مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو - يونيو | 2025

الانتباه

المورد البشري المهدَّد بالضياع

فريق القافلة

1 نداء صافرات الإنذار

كيف أصبح الانتباه أكثر موارد العالم المهددة بالانقراض
The Sirens’ Call: How Attention Became the World’s Most Endangered Resource by Chris Hayes
تأليف: كريس هايز
الناشر: 2025م، Penguin Press

2 الازدهار الخارق
كيف تفرقنا تكنولوجيا الاتصال؟
Superbloom: How Technologies of Connection Tear
Us Apart by Nicholas Carr
تأليف: نيكولاس كار
الناشر: 2025م، W. W. Norton & Company

في الخامس عشر من شهر أبريل 1912م، بعد وقت قصير من اصطدام سفينة تيتانيك بجبل جليدي قبالة سواحل جزيرة نيوفندلاند الكندية، أصدر مشغل الراديو في السفينة نداء استغاثة، وكانت تلك ميزة مثيرة من مزايا الراديو الذي كان تكنولوجيا حديثة آنذاك. ولكن الافتقار إلى التنظيم في الولايات المتحدة الأمريكية كان السبب في أن تؤدي سلسلة من رسائل الراديو للهواة من مصادر مختلفة، إلى انسداد موجات الأثير، فواجهت عمليات الإرسال الرسمية صعوبة بالغة في التقاط النداء الذي أطلقه مشغل الراديو في السفينة، جاك فيليبس. فكان ذلك شكلًا من أشكال الإفراط في المعلومات في أوائل القرن العشرين، كما ذكر الكاتب الأمريكي نيكولاس كار في كتابه الصادر حديثًا “الازدهار الخارق”، الذي كتب في هذا الصدد قائلًا: “لقد أدت فوضى المعلومات إلى الارتباك بين رجال الإنقاذ المحتملين، فنتج عن ذلك موت 1500 شخص”.

تزامنًا مع صدور كتاب “الازدهار الخارق” صدر كتاب “نداء صافرات الإنذار” لمذيع قناة “إم إس إن بي سي” التلفزيونية الإخبارية كريس هايز، الذي يتتبع فيه كيف حققت شركات التكنولوجيا الكبرى أرباحًا هائلة.

في حين يتعمق كلا المؤلفين في العلاقة المعقدة بين التكنولوجيا والانتباه البشري، فإنهما يقومان بذلك من وجهات نظر مختلفة. يتناول كريس هايز، في كتابه “نداء صافرات الإنذار” موضوع الانتباه بمزيج من الإلحاح والاستقصاء الفلسفي، فيقدم تفحصًا شاملًا لكيفية تطور النظام الحديث للمعلومات إلى ما يشبه ساحة المعركة للفوز في انتباهنا، ويشير إلى أن قدرتنا على الانتباه قد تحولت إلى سلعة، فصُممت “صافرات الإنذار”، أو المشتتات،  التي باتت تنطلق في غرف نومنا ومطابخنا وأماكن عملنا في ساعات النهار والليل، تنفيذًا لأوامر إمبراطوريات ضخمة، وأكبر الشركات في العالم، التي بنيت على أساس استرعاء الاهتمام البشري. وكما كتب هايز، “لقد أصبحت هياكلنا العصبية، وإرثنا التطوري البشري، ودوافعنا الاجتماعية في بيئة مصممة للافتراس، أو التشويه، أو تدمير ما يجعلنا بشرًا في الأساس”.

في المقابل، يتناول كتاب “الازدهار الفائق” وجهة نظر أوسع، فيقوم “نيكولاس كار” باستكشاف كيف أدت التقنيات المصممة في الأساس لربطنا وتواصلنا بشكل أفضل، إلى انفصالنا وتفريقنا بدلًا من ذلك. يقول “كار” إنه منذ اختراع التلغراف والهاتف في القرن التاسع عشر إلى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في أيامنا هذه، رحب الجمهور بأنظمة الاتصال الجديدة بحيث كان الافتراض أنه كلما اكتسب الناس المزيد من القوة لمشاركة المعلومات، أدى ذلك إلى ازدهارهم. لكن “كار” يروي قصة مختلفة، ويعيد توجيه المحادثة حول الاتصالات الحديثة، متحديًا بعض معتقداتنا الراسخة حول التعبير عن الذات، وحرية التعبير، وديمقراطية وسائل الإعلام، ويكشف كيف تجرد تطبيقات المراسلة، الدلالات الدقيقة من أي محادثة، وكيف يؤدي “الازدحام الرقمي” إلى تآكل التعاطف ويثير العدوانية، وكيف تحد المناقشات السياسية عبر الإنترنت من تفكيرنا وتشوه تصوراتنا، وكيف تعمل التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي إلى طمس الخط الضبابي القائم أصلًا بين الخيال والواقع. يؤدي كل ذلك إلى مشهد تكون  فيه التفاعلات عبر الإنترنت سطحية، في الغالب، وتتحول إلى مجرد معاملات، حيث يتم جذب الانتباه وتحويله إلى أموال من قبل شركات التكنولوجيا.

وبينما يبين “كار” كيف خذلتنا شركات التكنولوجيا وأدوات الاتصال التي نستخدمها، فإنه يرغمنا على مواجهة حقائق غير مريحة حول طبيعتنا، فقد تبين أن النفس البشرية غير ملائمة تمامًا لـ”الازدهار الفائق” للمعلومات الذي أطلقته التكنولوجيا. فالحجم الهائل من المعلومات المتاحة اليوم يمكن أن يؤدي إلى زيادة العبء المعرفي، حيث يواجه الأشخاص صعوبة في معالجة البيانات والتمييز بين تلك ذات الصلة وبين الضوضاء التي لا معنى لها، كما أنه غالبًا ما تطمس التكنولوجيا الخطوط الفاصلة بين الواقع والمحاكاة، وهو ما يدفع الناس إلى تكوين روابط عاطفية مع الآلات أو الكيانات الافتراضية، وفوق كل ذلك يمكن للازدهار الفائق في المعلومات أن يجعلنا نعاني أزمة هوية بحيث إنه مع تقدم التكنولوجيا، يضطر البشر إلى إعادة تعريف ما يجعلهم مميزين مقارنة بالآلات، ومع تزايد قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة المشاعر البشرية، أو حتى تجاوز الذكاء البشري في مهام معينة (مثل الشطرنج)، يضطر الناس إلى التساؤل عما إذا كانت المشاعر وحدها هي التي تحدد الإنسانية.

وأخيرًا، يقدم كل من هايز وكار تحذيرين مختلفين للموقف الذي نجد أنفسنا فيه، مشتتين، ومثقلين، ومنعزلين، فيختتم كل منهما كتابه بتقديم حلول للخروج من هذا الموقف المقلق. يتساءل هايز عما إذا كان بوسعنا حماية انتباهنا بنفس الطريقة التي يعتني بها كثيرون بتغذيتهم، فيختارون المنتجات العضوية ويقصدون أسواق المزارعين ومتاجر الأطعمة الكاملة، بدلًا من الخيارات السائدة “فائقة المعالجة”، بينما يحثنا “كار” على “العيش وفقًا لرموز تشفيرية نقوم بصياغتها نحن بدلًا من شركات التكنولوجيا الكبرى، بعيدة عن هيمنة الواقع الافتراضي”. ولكن يبقى السؤال، ونحن نقرأ التحذيرات التي يطلقها كل من هذين الكتابين، عما إذا كان لدينا الانتباه الكافي لاستيعاب رسائلهما حقًا.


مقالات ذات صلة

يهدف هذا الكتاب، كما يشير مؤلفه أستاذ الجغرافيا في كينجز كوليج بجامعة لندن، توني ألان، في مقدمته، إلى دفع كل من المستهلكين والمزارعين ليضطلعوا بمهمة إرساء أمن مياه العالم مستقبلًا.

يُعيد هذا الكتاب النظر فيما يمكن عَدُّه من المُسلَّمات في ميدان البحث العلمي، مثل ضرورة الاعتماد على المنهج وما يعنيه من التقيد بمجموعة من الضوابط والقواعد التي تساعد العَالِم على البرهنة على أفكاره النظرية، والوصول إلى نتائج متماسكة في ميدان تخصصه.

يبدأ أستاذ فلسفة الإعلام والتكنولوجيا بجامعة فيينا، مارك كوكيلبيرج، كتابه باقتباس السطور الأولى من رواية “المحاكمة” لـ”كافكا” المنشورة عام 1925م، التي أشارت إلى واقعة القبض على “جوزيف. ك” صبيحة أحد الأيام دون أن يرتكب خطأ ما، والذي سيُعدم لاحقًا.


0 تعليقات على “المورد البشري المهدَّد بالضياع”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *