مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين

كتب


كتب عربية

التربية في الحقبة الرقمية
تأليف: ميندي ماكنايت
الناشر:
الدار العربية للعلوم، 2019م

يهدف هذا الكتاب إلى مساعدة الآباء والأمهات إلى التعامل بشكل منطقي ومدروس مع العالَم الرقمي الذي أصبح يسم الحياة اليومية في عالمنا المعاصر. وتؤكد مؤلفته الأمريكية ميندي ماكنايت على ضرورة أن يصير الأهالي “رقميين”، وتعمل على إرشادهم إلى كيفية وضع القواعد الأساسية المرتبطة بذلك، بغض النظر عن كل التحوُّلات المستمرة التي يشهدها هذا العالم الرقمي والتي تثبت دائماً “تفوق التكنولوجيا علينا”.
ومن دون مواربة، تعلن ماكنايت، التي صارت من أشهر النساء على مواقع التواصل الاجتماعي حيث بلغ متابعوها على قنوات اليوتيوب أكثر من 23 مليون متابع، أن التربية في القرن الحادي والعشرين بحاجة ماسَّة إلى كتاب تعاليم جديد. ومن هذا التوجه، ألَّفت هذا العمل ليكون دليلاً يتضمَّن أهم إرشادات تفاعل الأولاد مع الإنترنت. فهي تَعُدُّ نفسها، كما نقرأ في مقدِّمة الكتاب، من الجيل الذي يلعب دور الجسر الذي يصل بين العالَم ما قبل الرقمي والعالَم الرقمي، والذي يضع قوانين جديدة في التعامل معه، بحيث “تتغير الطريقة التي نتبعها في تربية أولادنا من الطرق التقليدية التي كانت تُتبع، إلى تربية أولاد عائلات المستقبل”.   
يضم الكتاب الذي يقع في 228 صفحة ثلاثة أقسام رئيسة، فيجيب القسم الأول عن السؤال: “ما هي المساحة الرقمية الجديدة ولماذا نحن بحاجة إليها؟، ويحدِّد قواعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف النقالة، ويستعرض بالتفصيل إيجابيات وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي وأهمية اتِّباع آداب السلوك عند استخدامها. ثم يناقش القسم الثاني مسؤوليات العائلة وأفراد الأسرة في العالم الرقمي بكل جوانبه، وينصح الآباء باتباع ما سمَّته الكاتبة “التربية بالاتفاق”، وبأن عليهم أن يتسموا بالصرامة كأولياء أمور لكن بمحبة. أما القسم الثالث فيبحث في علاقات الصداقة الجديدة التي تنشأ في العالَم الرقمي ويحذر من التنمر الإلكتروني وتداعياته السلبية، ويوضِّح كيفية التعامل مع واقعه السيئ.
وتوضح المؤلفة أنها من “الجيل المختار”، وفقاً لتسميتها، الذي تقع عليه المسؤولية الكاملة في تحديد أنماط التعامل مع الحقبة الجديدة الراهنة بكل متطلباتها. وترى أن ثَمَّة حاجة إلى تحقيق نوع من توازن رقيق بين استخدام العالَم الرقمي والإبقاء على أبنائنا وبناتنا في حالة من الأمان من خلال “أساس صلب مكوّن من اللحظات الواقعية”. وهكذا تتخيل “أرجوحة توازن” لها جانب رقمي وجانب واقعي على الطرف الآخر. وعلي الجميع أن يحرص على الإبقاء علي حالة التوازن المثالي بين الطرفين، لتتحَّول هذه الأرجوحة إلى خط مستقيم ومتناغم يربط الجانبين معاً.


نخيل التمر في كتابات الرحَّالة الأوروبيين
تأليف: عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم
الناشر: الساقي، 2020م

ينشغل الباحث والأكاديمي السوداني عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم بشكل عام بدراسة تاريخ منطقة الخليج، لكنه يركِّز في هذا الكتاب على موضوع واحد هو “نخيل التمر” كما ورد في كتابات الرحَّالة الأوروبيين.
يقول المؤلِّف إن التمر ونخيله لم يمثل هاجساً لأي من الرحَّالة الذين تنقّلوا عبر سهوب شبه الجزيرة العربية ومُدنها وقُراها، ولكن لم يخلُ أي كتاب من كتب هؤلاء من ذكر النخلة التي يجدون تمورها في كل دار تستضيفهم. ويشير كذلك إلى أن التاريخ الأوروبي لم يعرف في عصوره المختلفة القديمة أو الوسيطة النخل إلاَّ من رسومات له على قاعات عروش بعض الأباطرة الأوروبيين، وذلك لأن النخلة “شرقية الأصل غُرست جذورها في تاريخه”.
يعالج الكاتب موضوعه في أربعة فصول، يتناول فيها الدروب التي سلكها الرحَّالة الأوروبيون ممن استرعى النخيل انتباههم، وخاصة في الجوف وحائل في شمال شرقي الجزيرة العربية، وفي ينبع وأودية الحجاز. وينقل مقتطفات مما ذكره الرحَّالة من أخبار النخل في أودية نجد وواحاتها عبر القصيم مروراً بالرياض ومنها إلى هجر، الاسم القديم لمنطقة الأحساء المعروفة بتمرها. ويبحث كذلك في كتابات الرحَّالة عن تمور عُمان بمناطقها المختلفة.
ويفيض الكتاب بسرد لمشاهدات الرحَّالة الأوروبيين الذين سجَّلوا في كتاباتهم سمات بيئة جديدة عليهم، لم يكن أمامهم إلا التفاعل معها بتدوين أبرز عناصرها. فيتعرَّف القارئ، على سبيل المثال، على ملاحظات الرحَّالة السويسري جون لويس بوركهارت، عن التمور في سوق جدة، وما سجَّله الضابط الإنجليزي جورج فورستر سادلير، الذي كان أول من أشار من الرحَّالة الغربيين إلى أن بساتين النخيل التي رآها في أسفاره هي ذات وظيفة ترفيهية: “ففي ظلالها يجد الإنسان المُرهق المُتعب الترويح عن النفس والسلوى”، وما كتبه الرحَّالة الفنلندي أوجست والين، عن منطقة “الجوف” ونخيلها، وصولاً إلى الرحَّالة الألماني يوليوس أويتنج، الذي سمى نفسه عبدالوهاب بن فرنص، في حديثه عن دور التمور في الحياة الاجتماعية، حيث وجود النخلة يعني وجود الحياة: لأن “المرء حين يرى نخلاً في منطقة ما، عليه أن يدرك أن تلك المنطقة تختزن مياهاً على غور غير بعيد عن سطح الأرض، أو أنَّ فيها مصدر مياه قريباً”. وما ذكره من استفادته هو نفسه من سعف النخيل الذي يستعمل للإضاءة. “فاللهيب الصادر عنه ليلاً يُضيء المجالس، ويُمكّن من تفحص الوجوه بوضوح”. كما يقارن بعض مشاهداته بما هو رائج أو معروف في أوروبا، مثل رجل مضغ نحو عشرين نواة تمر أو أكثر، “بالطريقة نفسها التي يمضغ الأوروبيون بها حبوب البُن المحمصة في بلادهم”.


مصائر الرواية
تأليف: سعد البازعي
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2020م

من بين الإصدارات التي أثرت المكتبة العربية في الآونة الأخيرة كتاب “مصائر الرواية” للدكتور سعد البازعي، الذي جمع في مؤلِّفه هذا جملة ثيمات وموضوعات مثل “العنف” و”الأقليات”، كما تناول النخبة من خلال فصل بعنوان “مشاغل نخبوية”.
وفي فصل بعنوان “الرواية المترجمة”، تحدَّث البازعي عن رواية “سيِّدات القمر”، وأبدى ملاحظات حول ترجمتها منه. فهو يرى أن “لا يمكن لأي ترجمة أن تستقيم من دون – التفسير والمواءمة – لأنَّ كل ترجمة تفسير لنص، استكناه للمعنى كما يراه القارئ، وقد يختلف القرّاء في ذلك الاستكناه، الأمر الذي يؤدِّي إلى قراءات مختلفة تنتج عنها تفاسير مختلفة”. وحول تغيّر العنوان من”أجرام سماوية”. بالإنجليزية إلى “سيِّدات القمر” بالعربية، يقول: “لو بحثنا في تفاصيل النص لوجدنا كثيراً مما يخرج عن النقل المباشر إلى اجتهادات للمترجمة. وهذه الأمور الطبيعية هي التي تجعل الترجمة إضافة إلى النص الأصلي أو إنقاصاً منه، لكنها خروج عليه في كثير من الحالات، وهي بذلك ليست مجرد صورة له في لغة أخرى بأية حال”.
في مقدِّمة الكتاب يقول البازعي: “تبدأ الحكايات في الرواية وغيرها من ألوان الأدب تتخذ، لدى البعض منا على الأقل، أبعاداً جديدة فتتغير العين القارئة من كونها مجرد عين مندهشة ومتشوّقة للأحداث إلى عين تبحث عن أمور أخرى في القص”. ويضيف: “إنِّ ما يتضمَّنه هذا الكتاب سعي نحو تبيّن بعض ذلك في الروايات محل التحليل والتأمل. إن من البداهة في تقديري أن نقول إن ما تصدر عنه الأعمال الروائية وتصير إليه هو بصفة عامة، انشغال بقضايا إنسانية عامة أو فردية، ومسعى من الروائي للتدخل فيها برؤية تتوسل الحكاية والشخوص تعبيراً عنها. الرواية بشكل خاص خطاب اجتماعي مهما بلغت أدبيته وتجريبيته بل وفردانيته”.
وحول استعمال مفهوم (المقاربة) لوصف إنتاج النص الأدبي، يقول البازعي “القراءة المتمعنة للنصوص ستكشف أنها مقاربات فعلاً، مقاربات بقدر ما توظّف تقنيات الكتابة ومخزون الكاتب المعرفي في الوصول إلى النص المنشود، رواية كان أم غير ذلك”.
وفي المدخل إلى تناول روايات العنف، يقول المؤلِّف: “لا شك في أن العنف تحوَّل إلى ظاهرة مدروسة في العقود الأخيرة، لا سيما بعد انتشار ظاهرة الإرهاب، فصدرت دراسات كثيرة في مجالات بحثية مختلفة… إن الأدب بصفة خاصة حالة تفاعل فردي لغوي مع ظواهر الحياة والمجتمع، فمن المحتم أن نجد أعمالاً طوال التاريخ تتناول العنف بالتأمل أو التصوير أو التعمق النفسي المحلل”.


واستَقرَّت بها النَّوى
تأليف: حمزة قبلان المزيني
الناشر: مدارك، 2020م

للوهلة الأولى، يعتقد القارئ أن الكتاب هو مجرد سيرة ذاتية للكاتب والبروفيسور في اللسانيات الدكتور حمزة المزيني، الذي عمد في هذا السيرة إلى محاكاة تاريخ المملكة العربية السعودية خلال ستين عاماً. إذ يتساءل المزيني في أواخر الكتاب “لماذا أكتب سيرة حياتي الآن وأعرض أحداثها على الناس؟”. لكننا نجد الإجابة عن هذا السؤال بين طيات الكتاب، حيث يقول المزيني: “أظن أن سيرة حياتي ربما تكون مثالاً لسير حياة أبناء جيلي، وهو الجيل الذي مثَّل بداية تلاشي مظاهر الحياة التقليدية التي استمرت لقرون طويلة في الجزيرة العربية، وبداية نمط جديد من الحياة”.
ففي سياق الكتاب، تظهر تفاصيل الحياة اليومية التي عاشها المزيني حيث يقول “كانت تمر بنا أحياناً بعض الأزمات المعيشية الحادة بسبب جفاف بئرنا الذي يحدُّ من الزراعة في بلادنا، لذلك تمر أمي بضائقة مالية لا تستطيع بسببها توفير ما نحتاجه حتى من الضروريات”. وبالفعل، كان المجتمع السعودي ككل المعتمد على الزراعة يمر بمثل هذه الظروف الصعبة.
المزيني من أبناء المدينة المنورة: “ولدتُ ونشأت، كما ولد ونشأ أجدادي، في ضاحية المدينة المنورة الغربية الجنوبية التي تقع على ضفتي وادي العقيق المشهور تاريخياً بهذا الاسم، وهو وادٍ ارتبط بأحداث السيرة النبوية الشريفة وبالحج”. ومن مثل هذا القول، يستطرد المزيني إلى تفاصيل ومعلومات حول المكان لا يعرفها إلا أبناء المدينة المنورة.
وحول التعليم وطرق التعليم التي مثَّلت البدايات بالنسبة للمزيني، فهي تحكي بداية التعليم في المملكة مع اختلاف المناطق والمحافظات. “دخلت وأخي خلف كُتّاباً في مسجد ذي الحليفة الذي يبعد عن منزلنا ثلاثة كيلومترات، وكان يقوم بالإشراف عليه والتدريس فيه الشيخ علي كراني – رحمه الله – وهو خطيب الجمعة والأعياد كذلك”..فطبيعة الدراسة في الخليج أثناء تلك الفترة كانت تعتمد على المسجد والقائمين عليه الذين يتولّون تعليم الصغار أصول القراءة والكتابة.
ويصف المزيني أول مدرسة تم تأسيسها في منطقتهم، هي مدرسة ذي الحليفة الابتدائية التي استمرت تعقد فصولها في المسجد نفسه لثلاث سنوات، ولكن بطاقم تدريسي مختلف.
الكتاب ملئ بالقصص والحكايات التي تحمل الانتقال من (البادية/ الريف)، إلى المدنية: “ربما لا تختلف سيرة حياتي عن سير حياة كثير من أبناء ذلك الجيل إلا ببعض التفاصيل. وربما تكون محاولة لتصوير المرحلة الانتقالية المهمة تلك. فلو لم يكن من سبب لكتابتها إلا أنها محاولة لرصد حياة ذلك الجيل”.
ويؤكد المزيني أنه لم يخطط ما مر به في حياته من تجارب: “فالبشر نتاج صُدف تمليها الظروف التي نشأوا فيها وتحيط بهم وتدفعهم إلى اتجاه بدلاً من اتجاه آخر، نحن لم نختر المكان الذي ولدنا فيه، ولم نختر العصر الذي عشنا فيه”.


كتب من العالم

الحياة المتشابكة: كيف تصنع الفطريات عوالمنا وتغيِّر عقولنا وتشكِّل مستقبلنا
Entangled Life: How Fungi Make Our Worlds, Change Our Minds & Shape Our Futures by Merlin Sheldrake
تأليف: ميرلين شلدريك
الناشر: 2020 ,Random House

في هذا الكتاب تُلقي عالِمَة الأحياء ميرلين شلدريك، نظرة فاحصة على الفطريات التي تدعم وتشكِّل معظم الأنظمة الحية الأخرى. فتقول: إن الكائنات الفطرية، التي تشكِّل مملكة متنوِّعة من الكائنات الحية، هي التي تتحكم بالتمثيل الغذائي، وهي اللاعب الرئيس في معظم عمليات الحياة، كما يمكنها تغيير أذهاننا وشفاء أجسادنا وحتى مساعدتنا في علاج الكوارث البيئية.
تثبت شلدريك، أن صلة الفطريات بالبشر تمتد عبر استخدامات عديدة من الطهي إلى الأدوية المخدّرة، وتستكشف عالمها، من تلك التي يبلغ طولها حوالي 4 كيلومترات وتُعدُّ أكبر الكائنات الحية على كوكب الأرض، إلى تلك التي تربط النباتات معاً في شبكات معقَّدة تعرف باسم “Wood Wide Web”، وتلك التي تتسلَّل وتتحكم بأجسام الحشرات بدقة فائقة.
وفي حين تفتقر الفطريات إلى الأدمغة، إلاَّ أن بإمكانها معالجة وتبادل المعلومات المعقَّدة حول الغذاء وقابلية العيش في بيئات مختلفة بسرعة فائقة وعلى مسافات كبيرة، وهذا ما يؤثِّر على سرعة واتجاه النمو في الكائنات الأخرى بطرق غير مفهومة بعد. وكل ذلك يدفع شلدريك إلى التساؤل: “هل يمكننا اعتبار سلوك الفطريات هذا نوعاً من الذكاء؟”.
ومن خلال مناقشة كيف تتَّحد الفطريات مع الطحالب لتكوين الأشنيات تتطرَّق شلدريك إلى سؤال آخر، وهو الذي يتعلَّق بـ”أين يتوقف كائن حي ويبدأ آخر” في العلاقات التكافلية. وفي الوقت نفسه تؤكد على افتراض علماء الأنثروبولوجيا القائل إنه، من خلال عملية التخمير، قد تكون الفطريات هي التي أسهمت في أحد التحوُّلات الرئيسة للبشرية عندما انتقل البشر من أعمال الصيد إلى أعمال الزراعة.


الروائح: تاريخ ثقافي للروائح في العصور الحديثة المبكرة
Smells: A Cultural History of Odours in Early Modern Times by Robert Muchembled, translated by Susan Pickford
تأليف: روبير موشمبليد
ترجمة: سوزان بيكفورد
الناشر: 2020 ,Polity

لماذا لا تحظى حاسة الشم لدينا بالتقدير المناسب؟ فنحن نميل إلى الاعتقاد بأن معظم الروائح هي بقايا من الماضي، محكوم عليها بالانقراض التدريجي، وبأن علينا أن نذهب إلى أبعد مدى في القضاء على الروائح المنبعثة من حولنا، من روائح الجسم إلى روائح العفن وغيرها. وقد أدى بنا العيش في بيئة خالية، نسبياً من الروائح إلى إغفال أهميتها في تاريخ الإنسانية وثقافتها.
يقـول المؤلِّف روبرت موشمبليد إن الحافز على وضع هذا الكتاب هو الاكتشافات العلمية التي نشرت في عام 2014م، وأكدت أن أنوفنا قادرة على تمييز أكثر من تريليون رائحة، ما أثار اهتمامه لإعادة حاسة الشم إلى مكانها الصحيح كواحدة من أهم حواسنا، وإدخالها في سياقها الثقافي التاريخي.
يستكشف المؤلِّف كيفية تطور الروائح منذ عصر النهضة إلى أوائل القرن التاسع عشر. ويوضِّح أنه في القرون السابقة، غالباً ما كان الهواء في البلدات والمدن مشبعاً بانبعاثات مزعجة وتلوث خطير ولم يترك أمام السكان خياراً سوى رؤية الأوساخ المنتشرة واستنشاق روائحها بشكل يومي، من دون إظهار أي شعور بالاشمئزاز. وحتى عشرينيات القرن السادس عشر، كان الأدب والشعر يحتفيان بأمور وروائح نَعُدُّها اليوم بأنها مثيرة للنفور. وفي الوقت نفسه كان التفسير الطبي السائد لتفشي وباء الطاعون يقول إنه ظهر نتيجة انبعاث أنفاس الشيطان السامة التي كانت تفسد الهواء. لذلك أصبحت عطور مثل العنبر والمسك والزباد تستخدم للوقاية من المرض، حيث كان يتم وضعها على الجسم كدروع واقية للاعتقاد بأنها تساعد على إبعاد أنفاس الشيطان المؤذية. ولكن اختفاء الطاعون بعد عام 1720م وتراجع انتشار المعتقدات الخاطئة أمام سيادة العلم، أدى إلى الابتعاد عن استخدام العطور لمحاربة قوى الشر، مما مهَّد الطريق لتغيير المفاهيم المتعلِّقة بحاسة الشم في القرن الثامن عشر، عندما أصبحت العطور أكثر نعومة، ودخلت في صناعتها الزهور والفاكهة، فاندمجت بعالم الموضة لتعكس معايير جديدة للأنوثة ورؤية ألطف للطبيعة.


المباني الصحية: كيف تقود المساحات الداخلية الأداء والإنتاجية
Healthy Buildings: How Indoor Spaces Drive Performance and Productivity by Joseph G. Allen, John D. Macomber 
تأليف: جوزيف ج. ألين، جون د. ماكومبر
الناشر: 2020 ,Harvard University Press 

من مكاتب العمل إلى المنازل والمدارس والمستشفيات والمطاعم، تقود المساحات الداخلية بشكل كبير أداءنا ومستوى رفاهنا. فهي تؤثر على مجموعة كاملة من الوظائف المعرفية العليا – بما في ذلك أمور مثل التركيز والتفكير الاستراتيجي والقدرة على الإبداع واستكشاف الأخطاء وحل المشكلات واتخاذ القرارات، كما أنها تؤثِّر من الناحية الجسدية على صحتنا، مما يعرِّض مستقبلنا للخطر ويؤدي إلى انخفاض في الأرباح في مجال الأعمال.
وضع المتخصِّصان الرائدان في حركة البناء الصحي، جوزيف ألين وجون ماكومبر، هذا الكتاب الذي دمجا فيه العلوم المتطوِّرة في مجال الصحة العامة مع الدراية المالية في عالم الأعمال، ليقدِّما المعلومات الكافية التي تؤكد على حاجة كل صاحب عمل أو منزل إلى ضرورة القيام ببعض الاستثمارات منخفضة التكلفة لإدخال تعديلات معيَّنة على أي مساحة مشغولة من أجل تحقيق بيئة صحية أفضل.
يساعد هذا الكتاب في تقييم تأثير التقلبات البيئية الصغيرة التي يمكن التحكم فيها بسهولة على صحتنا العامة، وكذلك على صحتنا الإنجابية على المدى الطويل. فقد وجدت الدراسة تلو الدراسة أن أداءنا يتحسَّن بشكل كبير إذا كنا نعمل في ظروف مثالية، أي بمعدّلات عالية من التهوية، وكميات أقل من المواد الكيميائية الثابتة الضارة، ومستويات مناسبة من الرطوبة وكذلك الإضاءة، وإذا كان باستطاعنا التحكم بنسبة الضوضاء.
ويتساءل المؤلفان: ما الذي يتطلَّبه تحويل هذه المعرفة إلى عمل؟ وفي هذا الإطار يكشف الين وماكومبر عن الأسس التسعة للمباني الصحية، ويوضِّحان كيف يمكن لتتبع ما يسميانه “مؤشرات الأداء الصحي” باستخدام التكنولوجيا الذكية، أن يعزِّز أداء الشركات ويوجد قيمة اقتصادية عالية. ومن ثم يعرض المؤلفان لما يتوجب علينا القيام به في زمن ما بعد جائحة كورونا ويسهمان بإضافتهما الخاصة زيادة على ما قدَّمته حركة المباني “الخضراء” من تطوُّرات جديدة مهمة، فيضعان القرارات التي يجب اتخاذها حول المباني في إطار أوسع من التنمية والصحة، ويؤكدان على إعطاء الأولوية لأهم العناصر وأضعفها في أي مبنى: وهو العنصر البشري.


الصداقة: تطور وبيولوجيا والقوة الاستثنائية لرابط الحياة الأساسي
Friendship: The Evolution, Biology, and Extraordinary Power of Life’s Fundamental Bond by Lydia Denworth
تأليف: ليديا دينورث
الناشر: 2020 ,Bloomsbury Publishing

لا شك في أن الصداقة قيمة عالمية، كما أنَّ الأصدقاء هم، كما تقول حكمة قديمة، العائلة التي نختارها. لكن ما الذي يجعل روابط الصداقة ضرورية، إضافة إلى كونها ممتعة؟ وكيف تؤثر على صحتنا النفسية والجسدية أيضاً؟
في هذا الكتاب، تبحث المتخصِّصة في الصحافة العلمية ليديا دينورث، عن الأسس البيولوجية والنفسية والتطوّرية لروابط الصداقة. وتلتقي لهذه الغاية مجموعة من العلماء المتخصِّصين في أبحاث الدماغ وعلم الوراثة، لتكتشف أن الصداقة تنعكس في موجات الدماغ والجينوم وأنظمة القلب والأوعية الدموية والجهاز المناعي.
تشير دينورث إلى أنه لطالما اعتبرت رغبتنا في تكوين صداقات مسألة ثقافية بحتة، كما أنها من اختراع المجتمع البشري، لا سيما المجتمع البشري الحديث. لكنها أكدت أن هناك أدلة جديدة تثبت أنه في ما يتعلَّق بالصداقة، كما هو الحال في عديد من الروابط الأخرى، لا يختلف البشر اليوم عن أسلافهم البدائيين. اذ إنَّ القدرة البشرية على تكوين صداقات قديمة قِدَم البشرية نفسها، خاصة عندما نَمَت القبائل في السافانا الإفريقية بشكل كبير، مما دفع أفرادها إلى البحث عن تواصل ذي معنى مع أولئك الذين هم خارج أسرهم المباشرة. كما أن القدرة على تكوين صداقات تبدأ لحظة الولادة أي في الوقت الذي ينشط فيه العقل الاجتماعي، الذي هو عبارة عن شبكة من المناطق الدماغية المنفصلة التي تعمل معاً لتنبيهنا إلى مكاننا فيما يتعلَّق بالآخرين.
وبعد أن دافعت عن الأصول الوراثية العميقة للصداقة، انتقلت دينورث لتدحض الافتراض السائد بين بعض النُقَّاد بأن التقنيات المختلفة لوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لها أثر سلبي كبير على روابط الصداقة. ولكل مَنْ يقول إن الترابط البشري يسير في طريق انحداري تقول دينورث إن الصورة الحقيقية أقل إثارة للقلق، وبأن مقابل كل دراسة تفيد بأن هناك ارتفاعاً في نسب الشعور بالوحدة بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، هناك دراسة أخرى توضِّح أنها تجمع الناس معاً أكثر مما تفرّقهم.


مقارنة بين كتابين

حدود الابتكار

المستقبل أسرع مما تظن: كيف تعمل التقنيات المتقاربة على تحويل الأعمال والصناعات وحياتنا
تأليف: بيتر ه. ديامندس، ستيفن كوتلر
الناشر: 2020 ,Simon & Schuster
The Future Is Faster Than You Think: How Converging Technologies Are Transforming Business, Industries, and Our Lives by Peter H. Diamandis, Steven Kotler



عكس التيار: السعي لحل المشكلات قبل حدوثها
تأليف: دان هيث
الناشر: 2020 ,Avid Reader Press
Upstream: The Quest to Solve Problems Before They Happen
by Dan Heath

من الابتكارات المرتقبة: ملابس مرفقة بتاريخ رقمي لكل خيط فيها يؤكد أنه لم يتم تشغيل الأطفال في صناعتها، وسيارات طائرة تستخدم في النقل المشترك، حيث يمكن طلبها بسهولة تماماً مثل “أوبر” وصواريخ سريعة قادرة على نقل الركاب من لندن إلى دبي في 29 دقيقة. هذا بعض ما ينتظرنا في العقد المقبل وما بعده وفقاً لبيتر ديامانديس وستيفن كوتلر في كتابهما الصادر مؤخراً بعنوان “المستقبل أسرع مما تعتقد”.
تقول أطروحة الكتاب إنه عندما يتعلَّق الأمر بالاختراقات التكنولوجية فنحن ما زلنا في بداية الطريق. لقد استخدمت أمازون وغيرها من الشركات التي تبيع بالتجزئة عبر الإنترنت تقنية جديدة واحدة فقط، وهي الإنترنت، ولكن التقاء عديد من التقنيات الحديثة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، وأجهزة الاستشعار، والواقع الافتراضي، والتكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا النانو، والطباعة ثلاثية الأبعاد، يعدنا الآن باختراقات أكبر بكثير.
ويرى المؤلفان أن الوقت الذي يستغرقه تطوير الأدوية سيصبح أقصر بكثير، فبدلاً من إنشاء مختبرات رطبة واسعة لاستكشاف خصائص مئات الآلاف من المركبات في أنابيب الاختبار، سيكون باستطاعتنا القيام بكثير من هذه الاستكشافات بواسطة جهاز الكمبيوتر .
يقول هيث: إنه في كثير من الأحيان نعلق في حلقة مفرغة من ردَّات الفعل، فنعمد إلى إطفاء الحرائق ونتعامل مع حالات الطوارئ، ويلاحق رجال الشرطة المجرمين، ويعالج الأطباء المرضى، ويتعامل مندوبو مراكز الاتصال مع شكاوى العملاء، وهكذا نبقى نتخبط في المشكلات بدلاً من الذهاب إلى “المنبع” والتوجه “عكس التيار” لنحلها من جذورها. ولكن يمكننا تجنب عديد من الجرائم والأمراض المزمنة والمشكلات والشكاوى قبل حصولها.
يستكشف هذا الكتاب القوى النفسية التي تدفعنا إلى ذلك، بما فيها ما سمَّاه هيث بـ”عمى المشكلات” الذي قد يتركنا غافلين عن المشكلات الخطيرة التي نعاني منها. كما يعرِّفنا على المفكِّرين الذين استطاعوا التغلب على المشكلات وسجلوا انتصارات من خلال التحوُّل للعمل “عكس التيار”. فيخبرنا كيف تجنّب أحد مواقع السفر عبر الإنترنت تلقي أكثر من 20 مليون مكالمة سنوياً من أجل حل مشكلات مختلفة كل عام عن طريق إجراء بعض التعديلات البسيطة على نظام الحجز الخاص به، وكيف خفّضت إحدى المدارس الرئيسة معدل التسرب المدرسي إلى النصف بعد أن اكتشفت أنه يمكن التعرّف على الطلاب الذين سيتسربون منها في وقت مبكر، وكيف تمكنت أيسلندا من القضاء على تعاطي المراهقين للكحول والمخدرات من خلال تغيير ثقافة البلاد الإجمالية.
قد نجد في هذين الكتابين الإجابة عن سؤال شاع طرحه في الآونة الأخيرة، وهو: لماذا ما زلنا نتخبط في إيجاد حلول لمكافحة جائحة الكورونا مع كل هذا التقدُّم التكنولوجي الذي توصلنا إليه؟


مقالات ذات صلة

حينما وصل إلى علمي توقف مجلة “القافلة”، استشعرت أن لبنة ثقافية انهارت. فهذه المجلة أحد الأسس التي دلتني أو دفعتني إلى غواية الكتابة، كما فعلت بالكثيرين.

ثَمَّة في تاريخ الأوطان والدول والمجتمعات، محطات لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها دون التوقف عندها والاستلهام من أمجادها والامتنان لرجالاتها الذين صنعوها. إن استحضار واستذكار أحداث تاريخية لها قيمتها وطنياً، هو من الأمور المطلوبة والمحفِّزة لمزيد من الاعتزاز والفخر والانتماء لدولة تأصل تاريخها لقرون، دولة امتدت جذورها وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان […]

بات تطوير سوق العمل وتغيير معادلاته أمراً حتميّاً يتعيّن دعمه من كافة صانعي القرار، وقد كشف تقرير دولي للوظائف عن أن هناك ثماني مهن تُدرِّب عليها كليات ومعاهد تقنية دون الجامعية في السعودية، دخلت في ترتيب الوظائف الأعلى دخلاً.. فما مستقبل التخصصات التقنية والمهنية في المملكة؟ وهل هناك تلبية لحاجة السوق المحلية إليها؟ وماذا عن […]


0 تعليقات على “كتب”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *