مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
2024

فكرة

عندما تكون المدرسة متحفًا


فريق القافلة

 منذ حوالي عقدين من الزمن، عندما قرر المسؤولون في المنطقة الواقعة شمال مدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، تجديد إحدى المدارس القديمة التي بلغ عمرها حينئذٍ 84 عامًا، أرادوا استحداث مفهوم جديد للمدرسة، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون، واتفقوا على أنهم يريدونها أن توفر المتعة والتسلية إلى جانب العملية التعليمية. فتواصلوا مع القيّمين على متحف الأطفال في بيتسبرغ لتزويدهم بأفكار جديدة، فقدَّم هؤلاء توصيات بشأن التصميم وكيفية تقسيم الفصول والمظهر العام للمدرسة وحتى أفكار فيما يتعلق بأثاثها. من ثَمَّ، تحدث المسؤولون والمهندسون المعماريون والإداريون مع الأطفال للحصول على مدخلاتهم، فطلب العديد من الطلاب خوض تجارب متنوعة في الملعب حيث يمكنهم التواصل الاجتماعي ومواجهة التحديات. أمَّا بالنسبة إلى بيئة الفصول الدراسية، فقد عبّر العديد منهم عن رغبتهم في العمل مع أقرانهم في مساحات تسمح لهم بالتفاعل والتعاون فيما بينهم بطرق مبتكرة.

وبعد جهد متواصل دام أكثر من عامين، وبتكلفة وصلت إلى 63 مليون دولار أمريكي، اُفتتحت مدرسة “إيرمان كريست” في العام الدراسي 2022م – 2023م، وكانت النتيجة هي أول مدرسة في العالم مستوحاة من فكرة المتحف داخل مبنى رائع مصمم بشكل الحرف (Y)، حيث يوجد القسم الابتدائي على اليسار والمتوسط على اليمين، ويتميز باحتوائه على فرص تعليمية مدمجة حرفيًا في كل جانب من جوانب مساحته التي بلغت مائتي ألف قدم مربعة. في الداخل وبالقرب من المدخل الأمامي، توجد ساعة شمسية كبيرة تتيح للطلاب تحديد موقع الشمس عندما ينسكب الضوء عبر النوافذ، بالإضافة إلى خريطة للعالم من طابقين. كما بُنيت جدران مغناطيسية تعرض أشكالًا هندسية وصورًا ملونة للحيوانات، بالإضافة إلى قسم مكشوف من الجدران يُظهر مواد البناء والأنابيب والقنوات، ليوضح الغرض من كل طبقة بما فيها عمليتا التبريد والتدفئة. كما أن غرف المضخات الميكانيكية بالمدرسة لا توجد في غرفة مغلقة مخبأة في الطابق السفلي، ولكنها موجودة في مساحة محاطة بالزجاج بحيث تكون مرئية للجميع، وتتضمن شاشات إضاءة جانبية ورسومات تفسيرية تعرّف الطلاب بالظواهر الطبيعية، مثل: التكثيف والتبخر، بالإضافة إلى لوحة تحكم بالطاقة مثبتة على الحائط تعرض معلومات للطلاب حول استخدام الطاقة وكيفية مراقبتها. أمَّا الأرضيات الموجودة في المدرسة، فتضم أنماطًا هندسية ورقمية في الرياضيات. وهناك في قاعة المدرسة الرئيسة نوافذ صغيرة تطل على ملاعب الأطفال، التي تتميز بأضواء جميلة ومقاعد بألوان مرحة، مثل: الأخضر والليموني والأزرق الداكن. كما يسمح الجدار الزجاجي المطل على كافتيريا المدرسة الابتدائية للأطفال برؤية الطلاب الأكبر سنًا أثناء اللعب والدراسة. في الجناح الفني بالمدرسة، وهو ملجأ مخصص للطوارئ إذا لزم الأمر، تُعرض المشاريع التي أنجزها الطلاب على الحائط في مراحلها المختلفة لإظهار التقدم فيها؛ إذ كما تقول مديرة المدرسة لوري بيندريد: “نحن نسعى جاهدين للتركيز على عملية التعلّم، وليس فقط على المنتج النهائي، مما يعزز عقلية النمو والتعلّم من الأخطاء”. وللمدرسة سمة أساسية أخرى، وهي أن المعلمين يستطيعون تغيير بيئة الفصل برمّتها في غضون ثوانٍ، بفضل سهولة نقل الأثاث، مما يخلق حماسًا وروحًا متجددة لدى الأطفال. أمَّا خارج المبنى المدرسي، فيمكن للأطفال الوصول إلى حدائق أسطح للزراعة، بالإضافة إلى بعض المواقع حول الحرم المدرسي حيث يمكنهم المشاركة في أعمال البستنة. أمَّا الملاعب، فتحتوي على دراجات ودورات حبال تشجع الطلاب على التفاعل معًا أثناء اللعب.

أُدرجت هذه المدرسة على قائمة أفضل المشاريع المبتكرة لعام 2022م في مجلة “تايم” الأمريكية، باعتبارها الأولى من نوعها التي دمجت بين مفاهيم تصميم المتحف والمدرسة؛ لتخلق بيئة تعليمية غنية ترتكز على التعليم التجريبي والتعلّم عن طريق الممارسة. وقد أصبحت هذه المدرسة محط أنظار المهتمين بتطوير التعليم في العالم، وظهر ذلك من عدد الطلبات التي تلقتها إدارة المدرسة من جهات عديدة لزيارتها، من أجل إلقاء نظرة على وجهة نظر فريدة لما قد يكون عليه شكل التعليم في المستقبل.


مقالات ذات صلة

بدأت الفكرة عام 2012م، عندما كانت الصديقتان جينيفير دي لا ماري ولورا جلوهانيتش، جالستين في أحد المقاهي في مدينة سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية، تقرأ كل واحدة منهما كتابًا مختلفًا؛ إذ كانت عادتهما التنقل بين مقاهي المدينة ومطاعمها بحثًا عن ملاذ خارج البيت ومتطلبات الأعمال المنزلية المتواصلة، للهدوء والاستمتاع بالقراءة. وبينما كانتا غارقتين في […]

تهدف الاستعارة اللغوية إلى الإقناع. وهي في ذلك أجدى من التشبيه المباشر. إذ إنها تؤدي دورًا عاطفيًا يمسّ وجدان الأفراد وتصوّراتهم، وهو ما يمكّن اللغة التصويرية من أن تكون مقنعة جدًا. وهذا ما يجعل الاستعارة آلية أساسية من آليات التواصل.  وبعدما كانت الاستعارة شأنًا أدبيًا لعدة قرون من الزمن، أصبحت دراستها أقرب إلى أن تكون […]

في البيرو، وعلى ارتفاع يبلغ 2430 مترًا فوق سطح البحر، تشمخ مدينة ماتشو بيتشو شاهدةً نادرةً على التاريخ غير المحكي لإمبراطورية الإنكا. تلك الإمبراطورية العريقة الضاربة بجذورها في عمق تاريخ الساحل الغربي من قارة أمريكا الجنوبية، والتي كانت من أكبر الإمبراطوريات الأصيلة عند اكتشاف القارة الجديدة في أواخر القرن الخامس عشر. إذ تميزت حضارة الإنكا […]


رد واحد على “عندما تكون المدرسة متحفًا”

  • شكرًا جزيلا لفريق مجلة القافلة الرائع على نقل فكرة ( عندما تكون المدرسة متحفًا ) و نرجو أن نرها قريبًا في مدارسنا في المملكة العربية السعودية .
    و أعتقد ممكن أن يتحقق ذلك سريعًا بفتح مدرسة في مركز أثراء.

    تحياتي لكم
    أخوكم الأستاذ هاني الحسن
    معلم مادة العلوم في مدرسة الصالحية المتوسطة بالاحساء

    للتواصل
    0501903274


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *