مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مارس – أبريل | 2025

تحيةً إلى ربيعيِّ الروح


فريق القافلة

التقنية هي الصوت الأعلى ضجيجًا واليد الأشد بطشًا في عالمنا اليوم؛ ونحن نرى وجهها الرقمي الأبرز، الذكاء الاصطناعي، حاضرًا فاعلًا ومهيمنًا في أغلب منصات النقاش العالمية، من السياسة إلى الإعلام، مرورًا بالاقتصاد والطاقة والثقافة والرياضة وما سواهما من مجالات تستعصي على الحصر.

وليس عجيبًا مع ذلك أن ينصب قسطٌ وافر من التركيز في المنتدى السعودي للإعلام، الذي استضافته العاصمة الرياض في دورته الرابعة أواخرَ فبراير الماضي 2025م، على التقنية الرقمية محورًا تدور حوله العجلة نحو مستقبل “الإعلام في عالم يتشكَّل”.

فإلى جانب معرض “فومكس” المصاحب المخصص لاستعراض التقنيات الحديثة التي قد تصنع مستقبل الإعلام، كانت عناوين جلسات المنتدى وورش العمل تضجّ بهذا الحضور الرقمي المهيمن، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: “البودكاست في العصر الرقمي.. تحديات الخوارزميات وثورة تدفق الإنتاج”، و”مستقبل الإعلام.. سباق بين البشر والآلة”، و”كيف تشكل التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي مستقبل صناعة الأخبار”.

انطوت ثنايا النقاش في المنتدى على إبراز دور الذكاء الاصطناعي في تشكيل صناعة الإعلام، وبُحثت ضمن ذلك ضرورة مواجهة سوء استخدامه لأغراض سيئة، وكيف يمكن للمؤسسات الإعلامية أن تحافظ على ثقة الجمهور في ضوء هذه المتغيرات المتسارعة. وهذا النقاش ذو صلة وثيقة بقضية هذا العدد، التي تبحث “مستقبل الإنترنت في ظل التزييف العميق”؛ حيث تُعد ظاهرة التزييف العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي أحد أهم الأخطار التي تعرَّض لها العالم في 2024م، وفقًا لتصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي.

لقد كان برنامج الدورة الرابعة من المنتدى حافلًا، وبوسعنا أن نقول إن الصوت الإعلامي للرياض تعلو نبرته وتزداد وضوحًا وتأثيرًا، أما الهدف الذي تنشده رؤية المملكة فهو أن تكون مركزًا إعلاميًا رائدًا على المستويين الإقليمي والدولي؛ وذلك طموحٌ مشروع لوطن ينسج قصصًا تستحق أن تُروى، ويتطلع لأن يكون حاضره ومستقبله ربيعًا زاهيًا. الربيع بطبيعته هو موسمٌ حافل بالتغيرات والبدايات والولادات الجديدة، لكنه تحوّل تألفه النفس ويهفو إليه القلب وتستبشر به الأيام؛ ونحن نرجو أن بلادنا الحبيبة، مع ما تشهده من تحوّلات هائلة، مقبلةٌ على “ربيع دائم”؛ ربيعٌ تمتد مواسمه وتتفتح أزهاره، وينفح عبيره في شتى جوانب الحياة.

وبالحديث عن الربيع، يأتيك هذا العدد، عزيزي القارئ، مُعطَّرًا بنفحات الموسم السنوي الأجمل، الذي اخترنا أن نحتفي به ضمن صفحات “الملف”، رمزًا للجمال وشبابِ الزمان. وما يزيد هذا الجمال بهاءً ونُضرةً هو تزامن بشارات الموسم الربيعي مع موسم آخرَ للروح نعيشه كل عام مع أجواء شهر رمضان الكريم وعيد الفطر المبارك؛ فكأننا مع الشمس والقمر في رحلة تطوف بنا في عوالم الجمال، وكأن الأشذاء الربيعية الزاكية والنفحات الروحية المباركة تمنحنا فرصةً مُهيَّأةً تُغرينا باعتناق التغيير في كل أشكاله؛ التغيير الذي يتجاوز الشكل إلى المضمون ولا يقنع سوى بالغوص إلى الجوهر.

التغيُّر هو الثابت الوحيد في هذه الحياة كما يُقال، واعتناقنا للتغيير هو السبيل الذي يقودنا إلى الحفاظ على توازن النفس مهمّا تقلَّبت بنا الأحوال. وهذا العناق يعني أن نستثمر التغيير بوجهه الإيجابي الجميل جسرًا يؤدي بنا إلى الأفضل والأجمل في أنفسنا وفي كل ما حولنا، تمامًا كما يفعل موسم الربيع في الأرض.

الربيع في مجازه هو فكرةٌ مضادَّة لليأس، وسعيٌ دائم للحياة والجمال. وما رقصة الطبيعة من حولنا كلَّ ربيع إلا تذكيرٌ بأن أرواحنا هي أيضًا بحاجة إلى أن تنهض من سباتها وتنفض عنها رعشة البرد؛ فتسعى للتجديد الإيجابي الذي يبدأ من الداخل وينتشر في الجوار. أرواحنا نحن البشر بوسعها أن تكون “ربيعيةً”، بل بوسعها أن تكون “ربيعًا دائمًا” عصيًّا على حدود الزمن ومتمرِّدًا على دورة المواسم.

ونحن إذا تأملنا حولنا بعين البصيرة، سنجد أُناسًا تتجسَّد في أرواحهم صفة ذلك “الربيع الدائم”. فالروح ربيعية الطباع تمنح صاحبها أثرًا ربيعيًا خالدًا في عالم المعنى؛ فكأن الكلمات تتدلّى من لسانه كالثمار، وكأن الحيوية تُولد فيه ومنه مع مطلع كل يوم جديد. ابتسامة “ربيعيّ الروح” تتشبّث بمحيّاه مثلما يتشبّث اللون الأحمر بوردة رهيفة، وضحكاته الهانئة تتردّد بأصدائها في المكان مثل بُلبل صادح. وهو كذلك مفتونٌ بالجمال يخفُّ إليه مثلما تخفّ فراشةٌ إلى رائحة الزهر؛ وكأن الربيع قد تلبَّسه حقًا من رأسه إلى أخمصه.

ربيعيُّ الروح، حتى إن ابتعد عنَّا أو رحل عن عالمنا، فإنه يبقى في ذاكرتنا عصيًّا على النسيان، تُحيط بهالته طيورٌ بيضاء، ويبدو لنا في حلة موسم ربيعي حافل بكل ألوان الجمال. وهذا العدد هو تحيةٌ وارفة الظلال لكلِّ من كانت روحه “ربيعًا دائمًا”.


مقالات ذات صلة

قرأت في العدد 708 (يناير – فبراير 2025م) من مجلة القافلة مقال الكاتبة والمترجمة يارا المصري تحت عنوان “جسر حرير جديد بين العربية والصينية” يستكشف العلاقات الثقافية بين الصين والدول العربية بمناسبة انطلاق الدورة الأولى لجائزة الأمير محمد بن سلمان.  يستكشف المقال هذه العلاقات من العصور القديمة إلى الحاضر، من منظور “حركة الترجمة بين الصين […]

تؤدي أنظمة المواصلات العامة دورًا محوريًا في حياة المدن الكبرى، فهي تُسهم في تحسين جودة الحياة، وتقليل الازدحام المروري، وخفض الانبعاثات الكربونية، فضلًا عن تعزيز كفاءة التنقل اليومي للسكان. ومع التزايد المستمر في أعداد السكان في المناطق الحضرية، أصبحت وسائل النقل الجماعي الحديثة، مثل: القطارات والحافلات ووسائل النقل الذكية، عنصرًا أساسًا في تخطيط المدن المستقبلية. […]

مصطلح تعدد الأصوات يُقصد به “اللاتجانس الخطابي”، الذي يُشير إلى الاختلافات بين الشخصيات على مستوى الحوار نفسه؛ إذ كلُّ شخصية تحمل فكرًا متمايزًا وأيديولوجية مختلفة، وذات اتجاه لا يتفق مع الشخصيات الأخرى. مقومات الخطاب متعدد الأصوات يمكن أن يوجد تعدد الأصوات في جميع الأجناس الأدبية، طالما اكتملت فيها العناصر اللازمة؛ إذ يتحوَّل الصوت إلى خطاب […]


0 تعليقات على “تحيةً إلى ربيعيِّ الروح”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *