مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يناير – فبراير | 2025

الهواتف الذكية

أخطر على الأطفال مما كان يُظن

د. محمد سناجلة
مؤسس اتحاد كتاب الإنترنت العرب

في كتابه الجديد “الجيل القلق” (2024م)، يدعو عالم النفس الاجتماعي، جوناثان هايدت، إلى ثورة في كيفية تعامل الآباء مع الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة إلى أبنائهم وأطفالهم. وبعبارة بسيطة، يكتب هايدت أنه ينبغي للأطفال أن يحظوا بقدر ضئيل من الوصول إلى أي منهما، أو لا ينبغي أن يحصلوا عليه على الإطلاق، حتى يبلغوا السادسة عشرة من العمر.

والسبب وراء دعوة هايدت هذه أن الدراسات والأبحاث العلمية تشير إلى أن كثيرًا من الأطفال والمراهقين يعانون بالفعل الاكتئاب والقلق والتوحُّد بسبب الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي. 

وفي تقرير صدر خلال العام الماضي، أعربت “الجمعية الأمريكية لعلم النفس” عن قلقها من الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، بسبب تصميماتها “غير الآمنة بطبيعتها للأطفال”. ويقول التقرير “إن الأطفال لا يتمتعون بالخبرة والحكمة وضبط النفس لإدارة أنفسهم على هذه المنصات”. وتقول الجمعية إن العبء لا ينبغي أن يقع بالكامل على عاتق الآباء أو متاجر التطبيقات أو الشباب، بل يجب أن يقع على عاتق مطوّري المنصة. 

ولكن، ربَّما لا يستطيع الآباء الاعتماد على المطوّرين، وهذا ما يقودنا إلى الاستنتاج المذهل الذي توصل إليه هايدت: “نحن عند نقطة تحوُّل كمجتمع، وإذا لم يتخذ الكبار القرار، فإنهم قد يعرضون الصحة العقلية لجميع الأطفال للخطر إلى أجل غير مُسمَّى”. 

من اضطراب النوم إلى الصحة العقلية 

ويشير مركز كونواي الطبي الأميركي إلى أن هناك آثارًا صحية وعقلية كثيرة للهواتف الذكية على صحة الأطفال ونموهم السليم، ومن أبرزها: اضطراب النوم، وانخفاض النشاط البدني، والعزلة الاجتماعية، والتنمر الإلكتروني، وتضرر العقلية. 

وفي هذا السياق، أظهرت الأبحاث الصادرة عن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (2023م) أن استخدام الهواتف الذكية قبل النوم يمكن أن يُعطّل أنماط النوم لدى الأطفال. إذ يتداخل الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات مع إنتاج الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم النوم. وعندما لا يحصل الأطفال على قسط كافٍ من النوم، فإنهم يصبحون أكثر تقلبًا في المزاج، ويصبح التركيز أصعب، ويؤثر ذلك في أدائهم في المدرسة. كما يؤدي الالتصاق بالشاشات إلى نمط حياة خامل. ويرتبط هذا الافتقار إلى النشاط البدني بزيادة خطر الإصابة بالسمنة والمشكلات الصحية المرتبطة بها، ويتسبب في آلام في الكتفين والظهر والرقبة. 

ثم إن الإفراط في استخدام الشاشات يُعيق التفاعلات الاجتماعية وجهًا لوجه، التي تعدُّ ضرورية لتنمية مهارات التواصل والتفاعل الشخصي. وهذا ما قد يدفع الطفل إلى اختيار عزل نفسه عن الأصدقاء والعائلة، وهو ما يُضعف مهاراته الاجتماعية. 

وأكدت أبحاث الأكاديمية، المذكورة آنفًا، أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى تعريض الأطفال لخطر التنمر الإلكتروني، وهو ما يُسهم في الإصابة بالقلق والاكتئاب وانخفاض احترام الذات.  

وفيما يتعلق بصحة الشباب، توصلت دراسة أجرتها شركة “سابين لابز” (Sapien Labs) في 15 مايو 2023م، إلى أنهم يعانون نتائج أسوأ فيما يتعلق بالصحة العقلية كلما حصلوا على هاتف ذكي في وقت مبكر من طفولتهم. 

ويُوصي المتخصص بطب الأطفال والحاصل على عدة جوائز طبية عالمية، الدكتور محمد عطا رحال، بعدم استخدام الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين لهذه الأجهزة. أمَّا الأطفال الأكبر، فيُستحسن ألا يتجاوز وقت استخدامهم للهواتف والأجهزة الإلكترونية ساعة كل يوم. وينصح باعتماد ما يعرف بقاعدة “20-20-20″، ويشرح ذلك بالقول: “كل 20 دقيقة، توقف مدة 20 ثانية، وانظر إلى مسافة 20 قدمًا”. 

واقع الحال في المملكة 

وأشارت إحصائية أجرتها شركة “نورتون” الأمريكية المتخصصة، عن انتشار الهواتف الذكية بين الأطفال في عدة دول أوروبية وشرق أوسطية من بينها المملكة، إلى أن الطفل السعودي هو من بين الأصغر سنًا ممن يحصلون على هاتف ذكي، كما جاء في موقع “عالم التقنية” (نوفمبر 2018م). 

كما جاء في إحصائية حديثة أوردها “منتدى الأسرة السعودية” في جلسة عقدها في الرياض في 14 ديسمبر 2024م، أن الطفل السعودي يستخدم الهاتف الذكي بمعدل 4 ساعات يوميًا، بينما يستخدم %91 من الأسر الهاتف الذكي، وهو ما جعل الأهل يشعرون بالعزلة أحيانًا. ودعا إلى رفع الوعي لدى المجتمع، ومؤسسات الدولة بأهمية استدراك آثار التقنية على الأسرة، وآليات استثمارها بما يخدم وحدة الأسرة ودورها الأساسي في التنمية. 

صحيح أن طفولتنا تشكّلت في الشوارع والملاعب والحارات ونحن نلعب مع أقراننا، ونمَونا وكبرنا بشكل طبيعي بعيدًا عن الإنترنت والهواتف الذكية، ولكن الزمن لن يعود للخلف. فنحن نعيش الآن في زمن الثورة الصناعية الرابعة، وأصبحت الهواتف الذكية جزءًا أساسيًا من واقعنا كبارًا وصغارًا. غير أنه لا يمكننا أن نغامر بمستقبل أطفالنا الذي هو مستقبل الأمة والعالم. ولهذا، علينا أن نضع حدودًا، ومن أهم الحدود عدم منح الهواتف الذكية لأطفالنا قبل سن الرابعة عشرة على أقل تقدير، كما يوصي كثير من الدراسات ذكرها موقع (Research.com) في 14 أكتوبر 2024م. وكما فعل بيل غيتس، الذي لم يسمح لأطفاله بامتلاك هاتف ذكي قبل بلوغهم سن الرابعة عشرة، وتحديد ساعات معينة لهم للعب بهواتفهم، ومراقبة ما يفعلونه بهذه الهواتف، وإلا فإننا سنجد أنفسنا قد فقدنا السيطرة لا على أطفالنا فحسب، بل على مستقبلنا كله. 


مقالات ذات صلة

“بالنسبة إلى مخلوقات صغيرة مثلنا، لا يمكن تحمُّل هذا الاتساع الهائل للكون إلا من خلال الحب”.

قطعت الهندسة المعمـارية شوطًا كبيرًا خلال القرن الماضي في مجال استنباط حلول نجحت في تخفيض الخسائر الناتجة من بعض الكوارث الطبيعية.

بات استكشاف تفاعل ميكروبيوم البيئة المبنية مع الميكروبيوم البشري والصحة أمرًا حيويًا بشكل متزايد.


0 تعليقات على “الهواتف الذكية أخطر على الأطفال مما كان يُظن ”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *