مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يوليو - أغسطس | 2019

كتب


كتب عربية

جغرافية التفلسف: دراسة في مواقف الفلاسفة من المناخ والبيئة وأثرهما في الإنسان
تأليف: حسن مجيد العبيدي
الناشر: منشورات ضفاف، ومنشورات الاختلاف، ودار الأمان، 2018م

بدأ اهتمام المؤلف بهذا الموضوع منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما كان يدرس الفلسفة في كلية الآداب بجامعة بغداد. واستلهم موضوعه من أطروحة الفيلسوف العربي المسلم أبي يوسف يعقوب ابن إسحاق الكندي (توفي 252ه – 865م)، الذي أشار منذ آنذاك إلى المناخ والبيئة وأثرهما في أخلاق البشر التي ربطها بأقاليم الأرض السبعة وفق معطيات علمية في الجغرافيا والفلك، زوّده بها علماء الجغرافية والفلك والرحّالون في زمانه وما قبله.
في كتابه هذا، لم يتوقف العبيدي عند صاحبه الكندي، بل وسّع رقعته الجغرافية والتاريخية لتشمل آراء الفلاسفة اليونانيين، أفلاطون وتلميذه أرسطو، والفلاسفة العرب، والفارابي والعامري وإخوان الصفا ومسكويه وابن سينا وابن طفيل وابن رشد وابن خلدون.
حاولت الدراسة أن تجيب عن سؤال محدَّد؛ هل يُعد تأثير البيئة وما تحتويه والمناخ وما يحمله في الإنسان ومحيطه حتمياً أم إمكانياً؟ وللوصول إلى الإجابة عن هذا السؤال، استعرض العبيدي آراء الفلاسفة السابق ذكرهم معتمداً على نظرتهم المبثوثة في تراثهم الذي وصل إلينا، ومدى انحيازهم لخياري الحتمية والإمكانية.
لم تغفل الدراسة الأطروحات الفكرية الفلسفية العربية المعاصرة كذلك، فاستعرض المؤلف نموذجين ختم بهما دراسته هذه. الأولى بعنوان “نشوء الأمم”، وهي تنحو نحو الجغرافية الحتمية، وهي للمفكر العربي المعاصر أنطون سعادة، والأخرى بعنوان: “شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان” للمفكِّر المصري جمال حمدان، التي تتجه اتجاه الجغرافية الإمكانية.
وللأهمية المركزية التي يحتلها ابن خلدون في الفكر العربي وتفسيراته العميقة للعمران البشري، أفرد العبيدي مبحثاً في دراسته تتبَّع فيه موقف ابن خلدون من البيئة في عيون بعض الباحثين العرب المعاصرين، بدءاً بعميد الأدب العربي طه حسين، مروراً بساطع الحصري وناصيف نصار ومحمد عابد الجابري ومحمد مصباح العاملي وعلي عبدالواحد وافي وزينب محمود الخضيري وختمها بالمفكِّر العراقي محسن مهدي.
سبق ذلك كله مقدِّمة وافية ومدخل نظري لدراسة البيئة والمناخ وأثرهما في الإنسان حسب وجهة نظر بعض العلوم الإنسانية، كعلم الشعوب وعلم الإنسان وعلم البيئة وعلم الأحياء وعلم الآثار.
ويختم العبيدي دراسته بسؤال عن الجدوى من أهمية البحث في المناخ والبيئة والأقاليم في العصر الذي أضحى العالم فيه قرية كونية صغيرة يُجاب في نهار من أقصاه إلى أقصاه، شوأصبحت التقنية اليوم قادرة على تشتية الصيف وتصييف الشتاء واستمطار السماء!

الفن العربي الحديث.. ظهور اللوحة
تأليف: شربل داغر
الناشر: المركز الثقافي العربي، 2018م

يتتبع هذا الكتاب في أبوابه الثلاثة وفصوله العشرة بدايات ظهور اللوحة الزيتية في البلاد العربية وفق منظور تاريخي يمتد عبر القرون الخمسة الأخيرة، كما يستعرض الأعمال الفنية التي ظهرت في البداية، ويتعرف على فنانيها والمؤسسين لها. 
يتناول الباب الأول “اللوحة: من القصور إلى الدور” ظهور اللوحة في النطاقين العثماني والعربي وفق مقاربات مختلفة، ويذكر أن البحث عن تاريخ الفن العربي الحديث ينساق إلى سِير الفنانين أنفسهم، وكأن هذا التاريخ ينبثق من ريشات المصورين وألوانهم، وكذلك إلى تاريخ الأثر الأوروبي في الثقافة العربية، وأيضاً من الكتب المتأخرة وأدلة الفنَّانين والمعارض والمتاحف المعاصرة. ويقول الكتاب إن اللوحة الزيتية نظراً لمقاساتها الصغيرة أحياناً، ولطريقة صنعها، قابلة لأن تُخفى وتُنقل بسهولة، وأن تُحفظ بصورة سرية في بيت أو خزانة دون رقابة. ولهذه الأسباب وغيرها يُعد السؤال عن ظهورها في البلاد العربية سؤال تاريخي صعب وشيق في آنٍ معاً.
وفي الباب الثاني “بين الفن والخطاب”، يركِّز على ظهور اللغة والخطاب في الألفاظ الاصطلاحية المناسبة لنطاق الفن ومتعلقاته. ويقول المؤلف هنا إن تاريخ الفن يعمل على استبيان وقائع الفن في السياقات المختلفة مثل الأبنية الاجتماعية الأخرى، إلا أنه في بعض الأحيان يُسقط من حسابه اللغة. ويؤكد أن حدوث الفن لا يظهر في لوحة أو فوق جدار أو محترف، وإنما يظهر أيضاً فيما تسجله اللغة في ألفاظها وتراكيبها أو في كتبها ومقالاتها. مشيراً إلى أنه كان على اللغة العربية من جهة، وخطابها الكتابي من جهة أخرى تسمية ما جديد في الوجود المادي، أي ما لم يكن معروفاً في استعمالاتها من قبل.
أما الباب الثالث “تجليات اللوحة” فقد تناول الوجود الفني للوحة، بما يشمل ذلك من المدارس الفنية، والأنواع والموضوعات والأساليب التي اتبعها أوائل الفنانين والمؤسسين والروَّاد. وهذا الباب يتناول اللوحة نفسها وبناءها الفني ومرجعيتها المدرسية والجمالية، كما يقترب من أنواع الفن في اللوحة العربية الناشئة ومن أساليبها ومعالجاتها. وفي الفصل الأخير من هذا الباب “جبران خليل جبران، المصور الخيالي” يتناول المؤلف بالشرح فن جبران، ويذكر عدة أسباب دعته إلى ذلك منها: أن أعمال جبران حظيت ببحث أدبي كبير موسَّع، فيما لم تحظ بقسط وافر من البحث من جانبها الفني، وأن هذا الفنَّان دخل إلى عالم اللوحة دخولاً مختلفاً عن أقران جيله، وسلك طريقاً مبتكراً إلى عالم اللوحة ابتعد به عن أقرانه من روَّاد الفن العربي الحديث.

سحر الرواية
تأليف: سعيد بو كرامي
الناشر: صفحة سبعة، 2019م

“المجتمــع العربـي اليـوم لا يقـرأ بصـورة مطمئنـة”، هكذا قدَّم المؤلِّف كتابه سحر الرواية، الذي جاء في أربعة فصول: الرواية في أوروبا، والرواية في آسيا، والرواية في أمريكا، والسرد في إفريقيا.
لخص المؤلِّف في المقدّمة الأفكار التي يتحدّث عنها في فصوله الأربعة، مؤكداً على وجود الحالة المخيفة من “قلّة الإقبال على الكتاب والقراءة”، وقال إنه لا يملك أفكاراً يمكن أن يقدِّم بها هذا الكتاب من منطلقات “الكتب التي تعتني بنا”، وسرد عدداً من الكتب التي تركت أثراً في تاريخ القراءة العربية، متسائلاً في ذات المقدّمة عن المعايير التي تسمح لنا باختيار الكتب: “هل هي الكتب التي تدفعنا للكتابة؟ أم التي تمنحنا القدرة للوصول لذواتنا؟” ويجيب: “الكتاب الذي أعاد انبعاثك هو الكتاب الذي أقام في قلبك، وما عليك إلاَّ استرجاعه وإعارته”. وفي ظل بحثه عن هوية الكتاب الذي ترك أثراً على القارئ يقول: “كل واحد منا ينتظره كتاب، في مكان ما، ويجب العثور عليه”، وعن العلاقة بين القراءة والروح يقول الكاتب إن “القراءة توفّر فائضاً من الحياة وتساعد على التئام الجراح”، حيث يقتبس ما قاله مونتسكيو: “الكتب واحة حقيقية من الراحة النفسية، والخلاص من قيود التوتر الداخلية. القراءة طقس للشفاء السحري.”
كتاب سحر الرواية وضع عناوين فصوله حسب القارات الأربع، مستدعياً في كل قارة عدداً من الكُتَّاب، لا يتحدّث فقط عن كتبهم، بل شخصياتهم ورؤيتهم للعالم، كما استعرض أيضاً عدداً من أعمالهم مما يجعل القارئ يذهب في نزهة مع هؤلاء الكتّاب. ففي الفصل الأول، “الرواية في أوروبا: متاهة الذاكرة وانهيار القيم”، استعرض عدداً من الكتّاب الأوروبيين منهم ميلان كونديرا، وأنطونيو موريسكو، وميشيل هويليبيك، وماتياس إينار، ولوران غودي وآخرين بلغ عددهم خمسة عشر كاتباً، بينما في الفصل الثاني “الرواية في آسيا: صدى الواقع المرير”، استعرض سبعة كُتَّاب من بينهم أورهان باموك، وياسوناري كواباتا، وخالد حسيني. وفي الفصل الثالث “الرواية في أمريكا: استنزاف الذات ومحو الذاكرة الجريحة”، استعرض عشرة كُتَّاب من بينهم سيرجيو ديلغادو، وإدواردو غاليانو، وإيزابيل أليندي، وتوني موريسون، أما في الفصل الرابع “السرد في إفريقيا: صراع بين الواقع والأسطورة”، فاستعرض خمسة كُتَّاب من بينهم مارلين فان نيكرك، وخوسية إدواردو أغوالوسا، وميا كوتو.
كتاب سحر الرواية يستعرض حالة السرد لدى بعض الكتّاب المؤثرين على مستوى العالم، محاولاً استعادة فوائد الكتاب الإيجابية على الفرد والمجتمع ثقافة وسلوكاً.

“فلسفة الفكاهة”
تأليف: تيري إيغلتون
ترجمة: ماجد حامد
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2019م

تشير مقدِّمة هذا الكتاب، إلى أن “الفكاهة تسلية مجانية للعقل، تريحنا من سلسلة الأفكار الروتينية، وتخفِّف من استبدادها، وتمنعنا من أن نصبح عبيداً لها. ويعمِّم البعض بتهور الكيفية التي تحافظ بها الكوميديا على استبداد النظام أو الموقف بعينه؛ لأنها تجعله محتملاً وتحثُّ الكوميديين الحقيقيين على التعبير عما يخجل من التعبير عنه الآخرون.
المؤلِّف تيري إيجلتون، ناقد أدبي وفيلسوف وكاتب وأستاذ جامعي، وأحد أهم الباحثين والكتّاب في “النظرية الأدبية”، كما يُعدُّ من أكثر النقَّاد الأدبيين تأثيراً بين المعاصرين في بريطانيا. وهذا الكتاب بمثابة بحث عن مكانة الفكاهة والكوميديا في الثقافة الغربية وتطورها، ورصد تحوُّلاتها، انطلاقاً من تساؤلات تبدو للوهلة الأولى بسيطة، مثل: لماذا نضحك؟.
يتفحص الكتاب نظريات الفكاهة المعروفة، بما في ذلك فكرة الأنا تنبع من التناقض، أو تعكس شكلاً سادياً معتدلاً من التفوق على الآخرين. وبالاعتماد على مجموعة واسعة من المصادر الأدبية والفلسفية، ينتقل تيري إيجلتون من أرسطو وأكيناس إلى هوبز وفرويد وباختين، وينظر على وجه الخصوص إلى الآليات التحليلية النفسية الكامنة وراء الفكاهة وتطورها الاجتماعي والسياسي عبر القرون.
يبدو الكتاب فريداً فى مجاله؛ فثمة كتب تتناول النكتة، وكتب تنظّر كثيراً عن طبيعة المفارقة، وكتب عن تاريخ الكوميديا، وما إلى ذلك. ولكن لا يوجد كثير من الكتب التي تحاول التقاط الفكاهة؛ ربما لأن الفكاهة مفهوم يصعب تحديده مثل الطبيعة البشرية.
يلفت إيجلتون النظر إلى أن الكوميديا تشكِّل تهديداً للسلطة السيادية، ليس فقط بسبب ميلها الفوضوي، ولكن لأنها تبرز بعض القضايا المهمة مثل المعاناة والموت.
وينبه إيجلتون إلى أن الفكاهـة كانت دائمـاً في حالتين إما مطرودة من عالم القيم المثالية المفضَّلة، أو تقع فى أسفل مفاضلات السلوك الاجتماعى. فيذكر على سبيل المثال إلى المكانة المتواضعــة التى يضع فيها أرسطو الفكاهة. كما أن أفلاطون نظـر بازدراء إلى السخرية والكوميديا، ورأى في كتابه الأساسي “الجمهورية” أن ممارستها يجب أن تقتصر على العبيد والأجانب أما عن العصور الوسطى، فيشير إلى أن بعض الفلاسفة النصارى قد حرّموا المزاح. ويذكر أن الفيلسوف والناقد الروسي ميخائيل باختين كتب أن “الضحك في العصور الوسطى ظل بعيداً عن مجالات الأيديولوجيا الرسمية وخارج كل أشكال العلاقات الاجتماعية الرسمية الصارمة”.


كتب من العالم

عشرة أدوية: كيف شكَّلت النباتات والمساحيق والأقراص تاريخ الطب  
Ten Drugs: How Plants, Powders, and Pills Have Shaped the History of Medicine by Thomas Hager 
تأليف: توماس هاغر
الناشر: 2019 ,Harry N. Abrams  

خرجت جميع أنواع العجائب الطبية من المختبرات – ومن الطبيعة نفسها – مع كثير من العثرات ولحظات “اليوريكا” (وجدتها!). كما كان وراء كل دواء معروف قصة، قد تكون فكرة عبقرية لباحث غريب الأطوار، أو لحظة محفزة في التاريخ الجيوسياسي، أو تكنولوجيا جديدة، أو تأثيراً جانبياً غير متوقّع، ولكن مرحَّب به، تم اكتشافه خلال التجارب السريرية. وفي هذا الكتاب، يجمع المؤلِّف توماس هاغر هذه القصص على مدار قرن من الزمان في عرض تاريخي يمكّننا من تتبع تطور تاريخ الطب في العالم.
يبدأ هذا التاريخ مع الأفيون، “نبات الفرح”، الذي استخدمه البشر منذ 10,000 سنة، والذي انتشر في جميع أنحاء العالم. ومن ثم نتعرف على باراسيلسوس، عالم الكيمياء السويسري في القرن السادس عشر، الذي تعقب تأثير الأفيون على البشر، وكيف أنه بحلول نهاية القرن التاسع عشر أدى إنتاج الأفيون المتكرِّر إلى مادتي المورفين ثم الكوديين اللتين كانت لهما استخدامات طبية واسعة. ومن ثم ينتقل هاغر إلى تاريخ اللقاحات وأبرزها قصة اكتشاف لقاح مرض الجدري، وإلى الكاتبة والشاعرة الليدي ماري مونتاغيو التي أدخلت لقاح الجدري إلى بريطانيا.
وللمضادات الحيوية قصة أخرى، التي أدَّى اكتشافها إلى إنقاذ أرواح لا حصر لها، وهناك قصة اكتشاف “عقاقير العقل” في الخمسينيات، مثل الكلوربرومازين، التي أحدثت ثورة في ممارسة معالجة الأمراض النفسية، واكتشاف دواء الستاتين المخفّض للكولستيرول، بالإضافة إلى الاكتشافات الجديدة في الأجسام المضادة. وفي كل هذه القصص فكرة محورية يدور حولها الكتاب، ومفادها أن العثور على “الدواء السحري” غير ممكن، وأنه لا يوجد دواء من دون آثار جانبية محتملة، ولا يوجد دواء جيد أو سيء بالمطلق.

علم رواية القصص
The Science of Storytelling by Will Storr 
تأليف: ويل ستور
الناشر: 2019 ,HarperCollins UK

لا شك أن القصص تُسهم في تكويننا المعرفي، بدءاً بشخصياتنا الفردية ووصولاً إلى هويتنا الثقافية، كما أن لها فضلاً كبيراً في دفعنا إلى تحقيق أحلامنا وطموحاتنا وصياغة آرائنا ومعتقداتنا، فنستخدمها لبناء علاقاتنا ولتفسير الروايات التي نقرؤها في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، ولإيجاد بعض التماسك في العالم الفوضوي الذي يدور حولنا. باختصار، تُعد رواية القصص جزء أساسي مما يجعلنا بشراً.
وسبق أن ظهرت محاولات عديدة لفهم كيف تكون القصة جيدة – من نظريات أستاذ الأدب الأمريكي جوزيف كامبل حول الأساطير والنمط التقليدي للحكايات، حيث البطل ذو الأوجه المتعدِّدة، إلى المحاولات الأخيرة لفك سر الروايات التي تتصدَّر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً. لكن لم يسبق لأي من هذه المحاولات استخدام منهج علمي، وهذا أمر مثير للاهتمام، لأننا إذا أردنا أن نفهم حقاً سرد القصص بمعناه الأكبر، يجب علينا أولاً أن نفهم راوي القصص الأساسي: العقل البشري.
في هذا الكتاب يحاول المؤلِّف ويل ستور، من خلال استخدام الأبحاث النفسية وعلم الأعصاب المتطوِّر، تفسير مقومات رواية القصة، وصياغة سرد يدخل عميقاً في نفسية القارئ، ويقول إن الدماغ هو الراوي الأول، وعلينا أن نفهم العلم أولاً لكتابة قصة جيدة. ويوضح قائلاً: “إننا نحن، كبشر، نميل إلى التحقق من الأشياء باستمرار”، إذ تقوم أدمغتنا كل يوم، بتحليل القصص التي نسمعها، فيما تبحث عن أي شيء غير متوقع، وكل ما هو غير متوقع يدل على التغيير، والتغيير هو المكان الذي تبدأ فيه أي قصة. ووفقاً للمؤلف ويل ستور، إن المقالات الصحافية العظيمة والمقابلات الرائعة والقصص الجيدة هي التي “تربط لحظات التغيير” هذه بعضها بعضاً بطريقة جيدة.

بابل
Babel by Kenah Cusanit
تأليف: كيناه كوسانيت
الناشر: 2019 ,Hanser Verlag       

يروي هذا الكتاب قصة عالم الآثار الألماني البارز، روبرت كولدوي، (1855-1925م) الذي كان مسؤولاً عن حفريات مدينة بابل واكتشاف بوابة عشتار الشهيرة. وكان روبرت كولدوي قد شارك في عدة حفريات أثرية في الشرق الأوسط في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
تناول في القسم الأول من الكتاب شخصية كولدوي المتعدّد الاهتمامات، الذي يتأمل في التاريخ والتصوير الفوتوغرافي ورسم الخرائط والهندسة المعمارية والجوانب الفنية المتعلِّقة بالطوب والاختلافات الثقافية بين الشرق والغرب، بينما كان طريح الفراش من جرَّاء التهاب في الزائدة الدودية كان قد أصابه، حيث كانت تفاعلاته فيما يتعلق بعملية التنقيب تقتصر على تواصله مع مساعده بوديسينيج.
أما في القسم الثاني من الكتاب، عندما بدأ كولدوي يشعر بتحسن إثر لجوئه إلى وصفات طبية قديمة كانت تستخدم في مداواة مختلف الأمراض الداخلية، وتعرف عليها من الثقافة البابلية القديمة، فإننا نرافقه وهو يمشي على ضفاف نهر الفرات، ويتحدث إلى السكان المحليين الذين كانوا يعملون في التنقيب عن مدينـة بابل، بما في ذلك الكاتبة وعالمة الآثار الإنجليزية جيرترود بيل. وفي وقت لاحق، يسافـر كولـدوي إلى برلين من أجل تقديـم تقرير إلى جمعية المستشرقين الألمان وإلى القيصر الألماني عن أعمال التنقيب التي كان يقـوم بها في العـراق، وهناك يشعر بالصدمـة من التغيـر الكبير الذي أصـاب مدينته برلين بعد غيابه عنها لمدة ست سنوات، وأخذ يفكر ويتأمل في أوجه التشابه بين بابل في الأيام الخوالي وبرلين في الوقت الحاضر.
باختصار، في هذا الكتاب يعرض المؤلف كيناه كوسانيت لشخصية تاريخية من خلال تأملاتها العميقة والتفاصيل الدقيقة للعمل في مجال التنقيب، والروايات التي نقلها، والمدعومة بالقوائم والرسائل والصور الفوتوغرافية، تعكس كثيراً عن تاريخ حقبة مهمة من الزمن، وتصور المصالح الألمانية في الاكتشافات الأثرية التي كانت في سباق حاد مع الدول الأوروبية الأخرى.

صبية الفحم
Charcoal Boys by Roger Mello
تأليف: روجر ميللو
الناشر: 2019 ,Elsewhere Editions

بعد كتابه “أطفال المانجروف”، الذي تحدَّث فيه المؤلِّف البرازيلي روجر ميلو عن عمالة الأطفال في جمع السلطعونات من شواطئ البحر بعد أن تجرفها الأمواج، كتب هذا الكتاب بصورة مؤلمة لطفل يعيش في ظروف صعبة، وهو يتعرَّض لأخطار جمة في عمله طوال النهار في أحد المناجم لاستخراج الفحم الحجري في البرازيل.
ومن خلال هذا الصبي، يقدِّم الكاتب رؤية مختلفة لحياة الأطفال الذين يعملون في مناجم الفحم في العالم، فيما تُروى قصته من منظور دبور كان يتتبع الطفل طوال يومه. ففيما كان الدبور يقوم بمهامه اليومية الخاصة، كان يلاحق الصبي خلال روتينه العملي في النهار، ويصف لنا عمله الشاق في صنع الأفران وإضرام النيران فيها بشكل دائم لإبقائها مشتعلة، ومحادثاته مع رفاقه الصبية الآخرين، ومحاولاته الهروب من المفتشين. أما ما يميِّز الكتاب فهي الرسوم التوضيحية للمؤلف نفسه التي تعبِّر بشكل قوي عن الحياة القاسية لهؤلاء العمال الصغار من صورة الغلاف بلون الفحم الرمادي إلى صور الحرائق وشعلات النيران بالألون البرتقالي والوردي والأحمر، والرسومات التي تمثل شقاء الأطفال وقمعهم التي تنتشر على صفحات الكتاب. ومن خلال كل ذلك يستطيع المؤلف روجر ميللو أن يجعل قوة الطفل الصغير ومرونته تتألَّق في هذا المؤلَّف الذي يُعدُّ إدانة قوية لعمالة الأطفال، وللنظام الاقتصادي القائم الذي يضخ الأموال في جيوب تجار الصلب الأثرياء.


مقارنة بين كتابين
مكانة الجليد ومعناه في حياتنا


سر حياة الأنهار الجليدية
تأليف: م. جاكسون
الناشر: 2019 ,Green Writers Press
The Secret Lives of Glaciers by M Jackson




الجليد: الطبيعة والثقافة
تأليف: كلاوس دودز
الناشر: 2018 ,Reaktion Books  
Ice: Nature and Culture by Klaus Dodds

فيما تستمر درجة حرارة الأرض في الارتفاع والجليد الطبيعي في الذوبان، يبحث كتابان حديثان في كيفية تشكيل الجليد لحياتنا، وكيف يمكننا التكيف مع اختفائه التدريجي من على كوكب الأرض.
أمضت العالمة الجغرافية م. جاكسون مؤلِّفة كتاب “سر حياة الأنهار الجليدية” عاماً كاملاً على الساحل الجنوبي الشرقي لأيسلندا، في بقعة تضم عديداً من الأنهار الجليدية الرائعة، ولكنها بدلاً من التركيز على الجوانب العلمية لهذه الأنهار، اختارت أن تنظر في أسئلة فلسفية واجتماعية حول التفاعل بين الناس والأنهار الجليدية. فمثّل كتابها مجموعة من المقابلات، سألت فيها جاكسون السكان المحليين والزوار، عما تعنيه الأنهار الجليدية بالنسبة لهم على ضوء تاريخهم المتشابك معها ومع تغير المناخ المتواصل.
تحدث الناس الذين قابلتهم جاكسون عن ارتباطهم بالأنهار الجليدية التي كانت “حية” بالنسبة لهم، تتحرك وتتغير كأنما لها حياة سرية تجعلها أكثر من مجرد ظاهرة طبيعية خلابة. وتلاحظ المؤلفة أيضاً مجموعة متنوِّعة من القصص التي يرويها الناس عن الأنهار الجليدية، والتي لا تتوافق كلها مع العلم. إذ لم يكن أحدهم يصدق تراجع تلك الأنهار كما تفيد البحوث العلمية، ولكنهم جميعهم أقروا بمكانتها الطاغية في حياتهم وكيف تحوَّلت إلى مصدر رزق بالنسبة لعديد من السكان، لكونها محور جذب للسياح من كل أنحاء العالم.
يطرح الكتاب رسالة مهمة عن فهمنا للتفاعل البشري مع الأنهار الجليدية، ويستكشف ما قد نشهده في المستقبل في ما يتعلق بها، وأهمية العمل على إنقاذها.
أما كتاب “الجليد: الطبيعة والثقافة” فيلقي نظرة واسعة على جميع الأشكال التي يظهر بها الجليد في العالم، وكيفية تأثيره على حياة البشر وثقافاتهم عبر الزمن. وتشمل فصوله عناوين مثل علم الجليد واستكشاف القطبين الشمالي والجنوبي، والاستخدام الخيالي للجليد في الفنون، والسياسة الجغرافية المتعلقة بالجليد، والجليد كسلعة، والتكيف مع الجليد و”وداع الجليد”.
في الفن، على سبيل المثال، يتفحص المؤلف، أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة لندن كلاوس دودز، الشعر والأعمال الأدبية واللوحات وغيرها من الأعمال الفنية التي تعبر عن الخوف والرومانسية المرتبطة بالجليد والأماكن الباردة. فتكتب ماري شيللي في روايتها الشهيرة “فرانكشتاين” عن القطب المتجمد الشمالي حيث الجليد “غريب ووحشي”؛ وأقرب إلى عصرنا، ويقدِّم لنا فِلْم ديزني “فروزن” شخصيات ذات قوى جليدية وقلوب دافئة.
ويعرض الفصل الخاص بالاستكشافات ملخصاً لمختلف حملات الاستكشاف للقطبين الشمالي الجنوبي التي كان دافعها الأساس قهر الجليد والبرد واكتشاف بلاد جديدة. كما أنه يغطي بعض الأعمال العلمية المنجزة بواسطة التقنيات الحديثة لدراسة ما يكمن تحت الجليد في القطب الجنوبي وطبيعة الأقمار الجليدية والكويكبات في النظام الشمسي. كما يتضمَّن الكتاب أيضاً قصصاً مثيرة عن حصاد الجليد وتسويقه واختراع الثلاجات.
يدرك دودز مؤلِّف كتاب “الجليد”، ما تدركه م.جاكسون مؤلّفة كتاب “الحياة السرية للأنهار الجليدية”، وهو أهمية وجود الجليد في العالم. ويساورهما القلق نفسه حيال ما سيعنيه ذوبانه السريع الحاصل اليوم بالنسبة لحياتنا، إن كان من الناحية المعيشية أو الإبداعية، أو من ناحية سلامة الكوكب. ويخلص دودز إلى أنه في المحادثات المستقبلية حول الجليد، “من المرجح أن يكون التركيز أقل على الجمال الذي ينطوي عليه والمتعة التي يحملها، ويميل أكثر نحو المخاطر والمشكلات والشعور العميق بالخسارة”.


مقالات ذات صلة

حينما وصل إلى علمي توقف مجلة “القافلة”، استشعرت أن لبنة ثقافية انهارت. فهذه المجلة أحد الأسس التي دلتني أو دفعتني إلى غواية الكتابة، كما فعلت بالكثيرين.

ثَمَّة في تاريخ الأوطان والدول والمجتمعات، محطات لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها دون التوقف عندها والاستلهام من أمجادها والامتنان لرجالاتها الذين صنعوها. إن استحضار واستذكار أحداث تاريخية لها قيمتها وطنياً، هو من الأمور المطلوبة والمحفِّزة لمزيد من الاعتزاز والفخر والانتماء لدولة تأصل تاريخها لقرون، دولة امتدت جذورها وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان […]

بات تطوير سوق العمل وتغيير معادلاته أمراً حتميّاً يتعيّن دعمه من كافة صانعي القرار، وقد كشف تقرير دولي للوظائف عن أن هناك ثماني مهن تُدرِّب عليها كليات ومعاهد تقنية دون الجامعية في السعودية، دخلت في ترتيب الوظائف الأعلى دخلاً.. فما مستقبل التخصصات التقنية والمهنية في المملكة؟ وهل هناك تلبية لحاجة السوق المحلية إليها؟ وماذا عن […]


0 تعليقات على “كتب”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *