مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2020

اللغة العربية رقمياً.. تجارب معاصرة ورؤى مستقبلية


فريق القافلة

معاجم ومترادفات كثيرة سبقت تقنية العصر في اللغة العربية، لكنها لم تكن بعيدة كثيراً عن مواكبة اللغة العالمية في الذكاء الاصطناعي، فمنذ بضعة عقود بدأ المهتمون في الشأن اللغوي ربط اللغة العربية بالمحتوى الرقمي، من خلال عدد من المؤتمرات التي تعقد بشكل دوري لتطوير المحتوى الرقمي العربي، والبحث في إمكانية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في لغتنا العربية.
هذا ما سعت القافلة للبحث فيه ضمن “جلسة نقاش” عقدتها لهذه الغاية وشارك فيها أربعة مختصين، وتابعها عن بُعد عدد من المهتمين باللغة العربية وتقنية العصر.

“في عصر وسائل النشر والتواصل الرقمية تثبت اللغة العربية مجدداً أنها قادرة على خدمة المستخدم العربي. ولكن لا يزال هذا المستخدم ينتظر تطبيق كثير من الأفكار التي تجمع اللغة العربية بالتقنية، وتجعله يبدع بلغته وسط هذا المحتوى الرقمي، مثلما يفعل أبناء بعض اللغات الأخرى الغربية والشرقية”. هذه الملاحظة التي أبداها رئيس تحرير القافلة ومضيف الجلسة الأستاذ بندر الحربي كانت العنوان العريض للنقاش في هذه الجلسة التي تناولت ملامح عن بعض جوانب هذه القضية.

إمكانية التطوير والعلم والإنتاج والإبداع موجودة في بلادنا متى ما توافرت العوامل التقنية والإدارية والمالية. 
محمد الشارخ

تركيز حالي على تطوير
التصحيح الإملائي والنحوي 

كان مؤسس ورئيس شركة صخر الأستاذ محمد الشارخ أوّل المتحدّثين في الجلسة، وبدأ كلمته بالتنويه بجهود القافلة في خدمة اللغة العربية. فذكّر بالندوة التي أقيمت في السنة الماضية حول الذكاء الاصطناعي واللغة العربية، معتبراً أن هذه الجلسة تأتي استكمالاً لتلك. كما ذكّر أيضاً بجهود أرامكو السعودية في مجال تعزيز اللغة العربية بدءاً من منتصف الخمسينيات من القرن الفائت عندما أعدّت قاموساً خاصاً للموظفين الأجانب يشمل الكلمات العربية. والدليل التحريري بالعربية للموظفين وفي عام 2015م الذي حدّثته عام 2019م.
ثم استعرض الشارخ جهود شركة صخر في تعزيز المحتوى الرقمي العربي، فقال: “منذ 40 عاماً، بدأنا نستشفّ إمكانية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي ومتطلّبات اللغة العربية في العصر الحديث. فطوَّرنا عام 1984م برنامج الصرف الآلي. وتلى ذلك إصدار أول برنامج للقرآن الكريم، ثم طوَّرنا برنامج التشكيل الآلي، إضافة إلى برنامج النطق العربي والترجمة من وإلى اللغة العربية”.
وأضاف: “في عام 2006م، حصلنا على ثلاث براءات اختراع في اللغة العربية من الهيئة الأمريكية للاختراعات. وقدَّمنا عام 2008م ثمانية طلبات للهيئة، ولكن توقفنا بعد ذلك ولم نحصل على هذه البراءات، لأسباب منها: التكلفة المالية في ذلك الوقت. وفي عام 2010م طوَّرنا برنامجاً خاصاً لترجمة التهاتف الجوال، إذ كانت شركة غوغل أنتجت هذا البرنامج قبل سنة فقط. وأكّد أن إمكانية التطوير والعلم والإنتاج والإبداع موجودة ليست فقط في لوس أنجلس وسان فرانسيسكو، ولكن أيضاً في بلادنا متى ما توافرت العوامل التقنية والإدارية والمالية، حيث يمكننا الإنجاز والإبداع”.

وتوقف الشارخ عند أحدث الإحصاءات في مجال الإنترنت التي تشير إلى أن مستخدمي الإنترنت العرب يبلغون حوالي 250 مليون نسمة، ومن بينهم 4 ملايين مستخدم من طلبة الجامعات، وأكثر من ذلك من طلبة الثانويات. وشدَّد على أهمية إعداد الجيل الناشئ الذي سيكون تواصله في المستقبل ليس عن طريق الورق، وإنما من خلال وسائل التواصل الحديثة. واعتبر أن من الواجب أن نوفر لهم الأدوات والتقنيات التي تساعدهم على الكتابة باللغة العربية السليمة، لافتاً إلى أن شركة صخر تقوم حالياً بتطوير المعجم المعاصر بتقنية المعاجم الحديثة، واختيار الكلمات والشواهد بصورة إحصائية، “إذ من الضروري أن يكون المعجم العربي أساسياً في كتاباتنا ولغتنا”.
وختاماً، أشار إلى عمل صخر على تطوير المصحّح الآلي للغة العربية الذي يشكِّل التصحيح الإملائي، وكذلك المدقّق النحوي الذي يؤمل أن يعطي نتائج مقبولة في النصف الثاني من العام المقبل، على أن يُستكمل التطوير حتى الوصول إلى إصدار مصحّح للغة العربية إملائياً ونحوياً يُعتمد عليه في المستقبل. بعدما تبيَّنت مدى حاجة مستخدمي الإنترنت لتصحيح الكتابات باللغة العربية.

ربط اللغة العربية باللغات الأخرى والحفاظ على هويّتها وخصوصيّتها
ثم تحدّث رئيس هيئة أبوظبي للغة العربية الدكتور علي بن تميم عن الجهود المبذولة لتعزيز اللغة العربية في الفلك الرقمي، التي بدأت منذ 1983م، وتحديداً في مدينة الرباط، حيث عقدت مؤتمرات عديدة في هذا الشأن، وتمَّت مناقشة الإشكاليات الكبيرة في هذا السياق. وذكّر بكتاب نبيل علي “اللغة العربية والحاسوب” الصادر عام 1988م، وجهود معهد اللغة العربية في جامعة الملك سعود بالرياض في تلك الفترة التي تكوَّن فيها وعي مهم لأهمية وجود المعاجم.
وقال: “على الرغم من إصدار معاجم كثيرة آنذاك مثل معاجم المترادفات ومعاجم للتعبيرات الاصطلاحية، بدأ هذا الأمر يتراجع. وما مكَّن من إصدار هذه المعاجم هو دور بعض المجامع العربية كما في الرباط التي قامت بتأسيس بنوك عديدة للمصطلحات، وكذلك بنك باسم السعودي الذي كان يضم حتى عام 1992م نحو 293 ألف مفردة، كما ظهر اهتمام مماثل في تونس والأردن أيضاً”.
ورأى أن وجود مثل هذه المشروعات الرقمية المهمّة والتطبيقات الحديثة يعزّز العلاقة بين الشباب والتعليم، ويسهّل عملية التعلُّم. ولكن تحقيق الفائدة من هذه الجهود في العالم العربي ما زال ضعيفاً.
ثم تطرّق الدكتور بن تميم إلى العلاقة بين اللغة العربية والهوية قائلاً: “إذا أردنا أن نحدّد معنى الهوية يمكن أن نقول إنها نسيج يتكوَّن من عدَّة خيوط، وكل خيط منها يشكِّل نسيجاً يرتبط بهذه اللغة. واللغة أيضاً ترتبط بهذا النسيج ارتباطاً وثيقاً. فاللغة حاضنة للثقافة والتاريخ والفكر والدين والإبداع. هذه الهوية ليست هوية ساكنة، وإنما متحركة وقابلة للتغيير بشكل مستمر، وهي نامية وليست ثابتة. ولعل هذا الأمر هو ما عطّل كثيراً من مشروعات اللغة العربية، لأنها ارتبطت بتحوُّلات كبيرة مرَّت بها الثقافة العربية. فما إن يبدأ مشروع بطموح ما مرتبط بأهدافنا وهويتنا وثقافتنا، سرعان ما يأتي حدث آخر فيغيِّر مثل هذه المشروعات وننتقل إلى مشروعات جديدة”.
وبعد ذلك استعرض المتحدث مجموعة من الأفكار حول مستقبل اللغة العربية والتطبيقات الرقمية، مشدّداً على أهمّية تطوير تطبيق خاص للناطقين بغير العربية، قائلاً: “ينبغي أن نصبّ جل اهتمامنا في دعم اللغة العربية. ونحن اليوم في مركز أبوظبي نضع استراتيجيات وخططاً في هذا الشأن، ونرى أن هناك اهتماماً متزايداً بتعلُّم العربية في صفوف الطلاب من غير الناطقين بالعربية”.  
ودعا إلى استثمار تجارب الآخرين في التعليم وكيفية مواجهة التحديات المماثلة، والاستفادة من التجارب الناجحة في بلادنا مثل إنجازات شركة صخر. وقال: يجب أن نتطلع إلى تنسيق أكبر بين مشروعات الترجمة ومشروعات التعريب، وأن نجمع هذه الجهود المبعثرة وفق آليات عمل تضمن التنوُّع، ولكنها لا تقود إلى الأحادية الثابتة.
وطالب بدعم المشروعات العربية التكاملية في مجال الصناعة الرقمية، وتسليط الضوء على مشروعات ناهضة في ما يتصل بالذكاء الاصطناعي، إضافة إلى التركيز على ربط اللغة العربية باللغات الأخرى مع الحفاظ على خصوصيتها. 

وجود المشروعات الرقمية والتطبيقات الحديثة عزّز العلاقة بين الشباب والتعليم وسهّل عملية التعلُّم.
د. علي بن تميم

اللغات ليست للتخاطب والتواصل، وإنما هي وسائل للتعبير عن الهويات
واستأثرت علاقة اللغة بالهوية بحيّز واسع من كلمة المستشار الثقافي الدكتور زياد الدريس الذي رأى أنّ أهم موضوع يمكن أن يرتقي باللغة العربية هو إدراك الوعي بعلاقتها بالهوية، وقال: ما لم نتوصَّل ونتفق على هذا الأمر، فالجهود ستكون كلها ارتجالية أو تجميلية. 
وقال: “بقيت لسنوات طويلة منشغلاً بالتساؤل: أيهما أكثر تهديداً للغة العربية، اللغات الأجنبية أم اللهجات العامية؟ ولما بدأت أقترب من الإجابة عن هذا السؤال، وجدت أن الإجابة الصحيحة هي الثالثة. ليست هذه ولا تلك. لأن الخطر الحقيقي والأكبر هو عدم الوعي بأن اللغة هوية، أو جزء أساسي من الهوية، وأننا نعتقد فقط بأن اللغة هي وسيلة للتواصل والتخاطب بين الناس”.
وأشار إلى أن كثيراً من المهتمين بقضية اللغات قد توافقوا على أن اللغة جزء أساسي من الهوية. فمنظمة اليونيسكو أكَّدت هذا الأمر أكثر من مرَّة. ولذلك عندما وضعت اتفاقية الحفاظ على التنوُّع اللغوي، لم يكن ذلك عبثاً، أو مجرد اعتقاد بأنّ اللغات هي وسائل للتخاطب، وإنما هي وسائل للتعبير عن الهويات التي توجب الحفاظ عليها.
وأضاف: “الآن، وبانتشار جائحة كورونا، أصبح الناس يستخدمون التطبيقات بشكل أكبر، ويتواصلون مع بعضهم بعضاً عبر الإنترنت سواءً مع صورة أو من دونها. ومنهم من راح يشارك في الندوات واللقاءات عن بُعد من دون التقيد بلباسه الوطني الذي يحدّد هويته. وعند تلاشي هذه المميزات التي كنا نعرفها عندما كنا نلتقي مباشرة، أصبحت اللغة الوسيلة الأكبر لتحديد هوية الإنسان. كأننا نريد أن نقول: قل لي بأية لغة تتحدث أقول لك من أنت، هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن نتعرَّف من خلالها إلى هوية الآخرين”.

المملكة العربية السعودية التي هي مهبط الوحي وأرض العروبة، تُعدّ الدولة المعنية بالدرجة الأولى والمرجع الأساسي في دعم اللغة العربية.
د. زياد الدريس

وقال الدكتور الدريس محذّراً: “لا يمكن لأحد أن يقول إنه لا توجد مشكلة في استخدام اللغة الإنجليزية أو العربية في ندوة أو مؤتمر، إذ إن المهم هو إيصال الفكرة. وهذا خطأ كبير، لأن استخدام اللغة هو في حد ذاته فكرة. فأن تستخدم لغتك العربية فأنت تقوم بإيصال فكرة معيَّنة، وقد تكون هذه الفكرة أكبر من أفكارك الأخرى”.
أما في قضية خدمة اللغة العربية فتوقَّف الدريس عند الإحصاءات الأخيرة حول موقع اللغات في الإنترنت، واصفاً بأنها كانت مفاجأة كبيرة، حيث احتلت اللغة العربية المركز الرابع بين لغات العالم، بعد الإنجليزية والصينية والإسبانية.
ورأى أن المفاجأة الكبرى هي في كون نمو اللغة يتم على شبكة الإنترنت، رغم أنها لم تجد الاهتمام الكافي من أبنائها، لكن كثيراً من الأفراد والمؤسسات يقومون بخدمات جليلة للغة العربية، وما زال وضعها مقبولاً حتى الآن.
وشدّد الدريس على ضرورة إيجاد توليفة من أجل نشر اللغة العربية والاهتمام بتعليمها. فالجهود الفردية مهما تعاظمت لا تكفي أبداً لخدمة اللغة العربية، إذ إن الجهود الكبرى التي تُبذل في خدمة اللغات الآن ليست جهوداً فردية أو تجارية، وإنما جهود مؤسساتية. فالمعاهد العالمية في بريطانيا وفرنسا وروسيا وأمريكا هي التي تقدِّم خدمات كبيرة للغات وتعلمها. 
وروى الدريس أنه عندما ذهب إلى اليونيسكو عام 2006م، وجد أن وضع اللغة العربية ضعيف. ولاحظ أن لكل من اللغات الأخرى دولة واحدة تقف معها، فالفرنسية لفرنسا والروسية لروسيا والصينية للصين والإنجليزية لبريطانيا وأمريكا، أما اللغة العربية فلديها 23 دولة عربية. ومن خلال تجربته في المنظمة، اكتشف أن ما كان يظنه نعمة للغة العربية، كان نقمة. وهي أن اللغات الأخرى التي لديها دولة واحدة تحظى بالتزام بخدمتها من دولتها، لكن اللغة العربية لديها دول كثيرة، وبالتالي يضيع الاهتمام ويذوب بين هذه الدول. واعتبر أن تأسيس مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية قد يكون القناة الأساسية للدعم المطلوب، وقد تكون المملكة العربية السعودية الدولة المعنية بالدرجة الأولى، من دون أن يعني ذلك إلغاء جهود الدول الأخرى. ولكن لا بد من دولة عربية محورية تكون هي المرجع الأساسي في دعم اللغة العربية.

وجدنا في أرامكو حلولاً مبتكرة للخطوط العربية، منها: مرونة شكل الحرف العربي، ومرونة الرموز والأرقام وعلامات الترقيم، إضافة إلى إخفاء علامات التشكيل واستعادتها، وإبهام النص واستعادته.
خالد صواف

تقنيات تطوير الخطوط العربية وتقديم أشكال بديلة لكل الحروف
وكانت الكلمة الأخيرة في الجلسة لمدير الأعمال الإبداعية في إدارة الاتصال المؤسسي في أرامكو الأستاذ خالد صواف الذي قدَّم لكلمته بالقول إن الخطوط من أهم أوعية اللغة. وفي العصر الرقمي يجب أن يكون الوعاء متوافقاً مع رقمنة العصر الذي تتوفر فيه الأدوات والأجهزة المختصة. وأوضح طبيعة عمل فريقه على تطوير تقنيات الخطوط العربية والدوافع إليه قائلاً: واجهنا في الشركة تحديات كثيرة من خلال وسائل النشر وإنتاج المحتوى بشكل يومي، فكان مطلوباً منا أن نقدِّم التصميمات والخطوط بالشكل المناسب للمطبوعات التي نصدرها.
وروى صواف أن الحلول التي تم التوصل إليها في البدء، كانت من خلال تقنية (open type) التي ظهرت عام 1996م، وأتاحت توافقاً أوسع بين أنظمة الكمبيوتر ودعم اللغات، وتقديم الأشكال البديلة لكل الحروف، فضلاً عن استخدام أساليب متعدّدة للخطوط.
وأضاف: استمر ذلك حتى عام 2016م، حين ابتكرت شركة “مايكروسوفت” تقنية جديدة سمَّتها “الخطوط المتغيرة (المرنة)”. فاستخدمناها في تطوير الخطوط، وابتكرنا أولاً خط غوار ثم خط حرض وخط منيفة.

وبما أن هذه الخطوط متغيرة، كان على الصواف وفريق العمل أن يجدوا حلولاً مبتكرة للخطوط العربية، منها تأخذ في الحسبان عوامل ومتطلبات كثيرة منها على سبيل المثال: تسهيل القراءة في الطباعة المتناهية الصغر، تفضيلات خاصة بطبيعة المحتوى، الاقتصاد في المساحة، التبسيط أو زيادة الجماليات. وكذلك مرونة الرموز والأرقام وعلامات الترقيم وتشمل أيضاً: تغيير طاقم الأرقام “شرقية، غربية، فارسية”، تغيير مسافات الأرقام، تغيير مقاسات الترقيم في العناوين، اختيارات نظام الفاصلة العشرية والألفية. إضافة إلى مرونة علامات التشكيل وتشمل: تغيير مقاس علامات التشكيل، تغيير مسافة بُعد علامة التشكيل عن الحرف، اختيار تصميم آخر لعلامات تشكيل. ومن الحلول أيضاً: إخفاء علامات التشكيل واستعادتها، وتضمن تبسيط مظهر النص، حذف كل العلامات في خطوة واحدة، احتفاظ تلقائي بعلامات الحركات الضرورية، واستعادة كل العلامات في أي وقت. وأخيراً إبهام النص واستعادته، حيث يتضمَّن تشويش النص الحقيقي والاحتفاظ به، إبدال كل كلمة بكلمة غير مفهومة، إبدال كل الأرقام بالرقم صفر، طباعة آمنة من دون كشف النص الأصلي، واستعادة النص الأصلي في أي وقت.
وأكَّد صواف في ختام مداخلته أن هذه الابتكارات في الخطوط العربية هي غير مسبوقة في العالَم. وهي غير موجودة في اللغات الأخرى، ولا حتى عند الشركات العالمية مثل مايكروسوفت وأدوبي.

المداخلات

اللغة العربية والتقنية الحديثة في السنوات العشر المقبلة
بعد ذلك، كانت للمتحدثين وللمتابعين تعقيبات على أبرز ما جاء في الجلسة، حفلت بكثير من الحقائق والأفكار اللافتة بأهميتها. فقال الدكتور ابن تميم إننا في صدد نمو كبير للغة العربية. والفضل في ذلك يعود إلى وجود مؤسسات مثل مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ومركز أبوظبي للغة العربية، ومجمع اللغة العربية بالشارقة. وخلال الأيام المقبلة سيُعقد مؤتمر يحاول أن يعيد تدريس اللغة العربية ويناقش التحديات في ظل التعليم عن بُعد. فهناك مراكز بحوث تشير إلى أن المتحدثين باللغة العربية خلال 50 سنة سيصلون إلى 600 مليون متحدث.
وفي تعقيبه على ربط اللغة بالمتحدث كما ورد عند الدريس، استشهد بمقولة سقراط “تكلم حتى أراك”. وذكر أن المتنبي أدرك مسألة الكلام والهوية حينما قال:
أصادق نفس المرء من قبل جسمه
وأعرفها في فعله والتكلم

دور وزارات التعليم العربية في التشجيع على استعمال المعاجم 
أما الدكتور الشارخ فقال إن على وزارات التعليم العربية أن تشجّع على استعمال المعاجم، وعلى الجامعات أيضاً أن تطلب من الطلبة أن يكتبوا رسائلهم ومذكراتهم بلغة سليمة. وكذلك وسائل الإعلام والصحف والشركات، لا بد أن يزوِّدوا موظفيهم بدليل تحريري، “فبذلك نستطيع أن نحمي ونحافظ على الكتابة العربية السليمة. حتى في مؤسسات القضاء يجب أن تكون التقارير والأحكام مصححة لغوياً. نحن سنعطي الأدوات، لكن القرار في استخدامها يجب أن يأتي من الإدارات.

تَعَلَّم اللغة الإنجليزية، ولكن لا تتعلّم باللغة الإنجليزية
وكانت للدكتورة فوزية البكر التي تابعت الجلسة مداخلة قصيرة لفتت فيها إلى وجوب إدراك العلاقة الأساسية بين اللغة والهوية التي يداهمها خطر حقيقي من خلال إهمال الجيل الجديد لها في التعليم، وعدم تحدث الأهل مع أبنائهم في حياتهم اليومية باللغة العربية ويفضلون التحدث باللغة الإنجليزية. وسألت عن تفسير لذلك. 
فأجاب الدريس أن هناك فخاً يضعه الأهل في طريق أولادهم، من خلال الانهماك في تعلمهم اللغة الإنجليزية أو حتى الفرنسية. وعندما أتكلم عن خطر اللغة الإنجليزية يظن البعض أني أقلل من أهمية تعلُّمها. لكني في الحقيقة أحذِّر بشدة من الخطر الكبير بألَّا يتعلم الأولاد اللغة الأصلية. نحن نريد أن نتعلم اللغة الإنجليزية، لا أن نتعلَّم باللغة الإنجليزية.

افتقاد البيانات اللازمة لبناء 
أنظمة تواكب العصر 

ورأى الدكتور أحمد خرصي أن كل مختص يعمل في الذكاء الاصطناعي، خاصة على اللغة العربية، سيواجه إشكالاً كبيراً وتحدياً أساسياً هو البيانات في اللغة العربية. فمن المعروف أن التقنيات الموجودة الآن تتيح كثيراً من الأشياء التي لم تكن متاحة قبل سنوات، لكن التحدي الأكبر أمام اللغة العربية هو عدم وجود بيانات كافية لبناء أنظمة تواكب العصر وتستخدم التقنيات الحديثة في الذكاء الاصطناعي.
وتابع قائلاً: “نحن نعمل حالياً على نظام جديد اسمه بلقيس، وخلال الأسابيع الأربعة الماضية كنت أعمل على نظام التدقيق الإملائي للغة العربية الذي ذكره الدكتور الشارخ في مداخلته.بنينا حتى الآن أربعة نماذج، ثلاثة منها تستخدم الذكاء الاصطناعي. وما كان يستغرق الوقت الأطول هو إيجاد بيانات لنصوص فقط خالية من الأخطاء الإملائية، أو مشار فيها إلى أخطاء إملائية. في اللغة الإنجليزية، تجد بسهولة هذا النوع من البيانات.

الحاجة الماسَّة إلى تضافر الجهود 
إلى ذلك، كانت هناك كلمة للدكتور غسان مراد قال فيها إن المشكلة في اللغة العربية هي في عدم وجود المدوَّنات، والذخيرة اللغوية غير كافية لكي نعمل على حوسبة اللغة. فعلى موقع “ويكيبيديا” مثلاً يوجد 999 ألف وثيقة، وهذا بالنسبة لـ 250 مليون مستخدم عربي لا يكفي. ويوجد عديد من الكتابات العربية على الإنترنت، لكن السؤال ما هي أهمية هذه الكتابات؟ وما هو هذا المحتوى الموجود باللغة العربية؟ وأضاف أن “اللغة العربية بألف خير، لديها كافة الظواهر اللغوية التي تسمح لها بأن تتجدَّد في كل ما يمكن أن يكون موجوداً في اللغات العالمية. لكن المشكلة في عدم استخدامها. فلكي تكون رقمنة اللغة العربية على المستوى المطلوب حالياً، يجب أن نهتم بحوسبة اللغة وأن ننطلق مما بدأته صخر. لأنه لا يمكن لمؤسسة واحدة أن تقوم بكل ما هو ممكن في حوسبة اللغة. علينا أن نتعاون في هذا المجال وأن نشكِّل شبكة لحوسبة اللغة، وهذه الشبكة هي التي تؤدي فعلاً لبناء برمجيات وذخيرة لغوية”.

ضرورة إثراء المحتوى العربي وردم الهوة بين الشباب واللغة العربية
وفي ختام الجلسة، تحدّث الأستاذ ملاذ المدني عن تجربة مجلة “أراجيك” التي تأسّست عام 2011م، وتستهدف جيل الشباب بهدف إثراء المحتوى العربي، وردم الهوة بين الشباب واللغة العربية، فضلاً عن تثقيف القارئ ورفع مستوى وعيه، وتقديم محتوى مختلف ذي قيمة وجودة عالية.
وقال: أصبحت “أراجيك” الآن منصة تعليمية تثقيفية تنشر مقالات بلغة عربية سليمة خالية من الأخطاء قدر الإمكان، ونركِّز على اهتمامات الشباب العربي اليوم، أي التكنولوجيا والفن والتعليم، ونقدّم معلومات شاملة من مصادر موثوقة. وقد صُنِّفت “أراجيك” أفضل مدوّنة عربية للعام 2016م في “قمة روَّاد التواصل الاجتماعي العرب”.
وشدّد المدني على أهمية أن تتاح مثل هذه البرامج الخاصة باللغة العربية لجميع الناشرين على الإنترنت واستخدامها في عملية النشر بلغة سليمة، وإلا ستكون هناك مشكلة في المستقبل بخصوص الأرشيف العربي على الإنترنت. 

ورأى أن الشباب العربي اليوم يفتقدون معرفة اللغة العربية، خلافاً لما هو الحال عند الشباب في دول العالم. وقد استعاضوا عنها باللغات الأجنبية. وأوضح أن فكرة إطلاق المجلة باسم إنجليزي كان من أسبابه التقرُّب من الشباب العربي، ومخاطبة توجهاتهم وتطلعاتهم. “وأخذنا على عاتقنا في المجلة نشر أخبار ومقالات تتعلَّق بالمجال التقني، وعملنا على تبسيط المصطلحات التقنية وترجمتها إلى اللغة العربية”.
وحول التحديات التي واجهتهم في تأسيس المجلة، قال المدني: “التحدِّي الأكبر هو في كيفية تقديم المعلومة التقنية للقارئ العربي بشكل مفهوم وبسيط، ونحن نعلم أن كثيراً من الشباب يهجرون اللغة العربية، والبعض منهم يقوم بتشويهها في وسائل التواصل عبر دمجها بمصطلحات أجنبية. وقد حرصت المجلة على نشر موضوعات توضِّح المفاهيم التقنية التي كانت شائعة، فترجمنا كثيراً من المصطلحات في هذا المجال، فيما تبنّت المجلة كثيراً من الأسماء المعروفة في اللغة الإنجليزية كبديل للترجمات العربية”.
وأكَّد أنّ المجلة نشرت حتى الآن نحو 30 ألف مقال، بعضها حول استخدام التطبيقات والبرامج ونظم التشغيل والألعاب، إضافة إلى مراجعات أحدث الأجهزة الذكية، كما أنها تعمل حالياً على تسليط الضوء على آخر الاكتشافات العلمية المثيرة، وقصص النجاح الملهِمة، إضافة إلى مناقشة الكتب والروايات المهمة. وكشف أن المجلة تستقطب بشكل شهري نحو 6 ملايين زائر من مختلف الدول العربية.
وتوقّع المدني أنه خلال السنوات العشر المقبلة، ومع انطلاق عديد من المنصات والمواقع الرقمية باللغة العربية في كافة المجالات، سيتقلَّص النقص في المحتوى العربي على الإنترنت. 


مقالات ذات صلة

حينما وصل إلى علمي توقف مجلة “القافلة”، استشعرت أن لبنة ثقافية انهارت. فهذه المجلة أحد الأسس التي دلتني أو دفعتني إلى غواية الكتابة، كما فعلت بالكثيرين.

ثَمَّة في تاريخ الأوطان والدول والمجتمعات، محطات لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها دون التوقف عندها والاستلهام من أمجادها والامتنان لرجالاتها الذين صنعوها. إن استحضار واستذكار أحداث تاريخية لها قيمتها وطنياً، هو من الأمور المطلوبة والمحفِّزة لمزيد من الاعتزاز والفخر والانتماء لدولة تأصل تاريخها لقرون، دولة امتدت جذورها وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان […]

بات تطوير سوق العمل وتغيير معادلاته أمراً حتميّاً يتعيّن دعمه من كافة صانعي القرار، وقد كشف تقرير دولي للوظائف عن أن هناك ثماني مهن تُدرِّب عليها كليات ومعاهد تقنية دون الجامعية في السعودية، دخلت في ترتيب الوظائف الأعلى دخلاً.. فما مستقبل التخصصات التقنية والمهنية في المملكة؟ وهل هناك تلبية لحاجة السوق المحلية إليها؟ وماذا عن […]


2 تعليقات على “اللغة العربية رقمياً.. تجارب معاصرة ورؤى مستقبلية”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *