مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو - يونيو | 2025

بـيتر بــروك

عاشق إفريقيا

نبيل سليم علي

ثلاث سنوات مرَّت على رحيل بيتر بروك (مارس 1925م – مايو 2022م)، أحد أبرز المخرجين المسرحيين في العالم. يتميز المنهج الإخراجي لدى “بروك” بالتنوع، حيث يتعامل مع النصوص تعاملًا حرًا، كما رأينا تعامله مع نصوص شكسبير؛ أي أنه يمتلك فهمًا ووعيًا ناقدًا في تحليله للنصوص المسرحية الكلاسيكية والحديثة. اشتهر بوصفه ظاهرة فنية؛ لأن لديه الجرأة ليس في تغيير صورة العرض المسرحي فحسب، بل شكل المسرح الحديث كذلك عن طريق إلغاء الحاجز الوهمي الذي يفصل بين الممثل والجمهور.

وُلِد في لندن لأبوين روسيين هاجرا إلى فرنسا واستقرا في إنجلترا، فهو نموذج لتداخل الهويات، بالمولد. وفي حياته المسرحية لم يصبح ظاهرة فنية فريدة، إلا من خلال تهجين مسرحه بالأشكال الثقافية الشرقية والأمريكية والإفريقية على غرار أنطونان أرطو، وأريان مينوشكين، وأوجينيو باربا، وبريخت، وماييرخولد، وروتوفسكي.

وقد أولى إفريقيا اهتمامًا خاصًا؛ إذ طاف بكامل فرقته المسرحية في عام 1972م عددًا من المدن الإفريقية الصغيرة، وأخرج في تلك الرحلة أعمالًا مسرحية لا تُنسى، منها، على سبيل المثال لا الحصر، مسرحيتا “آي كي” و”مؤتمر الطيور”. كما استلهم من رحلاته الأخيرة إلى إفريقيا مسرحية “تيرنو بوكار” للكاتب المالي الراحل آمادو، والتي عُولِجت مسرحيًا بواسطة (ماري – هليني إستيتي)، وهي سيرة ذاتية لتيرنو بوكار (1875م – 1939م)، وهو معلم وحكيم صوفي، قاد دور “بوكار” في الحركة السرية الإسلامية في مالي إلى عذاب عظيم واستشهاد، وهو ما أدى إلى التأثير على قرارات بعينها في الحرب العالمية الثانية.

وفي بداية الألفية الثالثة عاد “بروك” إلى اهتمامه الإفريقي، حيث قدَّم في عام 2001م في نيويورك عرضًا مسرحيًا طويلًا مثيرًا للجدل تدور أحداثه حول حياة أحد زعماء الصوفية بجمهورية مالي في شبه الصحراء الإفريقية.

وفي مقابلة أجرتها معه الصحفية، مارجريت كرويدن، بمجلة “المسرح الأمريكي”، كان هذا الحوار الممتع الذي تحدث فيه “بروك” عن مسرحه وأعماله.

كرويدن: ألا تزال إفريقيا تعني شيئًا مهمًا لك؟

بروك: تدركين أن عالمنا يعرف القليل جدًا عن إفريقيا حتى الآن. وسؤالك ذكَّرني بأول مرة أزور فيها هذه القارة، حيث دُهشت بالتقاليد الحياتية فيها. ففي إفريقيا لم يكن يوجد معمار. وقد ذهبت يومئذٍ لمقابلة أحد الملوك في “قصره” ، فوجدته يسكن كوخًا من الطين، وبابه منخفض مما يضطرك إلى الانحناء للدخول منه، فيما بعد أدركت أن المعمار في إفريقيا ليس الأسلوب الأهم للتعبير عن الثقافة.

منذ وقت بعيد، أحترم الأفارقة بسبب قوتهم البدنية وأصواتهم وفرق الغناء لديهم والموسيقى الإيقاعية عندهم، لكن الحقيقة أنه كان في إفريقيا حضارة عظيمة وفريدة منذ القدم تعتمد على أمور غير مرئية وغير ملموسة، وأعني العلاقات الأسرية في إطار العشيرة، وأبناء العمومة، والعم الأكبر، والقس، وما إلى ذلك. وهذه أشياء معقدة ترتبط بالنظام الطبيعي، وبالظلمة والنور والأرض. ولأنها أشياء غير مرئية فلا أحد يحترمها.


مقالات ذات صلة

حول العادات الرمضانية، وفرص تجمع العائلة، وتباين الآراء حول الاجتماع على مشاهدة التلفاز خلال هذا الموسم، توجهنا إلى عدد من قرَّاء “القافلة” حول تفضيلاتهم.

قبل عشرين عامًا، وقبل أن أبدأ مشاركاتي في مجلة القافلة، كنت قارئًا شغوفًا بها. لا أتذكر، على وجه التحديد، بداية علاقتي بالمجلة، وهذا في حدِّ ذاته دليل على عراقتها وتغلغلها في الوعي الجمعي لجيلٍ بأكمله.

الارتباط بين كلمتي “صحافة” و “مصداقية” هو ارتباط أزلي وقديم بقِدم الصحافة نفسها، ويمكن القول إنه لا توجد كلمة أكثر ترددًا والتصاقًا بكلمة “صحافة” من هذه الكلمة، وذلك لدرجة نوشك معها أن نقول إنه لا صحافة حقيقية من دون مصداقية. ولو قُدِّر لأي وسيلة إعلام أن تختار لنفسها صفةً وسِمةً تُعْرَف بها، لما اختارت غير صفة المصداقية. 


0 تعليقات على “بـيتر بــروك”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *