مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مارس – أبريل | 2025

الصين والدول العربية

تاريخ من الود تعزِّزه الترجمة

أ . د. يو ماي

قرأت في العدد 708 (يناير – فبراير 2025م) من مجلة القافلة مقال الكاتبة والمترجمة يارا المصري تحت عنوان “جسر حرير جديد بين العربية والصينية” يستكشف العلاقات الثقافية بين الصين والدول العربية بمناسبة انطلاق الدورة الأولى لجائزة الأمير محمد بن سلمان. 

يستكشف المقال هذه العلاقات من العصور القديمة إلى الحاضر، من منظور “حركة الترجمة بين الصين والدول العربية”، ويعرض المراحل الثلاث الرئيسة لترجمة النصوص الدينية الإسلامية والإبداعات الأدبية العربية ودراستها في الصين، ويسرد الفترات التاريخية الرئيسة لترجمة الأدب الصيني ونشره في الدول العربية، وصولًا إلى اللحظة الأخيرة وهي مناسبة إطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين المملكة العربية السعودية والصين، وهو ما يقدّم إطارًا وصورة واضحة للقرَّاء العرب. 

وكما نعرف فإن التبادلات الودية بين الصين والدول العربية لها تاريخ طويل، فهي علاقات صداقة، كما جاء بالمقال: “كان الدِّينُ والتجارةُ العاملَين الأشدَّ تأثيرًا في العلاقات بين العالم العربي والصين على مدى قرون طويلة”. وقد استشهدت الكاتبة بما كتبه الرحّالة العربي الشهير ابن بطوطة عن الأمان الذي يتمتع به المسافر في الصين: “وبلادُ الصين آمنُ البلاد وأحسنُها حالًا للمسافر، فإنَّ الإنسان يسافرُ منفردًا مسيرة تسعة أشهر وتكون معه الأموال الطائلة فلا يخاف عليها”. ومن الطبيعي أن تترافق هذه الصلات الودية بمتطلبات كالترجمة، وهذا ما أدَّى كذلك إلى نمو العلاقات الثقافية، التي تزداد قوتها بمرور الوقت، كما حققت شراكة التعاون الودية الحالية بين الجانبين قفزات تاريخية من حيث اتساعها وعمقها. “تقوم العلاقات بين الأمم على التقارب بين الشعوب، ويقوم التقارب بين الشعوب على التفاهم بينها”، وهو ما يعني أنَّ الروابط الإنسانية في العلاقات الصينية العربية تعدُّ جسرًا شديد الأهمية. 

من جانب آخر، تُولي الصين أهمية كبيرة لهذا التقارب الثقافي. وقد دخلت حركة الترجمة بين الصين والدول العربية في الاتجاهين، خلال السنوات العشر الأخيرة، مرحلة تطور سريعة نسبيًا. ويعود ذلك إلى الدعم الكبير الذي تقدمه الصين لمشاريع الترجمة؛ إذ دعمت انتشار الكتب الصينية على نطاق أوسع، باستثمارات أكبر ومجالات أرحب. كما تواصل زيادة دعمها للتعاون الدولي في مجال النشر، والسعي الحثيث لتعزيز التكامل والتنمية المشتركة بين الثقافة الصينية والثقافات الأخرى. على سبيل المثال، في مايو 2010م، وقَّعت الإدارة العامة للصحافة والنشر والأمانة العامة لجامعة الدول العربية مذكرة تعاون بشأن ترجمة ونشر الكلاسيكيات الصينية والعربية. وهكذا أطلق الجانبان مشروع ترجمة ونشر الكلاسيكيات الصينية والعربية، وهو ما قدَّم مزيدًا من الأعمال المتميزة لقرّاء الثقافتين، وأسهم في بناء “طريق حرير” ثقافي حديث. 

وكما جاء بالمقال، فقد تأخرت الترجمة من الصينية إلى العربية حتى ثلاثينيات القرن الماضي، وظلت محدودة. لكن الأمر مختلف اليوم من حيث عدد الأعمال المترجمة من الصينية وانتشار هذه الترجمات التي “بدأت تأخذ مكانها على خارطة القراءة العربية، ليس فقط الأعمال الصينية الكلاسيكية، بل كذلك في الأدب الحديث”. 

وكاتبة المقال يارا المصري نفسها مترجمة شابة متميزة، ومتحمسة لترجمة الأدب الصيني المعاصر. وقد انخرطت في هذا المجال سنوات عديدة وحقَّقت إلى جانب مترجمين آخرين نتائج مثمرة، وهو ما أسهم بشكل كبير في ترجمة الأدب الصيني ونشره في العالم العربي. وبصفتي زميلة لها في مجال الترجمة وصديقة مقربة، فأنا فخورة بها، وأتطلع إلى أن تنجز مزيدًا من الترجمات في المستقبل، وتستمر في بناء جسور للتبادل الثقافي بين الصين والدول العربية. 

يعزّز النمو المتسارع للصين من اهتمام العرب بها وبمعرفة مزيد عنها وعن حياة الشعب الصيني، ولم يعودوا يكتفون بالحصول على المعلومات عن الصين من وسائل الإعلام الغربية، التي تقدم أحيانًا معلومات خاطئة. كما أصبحوا أكثر اهتمامًا بالتواصل المباشر، وذلك بفضل الجهود الطويلة والمستمرة التي بذلها مجموعة من العرب المتميزين المتخصصين في الدراسات الصينية والترجمة، والباحثين الصينيين المتخصصين في اللغة العربية. وأعتقد أن القارئ العربي بدأ يلمس سمات الأدب الصيني الجديد والمتطور المفعم في كثير من أعماله بروح الفكاهة والسخرية والحيوية والتنوع بين الأعمال الأدبية. وإنَّني أُؤمن بأن التواصل المباشر بين الصين والدول العربية في غاية الأهمية، لأنَّه سيعزز الروابط بين الجانبين ويعمِّق التفاهم المتبادل. 

ويذكر المقال أنَّ التبادلات الثقافية بين المملكة العربية السعودية والصين شهدت في السنوات الأخيرة نموًا ملحوظًا. على سبيل المثال، دُشِّن مزيد من مشاريع التعاون في مجال الترجمة بين البلدين في إطار التبادل الثقافي. كما أعلنت وزارة الثقافة السعودية عام 2024م، عن إطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان، من أجل تعزيز التبادل الثقافي بين المملكة العربية السعودية والصين. ويمكن القول إنَّه استنادًا إلى الصداقة القوية بين الصين والدول العربية، فإن العلاقات الثقافية بين الطرفين تتقدم باطراد. 


مقالات ذات صلة

التقنية هي الصوت الأعلى ضجيجًا واليد الأشد بطشًا في عالمنا اليوم؛ ونحن نرى وجهها الرقمي الأبرز، الذكاء الاصطناعي، حاضرًا فاعلًا ومهيمنًا في أغلب منصات النقاش العالمية، من السياسة إلى الإعلام، مرورًا بالاقتصاد والطاقة والثقافة والرياضة وما سواهما من مجالات تستعصي على الحصر. وليس عجيبًا مع ذلك أن ينصب قسطٌ وافر من التركيز في المنتدى السعودي […]

تؤدي أنظمة المواصلات العامة دورًا محوريًا في حياة المدن الكبرى، فهي تُسهم في تحسين جودة الحياة، وتقليل الازدحام المروري، وخفض الانبعاثات الكربونية، فضلًا عن تعزيز كفاءة التنقل اليومي للسكان. ومع التزايد المستمر في أعداد السكان في المناطق الحضرية، أصبحت وسائل النقل الجماعي الحديثة، مثل: القطارات والحافلات ووسائل النقل الذكية، عنصرًا أساسًا في تخطيط المدن المستقبلية. […]

مصطلح تعدد الأصوات يُقصد به “اللاتجانس الخطابي”، الذي يُشير إلى الاختلافات بين الشخصيات على مستوى الحوار نفسه؛ إذ كلُّ شخصية تحمل فكرًا متمايزًا وأيديولوجية مختلفة، وذات اتجاه لا يتفق مع الشخصيات الأخرى. مقومات الخطاب متعدد الأصوات يمكن أن يوجد تعدد الأصوات في جميع الأجناس الأدبية، طالما اكتملت فيها العناصر اللازمة؛ إذ يتحوَّل الصوت إلى خطاب […]


0 تعليقات على “الصين والدول العربية ”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *