تأليف: بول تايلر
ترجمة: سلمى الحافي
الناشر: الساقي، 2025م
على غلاف النسخة الإنجليزية من هذا الكتاب، سيشاهد القارئ هيكلًا عظميًّا متمددًا على أريكة مريحة يُتابِع التليفزيون، وبيده ما يبدو أنه هاتفه المحمول، ومن حوله تتناثَرُ وجبات الطعام السريعة. ويشكل هذا، باختصار، المعنى العام للمضمون، الذي أراد أن ينقله مؤلِّف هذا العمل خبير التغذية والباحث في علم الأعصاب، بول تايلر، إلى القَّراء، المنتقد بشدة عديدًا من المظاهر المرتبطة بعادات سيئة للبشر، تأصَّلت في واقعهم اليومي على نحوٍ بات يُهدِّد حياتهم على المستوى الفردي، ويعمل على تدهور المجتمع الإنساني أكثر فأكثر عمومًا.
ويُعَدُّ الكتاب دليلًا متكاملًا يرصد أولًا، من خلال نتائج أحدث البحوث العلمية، الطرائق الممنهجة التي استنفدت الأفراد، وأثرت في صحتهم ورفاهيتهم سلبًا باسم تحقيق راحتهم وتسليتهم، ثم يرشد القراء ثانيًا إلى كيفية التعامل مع معطيات الواقع الذي يحيط بهم بوعي أكبر، وبحذر وبممارسات بسيطة بمقدورهم أداؤها للاعتناء بأبدانهم وعقولهم من أجل النجاة من فخاخ نُصبت لهم بإحكام. وقد صدرت حديثًا ترجمة للكتاب إلى العربية، بغلاف ينقل أيضًا المعنى المقصود نفسه من تأليفه؛ إذ نُطالِع رسمًا لرجل بدين يجلس متخمًا على مقعده في حالة من الخمول والترهُّل، وقد أمسك بيد بجهاز التحكُّم في القنوات التلفزيونية وبيده الأخرى طعامه الجاهز.
ولعلَّ أبرز ما يميز هذا الكتاب الطرح الذي قدمه مؤلفه في نقاشه الأخطارَ التي تُحدِق بالجنس البشري في عصرنا الراهن، وتُمثِّل تهديدًا قويًّا لوجوده من دون أن يلتفت أفراده إلى ذلك. فهو يرى أنها تفوق، بطريقةٍ ما، ما واجهه الإنسان في المراحل الأولى من تاريخه، وهو ما نفهمه من فحوى مقدمة هذا العمل التي جاءت بعنوان “أجساد وأدمغة قديمة في عالم حديث”. فوفقًا للمؤلف، نجح البشر في مواجهة الطبيعة في أزمنتهم الأولى، ونجحوا في التكيُّف معها، وسعوا إلى البحث عن وسائل تُبقيهم على قيد الحياة عبر الصيد والقنص واكتشافهم النار، ثم انتقالهم إلى الزراعة؛ إذ وفَّروا طعامهم باطِّراد، وقبل ذلك كانوا قد طوَّروا لغة يتواصلون بها فيما بينهم، واخترعوا الكتابة، وبدأت حضاراتُهم بالتشكُّل. وأراد “تايلر” عبر سرد شائق لمثل هذا التطور الإشارة إلى أن هذه المراحل كانت قاسية، ومحفوفة بالصعوبات الجسدية، وتطلبت جهدًا كبيرًا من الإنسان، لكنه استطاع التوافق معها في نهاية المطاف، مستوعبًا قدراته الجسدية والعقلية، ومستثمرًا إياها، بل إنه كوَّن علاقات مجتمعية داعمة له، ساعدته على التغلب على جميع العقبات التي انتظرته. لكنه يوضح أن الوضع اختلف كليًّا، من عام 1750م تقريبًا حتى بداية القرن العشرين، مع الثورات الصناعية والرقمية التي شهدتها تلك الفترة. فنتائج هذه المرحلة التي أفضت إلى ما أطلق بول تايلر عليه “ثورة الراحة”، لم تحمل في نظره تقدمًا إيجابيًّا، بل قيَّدت الأفراد؛ لأن ركونهم إلى مظاهر الدَّعة جعلهم يعتادون نمطَ حياة خاليًا من التحديات. ومن ثَمَّ، استسلموا للخمول البدني والذهني، وهو ما أفضى إلى زيادة أمراضهم واضطراباتهم النفسية، كما تشير الإحصاءات.
ويكشف المؤلف عبر ثمانية فصول الأوجه التي بات إنسان العصر الحديث كسولًا فيها، والتي أربكت ساعته البيولوجية بعد أن أصبح يقضي معظم وقته مُحملقًا في الشاشات بمنصاتها الرقمية المتنوعة التي تُطوِّقه من كل مكان، ويُحلل ما تسبب به ذلك كله من سيادة حالات من الإجهاد النفسي والذهني والابتعاد عمَّا سمَّاه الوجه الحَسَن للإجهاد الذي يعمل على “إِنهاض” صاحبه ونزعه من مساحات راحته السلبية؛ مُنوِّهًا بخطورة عدم تعوُّد الأطفال قدرًا معتدلًا من الإجهاد، فحتى ذلك القدر ربَّما سيُسبِّب لهم القلق، فهم قد تعوَّدوا إدمان التكنولوجيا، والتدليل إلى حد النرجسية، فصاروا “غير مهيئين للعالم الحقيقي” على حد تعبيره.
اترك تعليقاً