تأليف: جمال غالي الحميد
الناشر: رشم، 2024م
يؤكد هذا الكتاب أن القصة القصيرة جدًّا في الأدب السعودي تجاوزت مرحلة التجارب إلى مرحلة النُّضج، ثم إلى مرحلة التجديد، وأصبح لها كُتَّابها المتمكنون من أدواتها، وصار لها كذلك جمهور من المتلقين الواعين بخصوصيات هذا الفن السردي الحديث، مقارنةً بأنواع الكتابة الإبداعية المطوَّلة.
يقول المؤلف الباحث جمال غالي الحميد إنه يسعى في كتابه إلى تقديم دليل تطبيقي على “نجاعة التلقي” في القصة السعودية القصيرة جدًّا، خاصة أن أغلب الأشكال الوجيزة التي يُمثِّلها هذا النوع السردي كانت ضحية أخطاء في تلقيها؛ لأن القراء قد اعتادوا الكتابات المتوسطة أو الأكثر طولًا.
ومن أجل تحليل بنية السَّرد وتقنياته في القصة القصيرة جدًّا، استند المؤلف، كما يشرح، إلى المنهج الميكرو سردي الذي يُتيح مقاربة هذه البنية والتقنيات مع الآليات السردية الخاصة بالرواية وغيرها من الكتابة المُتخيَّلة، كما بوسعه الكشف عن وظيفة الإيحاء والترميز اللذين يُؤسَّسُ حولهما المعنى في السَّرد الوجيز.
وتكوَّنت مُدوَّنة الدراسة في الكتاب من خمسة عشر كاتبًا وكاتبة من ذوي الرؤى والاتجاهات المتنوعة، وثماني عشرة مجموعة قصصية من أعمالهم، وذلك في الفترة الزمنية من 2011 حتى 2016م؛ إذ مثَّلت هذه المرحلة، بحسب المؤلِّف، زخمًا في نشر هذا النوع من الأدب، وإدراكًا من مبدعيه بتقنياته ووظائفه.
ومن بين الكُتَّاب الذين شملهم هذا العمل البحثي نجد أسماء مثل أحمد القاضي، وجبير المليحان، وحسن فرحان الفيفي، وزكية محمد العتيبي، وسعد العتيق، وشيمة الشمري، وعبده خال، ومحمد المزيني، ومفرج المجفل.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول، جاء أولها نظريًّا وبحث في نشأة القصة القصيرة جدًّا في الآداب الإنسانية الحديثة، ومنزلتها في الأدب العربي الحديث، كما استكشف هذا النوع في السياق الأدبي السعودي. أمَّا الفصلان الثاني والثالث، فطبَّق فيهما المؤلِّف نهجه التحليلي على الأعمال الإبداعية المدروسة، محاولًا توصيف خصائص القصة القصيرة جدًّا، ومستويات التخييل فيها، والمعاني التي تنشد تحققها عند المتلقين واستجاباتهم الجمالية لها.
وقد خلص جمال غالي الحميد في كتابه إلى أن المبدعين والمبدعات في المملكة استطاعوا الانسجام مع البنية الفنية القصيرة في الكتابة السَّردية بطريقة تُشبه ما اختزنوه من نصوص وجيزة في ذاكرتهم القديمة، وأنهم كانوا على وعي، من ناحية أخرى، باختيارهم لهذه البنية بما يخدم تجربتهم في الكتابة، التي ترجمت إلمامهم بتقنياتها ومعمارها المُميَّز، خاصة فيما يرتبط بطبيعة العلاقة بين مُفتَتح النص، الذي يُدخل المتلقي في الحدث مباشرة، وخاتمته التي تقوم بوظيفة الإدهاش والمراوغة، وتفتح الباب أمام تعدُّد التأويل، وقد نجح المبدعون السعوديون، كما نقرأ، في خلق علاقة تكاملية بينهما.
اترك تعليقاً