مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مارس – أبريل | 2025

المراجعون


في هذا الكتاب يستكشف الكاتب كريستوفر جانسما الصراعات الخفية التي غالبًا ما يواجهها المؤلفون المشهورون، فتقدم مجموعة المقالات التي يتضمنها دليلًا ملهمًا للكتَّاب الطموحين وتفحصًا نقديًا للعملية الإبداعية، مع تأكيد أن عمالقة الأدب أيضًا يواجهون انتكاسات وإخفاقات كبيرة.

يأتي الكتاب تتويجًا لسبع سنوات من البحث في أكثر من عشرين عملًا لكتَّاب عظماء، كثير منها منسية أو غامضة أو ضائعة تمامًا. وهو مبني على عمود ثابت بعنوان “الأعمال غير المكتملة” الذي كان يكتبه “جانسما” على مدى سنوات عديدة في مجلة “إلكتريك ليتراتشور”؛ إذ كان يُسلِّط الضوء على كثير من الألغاز الأدبية العظيمة، ويكتب عمَّا علمته إيَّاه تلك الألغاز، وما يمكن أن تعلمنا إيَّاه جميعًا، من خلال التحدث عن كثير من العثرات ولحظات اليأس والأزمات التي تحيط بالعملية الإبداعية، حتى بالنسبة إلى أعظم العباقرة على الإطلاق.

يحدثنا “جانسما” عن المسودات المهملة والمؤلفات غير المكتملة وأقل الأعمال شهرة لمؤلفين مشهورين، مثل: جين أوستن، وفرجينيا وولف، وف. سكوت فيتزجيرالد، وريتشارد رايت. وبذلك يُزيل الغموض عن عملية الكتابة، ويكشف أن الطريق إلى النجاح الأدبي نادرًا ما يكون مباشرًا، فيشير إلى أن جين أوستن تخلّت عن روايتها “عائلة واتسون” بعد أن قرَّرت أنها لم تكن تُنصف بطلتها من الطبقة العاملة، وإلى المسودات الأصلية لرواية ف. سكوت فيتزجيرالد “آخر قطب”، حيث نجد أن المؤلف يدين أقسامًا كاملة من الرواية “المنكوبة”، التي لم يكملها في حياته. ففي إحدى الملاحظات على هامش الرواية، يكتب ليقول: “كل شيء فظيع”، بينما يذكر في ملاحظة أخرى أنه تعب من كل شيء. بعد عام واحد، في 1940م، توفي فيتزجيرالد عن عمر يناهز 44 عامًا. ومن ثَمَّ، ينتقل بنا “جانسما” إلى إنجلترا، وإلى فرجينيا وولف تحديدًا، التي وجدت نفسها عاجزة عن قراءة ومتابعة رواية “بوينتز هول”، التي بقيت مثلها مثل رواية فيتزجيرالد غير مكتملة. وفي قصة قصيرة كتبتها وولف نراها تعلن على لسان إحدى شخصياتها أنه “لم يعد لديَّ أي مشاعر تقريبًا”، وفي هذه الجملة ربَّما نسمع ما كان مقدمة لانتحار وولف بعد نحو عام تقريبًا في 1941م.

من خلال تحليل أعمالهم غير المنشورة أو غير المكتملة، يُزيل “جانسما” الأساطير عن بعض من عمالقة الأدب دون التقليل من عظمتهم، ويوضّح كيف نجحوا بفضل مساهمات أزواجهم ومحرريهم، والمراجعة الدقيقة، والفشل والرفض المتكرر، في خلق الأعمال التي اشتهروا بها اليوم.

ولكن كتاب “المراجعون” ليس مرثية ولا حكاية تحذيرية، بل هو دليل من نوع معين لأي كاتب يواجه “صفحة فارغة”. أمَّا العنوان الفرعي للكتاب وهو “ما الذي يمكننا أن نتعلمه من الأعمال المفقودة وغير المكتملة والسيئة تمامًا للكتاب العظماء؟”، فهو يشير إلى الاقتراحات العملية التي يقدمها “جانسما” في آخر فصل من فصول الكتاب، وهي قائمة قصيرة من النصائح المستقاة من الفصل نفسه، مثل: “احتفظ بدفتر ملاحظات للأفكار أو الانطباعات”، و”اعتمد روتينًا معينًا للكتابة”، و”استعن بمراجعين محترفين”، وغيرها.


مقالات ذات صلة

تأليف: مايكل ستريفينز ترجمة: خالد الشايع الناشر، نادي الكتاب، 2024م يُعيد هذا الكتاب النظر فيما يمكن عَدُّه من المُسلَّمات في ميدان البحث العلمي، مثل ضرورة الاعتماد على المنهج وما يعنيه من التقيد بمجموعة من الضوابط والقواعد التي تساعد العَالِم على البرهنة على أفكاره النظرية، والوصول إلى نتائج متماسكة في ميدان تخصصه. ومن هذا المنطلق، يمكن […]

تأليف: مارك كوكيلبيرج ترجمة: عبدالنور خراقي وعبدالرحيم فاطمي الناشر، خطوط وظلال، 2024م يبدأ أستاذ فلسفة الإعلام والتكنولوجيا بجامعة فيينا، مارك كوكيلبيرج، كتابه باقتباس السطور الأولى من رواية “المحاكمة” لـ”كافكا” المنشورة عام 1925م، التي أشارت إلى واقعة القبض على “جوزيف. ك” صبيحة أحد الأيام دون أن يرتكب خطأ ما، والذي سيُعدم لاحقًا بعد محاكمة افتقرَت إلى […]

تأليف: منيرة بن مصطفى حشّانة الناشر، يافا للبحوث والدراسات، 2024م يُقدِّم هذا الكتاب إلى المكتبة البحثية العربية، من منظور نوعي متفرد، مفهوم “الأجواء” محاولًا تأصيله والكشف عن مدلولاته المتنوعة من أجل فتح آفاق للعمل البحثي والنظري والتطبيقي في مجال الجماليات والإنسانيات، وذلك بعد أن لاحظَت مؤلفته أستاذة الجماليات والفلسفة المعاصَرة بجامعة تونس منيرة بن مصطفى […]


0 تعليقات على “المراجعون”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *