوعة، التي “تجلس اليوم في المقاعد الخلفية” لتفضيلاتنا، في ظِلِّ طغيان منصات التواصل الاجتماعي الرقمية على عقولنا. فحتى لو أشعرنا بعضُها بقدر من الممل، قَلَّ أو كثر، فالمهم قبل أي شيء، وربَّما تكون هذه هي الخلاصة التي يمكن استنتاجها هنا، هو “إجادة القراءة”؛ لأن من شأن ذلك فقط أن “يجعلك تنتصر” على ما بدا مستعصيًا على فهمك، أو أصابك بالسأم.

يأخذنا الكتاب في جولة بين رفوف الكتب التي -كما يوضح المؤلف- كان زبائن المكتبة التي يملكها أحد أقاربه وعمل بها فترة من عمره، يتجنبون الاقتراب منها؛ لما أشيع عنها من صعوبة تُعيق الفهم أو تجعله بطيئًا، أو بسبب حجمها الكبير وعدد صفحاتها الكثير. وحتى لو كانت مفهومة، فإنها ستجعل من يقرؤها يعتريه الفتور، ويغلبه الملل. وعلى الرغم من ذلك، ولأنه يرى أن الإعجاب بالكتاب الممل أو الصعب لا يجعلنا قرَّاء “سيِّئين”، يسرد علينا كيف كانت هذه الكتب، سواء كانت فلسفية أو علمية أو روائية، تمثِّل تحديًا له. فكان على عكس الآخرين، يصر على “مطاردة” هذه الكتب، ويقضي معها ساعات طويلة؛ سعيًا إلى حلِّ لغزها.

هكذا نقرأ، على سبيل المثال، مغامرات الكاتب مع مؤلفات “النسبية” لألبرت أينشتين، و”تفسير الأحلام” لفرويد، و”الوجود والعدم” لجون بول سارتر، و”الحرب والسلام” لتولستوي، و”يوليسيس” لجيمس جويس، و”البحث عن الزمن المفقود” لمارسيل بروست، و”الصخب والعنف” لوليم فوكنر، و”السيدة دالاواي” لفيرجينيا وولف، و”الاقتصاد السياسي” للحاصل على نوبل في الاقتصاد أوسكار لانكه.

وسيفهم القارئ أن وصف المؤلف لبعض الكتب بأنها مملة لا يعني التقليل منها ومن الأفكار التي تعرضها، فهو نفسه قد تساءل يومًا: لماذا تحظى كتب معينة بأهمية ومكانة كبيرة عند القرَّاء، مثل كتب الفيلسوف الألماني “كانط” التي كانت مع قلة عدد ما يُباع منها “مُبجلة”، على حد وصفه، عند زبائن المكتبة الذين يهتمون بالفلسفة والأدب؟ وكان يظن أنهم بالضرورة قد اطَّلعوا عليها حتى أخبره الروائي العراقي الراحل فؤاد التكرلي، أن بعض الكتب تحتل مكانتها المتميزة “ليس لأن الجميع قرأها وفهمها، أو أنها كتب ممتعةً”، بل لأنها مارست تأثيرًا في مسيرة الفكر البشري، ومن ثَمَّ “الكتاب العظيم ليس مهمًّا أن يكون ممتعًا”.

ولعلَّ أهم ما يميز هذا الكتاب هو سرده المشوق، الذي يقترب من الحبكة القصصية، وكشفه عن طبيعة الصلة التي تربط بين القارئ والكتب الصعبة أو المملة عبر ذكريات خاصة للمؤلف معها. هذا السرد يتجاوز، في الواقع، حدود كتابة السيرة الذاتية؛ لأنه يفيض كذلك بالمعلومات المرتبطة بالأعمال المذكورة في مضمونه كافةً، وهو النهج نفسه الذي سلكه علي حسين في مؤلَّفاته السابقة مثل: “في صحبة الكتب”، و”غوايات القراءة”، و”كتب ملعونة“.


مقالات ذات صلة

صدر مؤخرًا كتابان يسلطان الضوء على العلاقة العميقة بين الخيل والإنسان. يُقدم “الغزاة والحكام والتجار” للمؤرخ ديفيد شافيتز لمحة عن دور الخيول في الحضارات، بينما يُعيد “ضربات الحوافر” لويليام تايلور صياغة القصة الملحمية للخيل مستندًا إلى أحدث الاكتشافات العلمية، ليحل محل الأساطير القديمة.

Money: A Story of Humanity
by David McWilliams
تأليف: ديفيد ماكويليامز
الناشر: 2024م، Simon & Schuster UK

The Haunted Wood: A History of Childhood Reading by Sam Leith 
تأليف: سام ليث  
الناشر: 2024م، Sutherland House Books


رد واحد على “لماذا نقرأ الكتب المملة؟”

  • إذا اصاب القارئ الكريم ملل فهو قارئ عابر ولكن يتمكن من القراءة العميق ذات الهدف المحدد إلا بعد تجاوز الملل الذي يسيطر على القراء المبتدئين


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *