مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2019

بين الشيوخ والشباب
ما صورة المفكِّر في ذهنك؟


مرتبة المفكِّر تأتي بعد خبرة ومعرفة تراكمية عبر السنين

نورا أحمد هبة – اليمن
كاتبة وباحثة

المفكِّر رجل غاص في بحور الفكر الإنساني من ثقافة شرقية إلى ثقافة غربية، ولديه أكثر من لغة، وهو متتبع لتاريخ الفلسفة وسياقها الحضاري، ومتعمق في تاريخ الأديان والمذاهب. ومن خلال هذا المحصول المعرفي؛ يمكنه أن يكوّن رؤية عامة كاملة وشاملة، ويصبح بالتالي صاحب مشروع فكري ورؤية فكرية تؤهِّله لأن يكون مفكِّراً حقيقياً يخوض في قضايا فكرية وفلسفية وحضارية تمس الإنسان ومستقبل البشرية، وتذهب بعيداً وعميقاً في المسلمات ومناقشة هذه المسلمات لا أن يقف على السطح. ولن يبلغ المفكر هذه المرتبة إلا بعد خبرة واسعة ومعرفة تراكمية عبر السنين.


تقاليد متأصلة تمنح كبار السن كل مضامين الحكمة والمعرفة

حسام هلالي – السودان
كاتب

مثل العنصرية والطبقية والطائفية والتمييز على أساس الجنس، هنالك تمييز على أساس السن (ageism)، أي تحيُّز ضد مجموعة من الأشخاص بسبب فئتهم العمرية سواءً أكانوا كباراً أو صغاراً. وفي مجتمعاتنا العربية بالذات، تتم هذه الممارسة في المجال العام ومراكز صناعة القرار ضد الشباب. حيث ترسخت لدينا تقاليد متأصِّلة تمنح كبار السن كل مضامين الحكمة والمعرفة وما يصاحب ذلك من سلطة اجتماعية بذريعة تراكم الخبرة الحياتية وطول التجربة الإنسانية، حتى إن الشيخوخة صارت مركزاً اجتماعياً ومنصباً بحد ذاته، فيطلق على رجل الدين المسلم وحتى رجال الأعمال والأعيان لقب (الشيخ) حتى لو كان في الثلاثين!
لكنني أرى أن التمييز السلبي ضد الشباب ظاهرة إلى زوال، فنحن في منطقة يمثل فيها صغار السن أغلبية السكان حسب الإحصاءات، ومع الثورة التكنولوجية وقدرة الأصغر سناً على الاستيعاب الأسهل، لا وبإنتاج تكنولوجيا الاتصال الأحدث، صار صوت هذه الشريحة هو الأعلى، وبالتالي المهيمن على الثقافة السائدة. وهذا ما سيؤدي بالضرورة إلى تغيير صورة “المفكِّر الأشيب كبير السن”، إذا استمرت هذه الشريحة العمرية الشابة قادرة على نشر المعرفة وإنتاج الأفكار.


الفكر هو ارتباك البدايات وليس خلاصة النهايات

سعيد منتسب – المغرب
صحافي وكاتب

لا يمكن للفكر أن يكون خافتاً وضعيفاً. وتبعاً لذلك، لا يمكنه أن يكون رجلاً في آخر العمر يمشي على عكازين. الفكر يعني الاتقاد والسرعة، والتطلع إلى ما لا يوجد بعد، كما يعني يقظة الدهشة، بل ابتكار إمكانات مدهشة لإضفاء معنى عليها. وأتصور أن كل تفكير مشمولٌ بهذا المنطق، أي بتعليق الجرس في عنق الظواهر والأشياء والكلمات.
إن المفكِّر، في اعتقادي، ليس هو تلك الجثة المرفوعة بأذرع المنتصرين، يشهرونها لإرشاد الناس إلى تلك الأفكار الأخلاقية والسياسية والميتافيزيقية الرطبة التي تملأ متحف الكتب المنسية. بل هو ذلك الحطَّاب الشرير الذي يرفع فأسه ليحتطب الأفكار القديمة والثابتة (المسلمات)، منتقداً وداحضاً وساخراً ومقهقهاً. وبهذا المعنى، فإنه الإبحار في قلب عاصفة، وليس رسواً على اليابسة. ولهذا أتصور أن المفكِّر الحقيقي مجرد طفل متقد الذكاء يُعيد تشكيل الأشياء من حوله، قريباً من الحياة ومن أسئلة الحاضر، وليس ذلك الشيخ المسن الذي يصر على صلته الوطيدة بالموتى، ويصر على استظهار النور الذي انزلق من مصابيحهم ذات زمن بعيد.


المجتمع وحده ليس عائقاً أمام بروز المفكِّرين الشباب

درصاف اللموشي – تونس
صحافية

يعتقد المجتمع عادة أن من يملك الخبرة والتجربة هو صاحب الحق الأول والأخير، ويصعب منافسته، ويرفض الطموح، كما يعتقد أن لدى الشباب نوعاً من الجنون يبعدهم عن التريث والتفكير العميق والنضج أحياناً.
الأفكار الجديدة التي يحملها الشباب لا تحتاج إلى إعادة بلورة، بل إلى الدفاع عنها والتوعية بأحقيتهم في أن يكونوا كمفكرين في مراتب متقدِّمة في العمل والمجتمع، بغض النظر عن سنهم، حتى لا يضطروا إلى الهجرة خارج بلدانهم! حيث يحظون بمكانتهم الطبيعية.
إن محاربة هجرة الأدمغة لا سيما في صفوف الشباب تتم بالدرجة الأولى بترغيبهم في الاندماج بمجتمعهم، وعدم نبذهم وترهيبهم حتى لا يشعروا بالإحباط واليأس والانتكاسة. والمجتمع وحده ليس عائقاً أمام بروز المفكرين الشباب، فعلى الدولة أيضاً أن تتحمل مسؤولياتها. عندما نجد المراكز البارزة في الوزارات والندوات الفكرية والدورات التدريبية والتكريمات يستحوذ عليها في المجمل المفكرون من فئة كبار السن؛ فإننا ندرك أن الدولة لا تقف على المسافة نفسها من جميع المفكرين.


تراجع صورة الشيخ العجوز أمام الجيل الجديد

طيف الحسيكي – السعودية
طالبة جامعية في الإعلام

لا أعتقد بوجود تضادٍ بين صورة المفكِّر الشاب وصورة المفكِّر الشيخ كبير السن، فالعلاقة بينهما طردية؛ إذ إن جذور المفكّر الحقيقي تظهر في صورة فتى صغير، أو فتاة يانعة. ومن صفات المفكِّر وحاجاته أنه في حالة بحث مستمرة عن طريقة تفكير صحيحة، وعن معرفة جديدة، وهي أمور مشتركة بينه وبين غيره من الناس على اختلاف أعمارهم وتكوينهم. يقول أرسطو: “الفلسفة تتطلب ممن يعمل فيها شروطاً معينـة، منهـا عشـقٌ لاذع، وذهنٌ بارعُ، وصبر مقيم”.
والحق أن صورة المفكِّر في المجتمعات العربية تختلف وتتبدل من عصر إلى عصر. فصورته في السابق هي صورة الشيخ العجوز الذي ابيضّ شعره، وعكاّزه لا تفارقه. أما اليوم، فقد بدأت هذه الصورة في التراجع أمام ظهور جيل جديد من المفكِّرين في مجالات مختلفة، لم يتقدّم بهم العمر بعد، ورسّخوا دور المفكر في الحضارة العربية، ويبقى السؤال: كيف تغيرت صورة المفكِّر العربي عند العرب أنفسهم على مر الزمان؟!


مقالات ذات صلة

حينما وصل إلى علمي توقف مجلة “القافلة”، استشعرت أن لبنة ثقافية انهارت. فهذه المجلة أحد الأسس التي دلتني أو دفعتني إلى غواية الكتابة، كما فعلت بالكثيرين.

ثَمَّة في تاريخ الأوطان والدول والمجتمعات، محطات لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها دون التوقف عندها والاستلهام من أمجادها والامتنان لرجالاتها الذين صنعوها. إن استحضار واستذكار أحداث تاريخية لها قيمتها وطنياً، هو من الأمور المطلوبة والمحفِّزة لمزيد من الاعتزاز والفخر والانتماء لدولة تأصل تاريخها لقرون، دولة امتدت جذورها وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان […]

بات تطوير سوق العمل وتغيير معادلاته أمراً حتميّاً يتعيّن دعمه من كافة صانعي القرار، وقد كشف تقرير دولي للوظائف عن أن هناك ثماني مهن تُدرِّب عليها كليات ومعاهد تقنية دون الجامعية في السعودية، دخلت في ترتيب الوظائف الأعلى دخلاً.. فما مستقبل التخصصات التقنية والمهنية في المملكة؟ وهل هناك تلبية لحاجة السوق المحلية إليها؟ وماذا عن […]


0 تعليقات على “بين الشيوخ والشباب”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *