على الرغم من توفر النفط الخام التقليدي في كثير من الأماكن في العالم، واكتشاف مزيد من الاحتياطيات من هذا الخام، وتحسن عمليات استخراج النفط من باطن الأرض، إلا أن النفط غير التقليدي يكتسب أهمية كبيرة لكونه أحد الاحتياطيات المؤكدة من الطاقة في المستقبل، كما أنه يتوزع في كثير من الأماكن في العالم، ومن أهم أنواعه النفط الثقيل، والثقيل جداً، والزيت الصخري، وزيت رمال القار.
تشير الدراسات التي أجرتها هيئة المسوحات الجيولوجية الأمريكية إلى أن إجمالي احتياطيات النفط الخام الثقيل والثقيل جداً المؤكدة والقابلة للاستخلاص في العالــم تقدَّر بنحـــــو 434 بليونــاً موزعــة على النحو التالي:
نشأة النفط الثقيل وخصائصه
على النقيض من النفط الخفيف، فإن استخراج النفط الثقيل والثقيل جداً مكلِّف. إذ يتطلَّب استثمارات مالية كبيرة في استخراجه ونقله ومعالجته وتكريره. كذلك فإن تكريره في مصافي النفط صعب جداً، نظراً للزوجته العالية ومحتواه المرتفع من الأسفلتينات، وارتفاع نسبة بعض المعادن الثقيلة والشوائب فيه، كالكبريت والفناديوم والنيتروجين.
نشأ النفط الخام من مواد عضوية تشكَّلت من مخلفات كائنات حية، حيث تعرَّضت هذه المواد إلى ضغط وحرارة مرتفعين، وبفعل النشاط البكتيري تشكّلت السوائل البترولية عبر ملايين السنوات، وقد انتقلت هذه السوائل من خلال الطبقات الرسوبية لتتجمع في مصائد في باطن الأرض.
أما النفط الثقيل والثقيل جداً، فيعتقد الباحثون أنه قد تشكَّل بسبب التحلل الحيوي للنفط التقليدي. فعند توفر درجة حرارة تُراوح ما بين 65 – 80 درجة مئوية، تنشط بعض أنواع البكتيريا المحللة للنفط الخفيف، وتشكِّل نفطاً ثقيلاً جداً يتواجد على أعماق قريبة من سطح الأرض لا تتجاوز مئات قليلة من الأمتار، ويكون هذا النفط لزجاً جداً، وفي بعض الأحيان صلباً وغير قابل للجريان.
كذلك فإن عمليات استخراج النفط التقليدي من الآبار ينجم عنها متبقيات من النفط، فتحت أفضل الظروف التشغيلية لاستخراج النفط يبقى أكثر من خمسين بالمائة من النفط في مناطق المكامن وبين الصخور في باطن الأرض بعضها على شكل نفط ثقيل.
ويصنف معهد البترول الأمريكي النفط حسب كثافته إلى عدة أنواع هي:
النفط الخفيف: درجة كثافته حسب API أكثر من 31.1O وتكون كثافته النوعية أقل من 0.87.
النفط المتوسط: درجة كثافته API بين 22.3O إلى 31.1O وتكون كثافته النوعية بين 0.87 – 0.92.
النفط الثقيل: درجة كثافته API أقل من 22.3O وتكون كثافته النوعية أعلى من 0.92 ويتميز بلزوجته العالية وهي أعلى من 10 سنتي بواز.
كما يصنَّف النفط الثقيل حسب درجة كثافته API إلى نفط ثقيل درجة كثافته بين 22.3O إلى 10O، ونفط ثقيل جداً درجة كثافته أقل من 10O.
وعلى النقيض من النفط الخفيف، فإن استخراج النفط الثقيل جداً مكلِّف إلَّا أن تكلفته أقل من تكلفة استخراج النفط الثقيل جداً، إذ يتطلَّب استثمارات مالية كبيرة في استخراجه ونقله ومعالجته وتكريره. كذلك فإن تكريره في مصافي النفط صعب جداً، نظراً للزوجته العالية ومحتواه المرتفع من الأسفلتينات، وارتفاع نسبة بعض المعادن الثقيلة والشوائب فيه، كالكبريت والفناديوم والنيتروجين، بالإضافة إلى أضراره البيئية الخطرة، وهذا يتطلَّب حلولاً تقنية خاصة لاستثمار هذا الخام الطبيعي المهم لاستخلاص المشتقات النفطية منه.
استخراج النفط الثقيل
يختلف إنتاج النفط التقليدي عن إنتاج النفط الثقيل، إذ يستلزم هذا الأخير استخدام طرق خاصة لتعزيز الإنتاجية، كحقن البخار والمعالجة الحرارية والكيميائية وغيرها من الطرق التي أثبتت قدرتها على استخراج هذا النوع من النفط.
ولزيادة معدلات استخراج هذا الخام من الآبار وتحسين الإنتاجية، يتم اللجوء إلى حفر الآبار الأفقية التي تتفرَّع من الآبار العمودية، حيث تصل الآبار الأفقية إلى طبقات المخزون النفطي الثقيل، كما تُتبع طريقة الإنتاج البارد للنفط الثقيل بالرمل، حيث يتم ضخ السوائل في فوهة البئر المخلوطة بالرمل من أجل زيادة النفاذية للطبقات المحتوية على النفط الثقيل ولمنع ترسب الإسفلت وغلق الثقوب مما يسمح للنفط بالتدفق.
تقنيات خاصة لتعزيز الإنتاجية
1 – المعالجات الحرارية
يتطلَّب استخراج النفط الثقيل، استخدام تقنيات خاصة، تعرف بعمليات الاستخلاص البترولي المعزّز. وقد استخدمت بعض تلك التقنيات منذ ستينيات القرن الماضي. ففي حقل “كيرن ريفر” النفطي، استخدمت طريقة التسخين بالبخار لإجبار النفط على التحرك. كما استخدمت هذه الطريقة في حقل “ألبيرتا” الكندي الغني بالرمل القطراني، وحزام “أورينوكو” في فنزويلا وبعض حقول النفط الثقيل في الشرق الأوسط.
يعتقد الباحثون أن النفط الثقيل جداً قد تشكل بسبب التحلل الحيوي للنفط التقليدي، فعند توفر درجة الحرارة المناسبة التي تُراوح ما بين 65 و80 درجة مئوية، تنشط بعض أنواع البكتيريا المحللة للنفط الخفيف، وتشكل نفطاً ثقيلاً
وتعتمد هذه الطريقة على تسخين بعض السوائل كالماء أو بعض المذيبات الهيدروكربونية، وضخ بخارها في البئر، وفي العادة يتم تخصيص بئر لحقن البخار الساخن بشكل مستمر، ومن بئر أخرى يتم استخراج الزيت الذي تم استخلاصه من النفط الثقيل. كما يمكن أن يتم ضخ البخار بشكل متقطع في البئر نفسه، ثم التوقف لاستخراج الزيت. وتكرَّر هذه العملية بشكل دوري، إلا أن من سلبياتها ضياع الحرارة داخل الطبقات الصخرية بسبب التوقف المتكرر عن ضخ البخار الساخن في البئر.
وفي العادة، يتم إنتاج البخار عن طريق تسخين المياه بواسطة وقود الديزل أو الغاز الطبيعي. إلا أن الأنظار تتجه الآن نحو استخدام الطاقة الشمسية لإنتاج البخار الذي سوف يستخدم لتعزيز إنتاجية النفط الثقيل. إذ إن توليد البخار بالطرق التقليدية يستهلك نسبة كبيرة من تكلفة الإنتاج. وقد استخدمت الطاقة الشمسية لأول مرة في إنتاج البخار لاستخلاص النفط الثقيل في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، حيث بلغت تكلفة توليد البخار للمشروع 2.8 دولار لكل مليون قدم مكعب من الماء. ويؤكد المهتمون بهذه التقنية أن استخدام الطاقة الشمسية لإنتاج البخار سيكون ذا أهمية كبيرة في منطقة الخليج العربي التي تحتوي على كميات كبيرة من النفط الثقيل كما تتميَّز بفترات سطوع شمسية طويلة في معظم أيام السنة، ويتوقَّع أن تبلغ التكلفة 2 دولار لكل مليون قدم مكعبة من الماء.
وهناك أيضاً طريقة الحرق في المكامن، وهي من أهم الطرق المتبعة لاستخراج النفط الثقيل. ففي هذه الطريقة، يتم ضخ الهواء في البئر وإشعال النيران فيه بحرق بعض الهيدروكربونات الموجودة في داخله. فتتولد حرارة عالية وغاز ثاني أكسيد الكربون اللذان يعملان على خفض لزوجة النفط الثقيل العالية. ويساعد الغاز الكربوني على دفع النفط للخروج من الطبقات الصخرية الموجود فيها، كما تعمل الحرارة على تفكيك المركبات الهيدروكربونية الثقيلة، مما ينجم عنه تحريك النفط لتمكينه من الخروج. ويمكن التحكم في عملية الحرق من خلال التحكم بكميات الهواء التي يتم ضخها داخل البئر، مع ضرورة منع انطلاق الغازات الملوثة من داخل البئر نحو البيئة المحيطة.
2 – حقن ثاني أكسيد الكربون
استخدمت طريقة حقن غاز ثاني أكسيد الكربون لتنشيط الإنتاج من آبار النفط الثقيل منذ سبعينيات القرن الماضي. حيث تمت الاستفادة من غازات البراكين أو من الغازات الملوثة للبيئة المنبعثة من محطات توليد الطاقة الكهربائية. وتستخدم حالياً هذه الطريقة في عدد كبير من مشروعات استخراج النفط في العالم. وتكمن أهميتها في أن غاز ثاني أكسيد الكربون شديد الانحلال والامتزاج في النفط، وبالتالي يقلل من لزوجة النفط الثقيل العالية، مما يعزِّز إنتاجية الزيت بشكل كبير.
وتكتسب هذه الطريقة أهمية خاصة لكونها تساعد على خفض تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. فبدلاً من السماح للغاز الكربوني المنطلق من محطات توليد الطاقة، الذي يُقدّر بملايين الأطنان، من الوصول إلى الغلاف الجوي، تتم الاستفادة منه عن طريق حجزه وتخزينه في حقول النفط الثقيل، مما يسهم في تقليل تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي. وقد طُبّق أول مشروع تجاري عالمي لحجز الكربون وتخزينه في عام 1996م في حقل “سليينر” مقابل سواحل النرويج. ويتم حالياً تخزين ملايين الأطنان من هذا الغاز سنوياً.
3 – الإنتاج بالطرق الكيميائية
على الرغم من أهمية تعزيز إنتاج الزيت من النفط الثقيل بالطرق الحرارية، إلا أن تكلفتها العالية واستهلاكها لمقادير كبيرة من الطاقة، شجعت الباحثين على تطوير طريقة تعزِّز الإنتاجية باستخدام بعض المذيبات الهيدروكربونية الخفيفة. فهذه المذيبات تمتزج مع النفط وتجعله أقل لزوجة، مما يؤدي إلى تدفقه نحو البئر لاستخراجه، كما تستخدم بعض المواد الكيميائية لتحرير الزيت بطريقة تشبه مبدأ عمل الصابون في إزالة الشحوم عن الأيدي مثلاً، وقد استخدمت هذه المواد منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي في حقل “داكينك” النفطي في الصين، وقد عزَّزت الإنتاجية بالفعل بنسبة عشرة بالمئة.
4 – ميكروبات تحرر النفط
على الرغم من أهمية النفط الثقيل ووجود احتياطات ضخمة منه في الأرض، إلا أن استخراجه من باطن الأرض والمعالجات الفيزيائية والكيميائية اللازمة لاستخراج المشتقات النفطية منه، قد تكون ذات انعكاسات بيئية تتطلّب اتخاذ تدابير وقائية على درجة عالية من الأهمية.
تكتسب الطرق البيولوجية لتعزيز إنتاج النفط أهمية متزايدة. فقد أثبتت بعض أنواع البكتيريا قدرتها العالية على تحسين قوام زيت البترول الثقيل وتخفيف لزوجته، لتسهيل تدفقه داخل الآبار مما يساعد على زيادة معدل استخراجه بشكل كبير.
وقد ساعدت تقنيات تحسين كفاءة استخراج النفط باستخدام الأنشطة الميكروبية على استخلاص كميات كبيرة من النفط من الآبار المهجورة، أو تلك التي تحتوي على نفط ثقيل جداً. وهي تعتمد على استخدام بعض أنواع البكتيريا الموجودة في الأوحال النفطية المترسِّبة في المكامن النفطية، حيث يتم تشجيع نموها وعزل السلالات البكتيرية القادرة على تحسين استخراج النفط، من خلال عملها على تقليل لزوجته.
وفي هذه الطريقة يتم حقن البكتيريا مع محاليل التغذية اللازمة لنموها وتكاثرها مع ماء الحقن في داخل البئر، ويقفل بئر النفط لعدة أسابيع، حيث تنمو البكتيريا وتفرز بعض الأحماض العضوية والغازات والتي تختلط مع النفط الثقيل وتقلل لزوجته، مما يسهل تحرك الخام من المسامات الصخرية، وبعد ذلك يتم ضخ الزيت من البئر ونقله إلى مصافي التكرير.
نقل النفط الثقيل
تُعدّ عملية نقل النفط الثقيل بالأنابيب صعبة، نظراً للزوجته العالية ومقاومته للجريان. وقد استخدمت عدة تقنيات للتغلب على هذه المصاعب، ومن أهمها المعالجة الحرارية التي تقتضي برفع درجة حرارة هذا الخام لتسهيل تدفقه في الأنابيب، الأمر الذي يتطلَّب توفير عدة محطات للتسخين والضخ، لتعويض الفاقد الحراري أثناء عملية النقل. وفي الواقع، فإن هذه التقنية مكلفة، كما تتسبب في زيادة معدل تآكل الجدران الداخلية للأنابيب.
كذلك استخدمت طريقة مزج النفط الثقيل مع مواد هيدروكربونية خفيفة، وبنسب قد تصل إلى %30 حسب درجة لزوجة النفط الثقيل. وتتميز هذه الطريقة بسهولتها وفعاليتها العالية. إلَّا أنها تتطلَّب توفير كميات كبيرة من المشتقات النفطية الخفيفة التي يتم توفيرها من بعض مصافي التكرير القريبة من موقع استخراج النفط الثقيل. وقد اقترح إنشاء خطوط أنابيب خاصة لنقل المواد الهيدروكربونية الخفيفة كالنفثا والكيروسين والنفط الخام الخفيف إلى آبار استخراج النفط الثقيل، على أن يتم إعادة تدوير تلك السوائل لاستخدامها من جديد.
وهناك أيضاً تقنية الاستحلاب بالماء (Emulsion)، التي يتم فيها مزج خام النفط الثقيل مع الماء بنسبة %70 نفط و%30 ماء، وإضافة مواد كيميائية خاصة رابطة للتوتر السطحي بنسب تُراوح بين 500 و2000 جزء بالمليون وهذا يعادل 0.05 – %0.2. كما أن هناك طرقاً أخرى، كتعديل الجريان في الأنابيب من خلال تخفيف الاحتكاك بين النفط الثقيل والسطح الداخلي للأنابيب، وكذلك معالجة الخام الثقيل بالهيدروجين لتخفيف لزوجته العالية.
معالجة النفط الثقيل
تتطلَّب اللزوجة العالية للنفط الخام الثقيل معالجته كيميائياً لتحسين خصائصه، كالمعالجة بالهيدروجين لتحسين لزوجته. ويتعذَّر على مصافي النفط التقليدية تكريره بشكل مباشر على غرار النفط الخفيف.
وتواجه مصافي النفط مشكلة عند تكريرها للنفط الثقيل تتمثل في أن مكونات هذا النفط تختلف عن متطلبات المشتقات النفطية في الأسواق العالمية، مما يستلزم إجراء معالجات كيميائية خاصة، كالفصل الفيزيائي للمواد الثقيلة كالأسفلتينات ويتم أيضاً تحويل القطفات الثقيلة إلى مكونات خفيفة، باستخدام التكسير الحراري واستخدام عامل محفّز. ثم تجري عملية التقطير التجزيئي للحصول على المشتقات النفطية المختلفة.
محاذير تدرؤها التقنيات الحديثة
على الرغم من أهمية النفط الثقيل والثقيل جداً ووجود احتياطيات ضخمة منه في الأرض، إلا أن استخراجه من باطن الأرض والمعالجات الفيزيائية والكيميائية اللازمة لاستخراج المشتقات النفطية منه، قد تكون ذات انعكاسات بيئية تتطلَّب اتخاذ تدابير وقائية على درجة عالية من الأهمية.
فعند تحرير هذا النفط من الآبار يستلزم اتباع التقنيات الخاصة بتعزيز الإنتاجية، كالمعالجة الحرارية باستخدام البخار. وكذلك كميات ضخمة من المياه يجب إعادة تدويرها لتخليصها من الشوائب والمخلفات النفطية الموجودة فيها قبل طرحها في البيئة.
والتقنيات التي باتت متوافرة والضوابط القانونية والذاتية باتت تمكِّن المنتجين من درء كل هذه المحاذير.
فقد أسهمت التكنولوجيا الحديثة والمتقدِّمة في تذليل كثير من الصعوبات التي تعترض طريق هذا المصدر المهم والواعد للطاقة، بدءاً من عمليات استخراجه ونقله، وانتهاءً بتكريره لتحويله من نفط ثقيل غير مستغل إلى منتجات ذات قيمة عالية تسهم في دفع عجلة التقدم والتنمية في المستقبل.
اترك تعليقاً