السينما ليست أداة ترفيه فقط وإنما هي مسؤولة عن الحفاظ على ذاكرة شعب جنباً إلى جنب مع الكتاب.فعندما يستعرض كاتب تاريخ أرضه، فإنما يحاول الحفاظ على ذاكرة الأرض وبالتالي على ذاكرة الشعب. وأتت السينما لتوثق ذلك عن طريق الصورة والصوت، وتغرس في كل فلم جزءاً من ذاكرة المكان أو الزمان في سياق السرد العام.
لذا، تنبع أهمية السينما السعودية ليس فقط من مناقشة العادات والتقاليد وتعريف العالم بالمملكة وأهلها، وإنما أيضاً من المحافظة على ذاكرة الشعب السعودي من خلال أفلام اجتماعية أو سياسية أو تراثية أو حتى غنائية أو خيالية.
السينما هي مسؤولية كبيرة في تقديم رؤية وطرح مشكلات والحفاظ على الذاكرة إضافة إلى الترفيه. وثمَّة سينمائيون سعوديون يحاولون جاهدين ترسيخ هذا المعنى والمفهوم لأهمية هذه الصناعة من خلال الندوات والمهرجانات واللقاءات السينمائية.
في البدايات، وعلى المستوى الخليجي، كان للوجود البريطاني دور كبير للغاية في تقديم هذه الصناعة إلى أبناء المنطقة. الأمر الذي أتاح لهم تسجيل شيء من تاريخهم المعاصر على بكرات. وتحمَّلت شركات النفط البريطانية على عاتقها هذه المهمة التي قدَّمت أيضاً أوجه النشاط الإنجليزية وأخبار العالم في ذلك الوقت، إضافة إلى ما كانت تصوره محلياً. وأعطى الجمهور لتلك الأفلام دور “المتحدث الرسمي” حتى الستينيات وأوائل السبعينيات، عندما نالت تلك الدول الخليجية استقلالها، تم إنشاء وحدات تصوير خاصة، مما أدى إلى عصر التلفزيون، الذي بدوره تحداه ظهور الفيديو.
كانت السينما في المملكة حاضرة منذ بداية خمسينيات القرن الماضي وحتى نهاية السبعينيات. فقد ظهر أول فِلْم محلي عام 1950م وحمل عنوان “الذباب”، من بطولة حسن الغانم، الذي سجَّل التاريخ اسمه باعتباره أول ممثل سينمائي سعودي.
أما في المملكة، فكانت السينما حاضرة منذ بداية خمسينيات القرن الماضي وحتى نهاية السبعينيات. فقد ظهر أول فِلْم محلي عام 1950م وحمل عنوان “الذباب”، من بطولة حسن الغانم، الذي سجل التاريخ اسمه باعتباره أول ممثل سينمائي سعودي.
وبدأ انتشار دور السينما ليشمل 4 مدن سعودية، هي الرياض وجدة والطائف وأبها. حتى وصل عدد دور العرض في جدة وحدها إلى 30 داراً. وكانت بعض دور السينما موجودة أيضاً في بعض مناطق المملكة مثل الدمام، خلال فترة السبعينيات. وفي حال السماح بإنشاء دور عرض سينمائية جديدة، كانت الأفلام المعروضة خاضعة لرقابة مسبقة، ومُنعت الأفلام غير المرغوب فيها، ووضعت قوانين صارمة تعاقب المخالفين.
وانتشرت دور السينما في شوارع الرياض الرئيسة، مثلها في ذلك مثل القاهرة وبيروت، وغيرها من العواصم العربية. وحتى سبعينيات القرن الماضي، ظلت السينما حالة اعتيادية داخل المملكة، يدعمها بعض رجال الأعمال، ويغلب على كثير منها الطابع التسجيلي. أما الجمهور فكان يقبل على مشاهدتها باهتمام في “الأحواش” المخصصة لعرض الأفلام، وأغلبها كانت في الأندية الرياضية. وتنوَّعت الأفلام بين الوثائقية التقليدية، والأفلام المصرية، وأفلام “الأكشن” الهندية. ثم كانت البداية الحقيقية للإنتاج السينمائي السعودي في عام 1966م، تاريخ إنتاج فلم “تأنيب الضمير” للمخرج السعودي سعد الفريح، من بطولة الممثل السعودي حسن دردير.
الإيقاف لم يغيِّبها تماماً
في السبعينيات من القرن الماضي، تم إيقاف العروض السينمائية. كما أن الإيقاف لم يغيِّب عالم الفِلْم بشكل مطلق عن الجمهور السعودي، إذ كان الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – قد وجَّه في عام 1965م، ببناء وإنشاء شبكة تلفزيونية. كما لعب تلفزيون أرامكو دوراً بارزاً في عرض الأفلام والمسلسلات الأجنبية المدبلجة. وكانت هذه البداية للمشاهدين الذين أدركوا أهمية التلفزيون كوسيلة للترفيه والحصول على المعلومة.
إضافة إلى ذلك، كان لدى البعض مرافق خاصة لعرض الأفلام، قبل عصر التلفزيون. وأتاحت لهم أجهزة العرض بمقاسي 16 و35 ملم إمكانية الوصول إلى الأفلام. فكانت معظم الأفلام تستورد من مصر، ومن النوعية الموجهة إلى الجمهور العربي.
ظلّ هذا هو الاتجاه السائد، حتى ظهر عدد من صنّاع السينما خلال النصف الثاني من السبعينيات، مثل محمد الجزاز الذي بذل جهوداً كبيرة ومتواصلة لبناء صناعة سينمائية كاملة التجهيز، ولكن بسبب ظروف لا يمكن تجنبها، تخلى عن صناعة السينما وانضم إلى تلفزيون “أم بي سي” في لندن، والمخرج عبدالله المحيسن الذي أنتج عدداً من الأفلام الوثائقية في المملكة، أهمها الفلم التسجيلي “اغتيال مدينة” عام 1977م، وتناول من خلاله موضوع الحرب الأهلية اللبنانية، وما تعرضت له مدينة بيروت نتيجة لتلك الحرب. بينما أخرج عادل عبدالمطلوب، الذي درس تقنيات السينما في القاهرة، فلمه الأول “قارئة الودع” كمشروع تخرج. ومع ذلك ترك السينما وانشغل بعمله الخاص، وانضم لاحقاً إلى وزارة الإعلام السعودية في ذلك الوقت. ولا ننسى طبعاً السينمائيين فؤاد جمجوم، وخليل الرواف، وسعد خضر.
إن السبب الأساسي لعدم قيام صناعة سينمائية في الخليج كان في عدم وجود سينما سعودية. وكان الحال سيبقى كذلك، لولا الإعلان في نهاية عام 2017م عن السماح بفتح دور العرض، وبالتالي قيام صناعة سينمائية حقيقية ومتكاملة في المملكة.
لكن الفن السابع في المملكة خلال السنوات العشر الأخيرة شهد، ظواهر جديدة، ويقظة فنية مختلفة توقف نجاحها واستمرارها على قدرات وإمكانات الشباب السينمائيين أنفسهم، إضافة إلى الاهتمام والرعاية الحكومية.
ومن هؤلاء الشباب على سبيل الذكر وليس الحصر المخرجون: هيفاء المنصور، وعبدالله العياف، وشهد أمين، وهناء العمير، ومحمود صباغ، وعبدالعزيز الشلاحي، وعبدالمحسن الضبعان، وممدوح سالم، وفيصل الحربي، وسمير عارف، وماهر الغانم، وبشير المحيشي، وعبدالله أحمد، ومحمد وبدر الحمود، وعبدالعزيز النجيم، ونواف المهنا، وعبدالمحسن المطيري، ومحمد الخليف، وطلال وعبدالرحمن عايل، وبكر الدحيم، وعبدالعزيز النجيم، وعمرو العماري، وعوض الهمزاني، وعلي الأمير، ورضوان خالد، ومحمد هلال، وحسام الحلوة، ومحمد الظاهري، وغيرهم كثيرين.
صناعة السينما في السعودية اليوم ووقعها التحفيزي في دول الجوار
إن السبب الأساسي لعدم قيام صناعة سينمائية في الخليج كان في عدم وجود سينما سعودية. وكان الحال سيبقى كذلك، لولا الإعلان في نهاية عام 2017م عن السماح بفتح دور العرض، وبالتالي قيام صناعة سينمائية حقيقية ومتكاملة في المملكة. وهذا ما أعطى الأمل لكثير من السينمائيين والمستثمرين في الخليج بقيام صناعة حقيقية في الخليج.
فمن تجاربنا الشخصية، أننا بعد أول فِلْم روائي في البحرين وهو “الحاجز” (عام 1990م)، اعتقدنا أن باب السينما فُتح واسعاً أمام صناعة السينما في البحرين. وبأنه سيكون هناك إنتاج سينمائي لن يتوقف. ولكن بعد سنتين من إنتاج هذا الفلم اكتشفنا بأن السينما لا تتحقق في بيئة ذات كثافة سكانية منخفضة، كما كان الحال في دول الخليج آنذاك، حيث كان مجموع عدد السكان حوالي 6 ونصف مليون نسمة من غير المملكة العربية السعودية. ودور العرض مجتمعة أيضاً لا تتجاوز 35 داراً، ولا تضم أكثر من 7000 كرسي، بمعدل 10 ريالات للكرسي. وبعملية حسابية بسيطة، كان الفلم الذي يكلف وقتها مليون ريال سعودي، يحتاج إلى أن يعرض في كل دور العرض في الخليج، وأن تكون كل مقاعدها ممتلئة لمدة عشرة أيام، كي يستعيد المستثمر المليون ريال. وهذا مستحيل.
كانت العملية صعبة جداً على المستثمر والمنتج وعلى الصانع. لذلك، تلافى كثير من المستثمرين والمنتجين والسينمائيين العمل في هذا المجال بسبب عدم وجود مردود مادي. وكان الإحباط يشمل الجميع طوال هذه السنين. وهذا ما انعكس على قطاع الإنتاج السينمائي في دول الخليج العربي، وأيضاً على الأجور، وحتى المنح الدراسية لدراسة السينما وكيفية صناعتها.
أما اليوم وبعد أن أُطلق العنان للسينما صناعةً وعرضاً في المملكة التي يتجاوز عدد سكانها 32 مليون نسمة، بات من المرجّح أن باباً فُتح لكل دول الجوار الخليجي لتحقيق أفلام سينمائية وعرضها على كثافة سكانية خليجية تقدَّر اليوم بـ 43 مليون وخمسمئة ألف نسمة، يضاف إليهم عدة ملايين من المقيمين. وبالاعتماد على مثل هذه الكثافة السكانية، والنسب المرتفعة المحتملة لعدد المشاهدين، بات من الممكن والمجدي اقتصادياً إنشاء بنية تحتية، والاستثمار في صناعة الأفلام وبناء دور العرض وإقامة المهرجانات ومدن السينما وجذب الصناعات السينمائية الأخرى إلى الاستديوهات ومراكز الإنتاج في المملكة والخليج. فالفلم السينمائي في أي بلد يحتاج إلى أن يشاهده ما يتراوح بين 10 و%15 على الأقل من عدد السكان لكي ينجح مادياً، وبوجود دور للعرض في كل مدن ومحافظات المملكة، يمكن للفلم الجيد أن يحقق مثل هذه النسبة نوعاً ما.
الورقة الرابحة: الجمهور السعودي
لم تكن صناعة الأفلام الروائية الخليجية الطويلة منتعشة، ونقصد بها الأفلام التي تُعرض في دور السينما. ولكن، من جانب آخر، ولوقت طويل، اعتمدت دور العرض في البحرين على الجمهور السعودي. وهذا ما أدى إلى تنشيط الاستثمار في دور العرض وتطويرها في دول الخليج. فالجمهور السعودي كان الورقة المهمة الرابحة الوحيدة في تنامي الاستثمار في السينما في دول الخليج.
واليوم وبعد انفتاح المملكة على صناعة السينما، سيكون للاستثمار مكانة كبيرة في هذه الصناعة التي ستجذب كثيراً من المهتمين من مختلف أرجاء العالم للمشاركة في هذه التجربة. وأعتقد أن هذا سينعكس مثلاً على وزارات التربية، حيث ستوفر مقاعد لدراسة السينما بكل عناصرها، وسيفتح المجال أمام كثير من الحِرف في البلد مثل المطاعم ومحلات صناعة الملابس وورش الديكور ومحلات تأجير السيارات والفنادق والعقارات وغيرها، فعند تصوير أي فلم لا بد أن تحتاج لكل هذه المحلات لفرق العمل ولتحقيق الفلم، ناهيك عن شركات الإنتاج التي ستكبر بهذا القرار، والانتعاش الأكبر سيصيب المستثمرين في دور العرض الحديثة، كما أن فرص العمل التي ستتوفر ستكون ضخمة، سواء عند تصوير فلم ما، أو من خلال شركات الإنتاج التي ستنشأ أو من خلال شركات دور العرض.
إن الحياة ستدب بقوة في السينما الخليجية بشكل عام، بفعل الحراك الحاصل اليوم في السينما السعودية.
ما هو متوقع من
السينما السعودية ولها
ستوثق السينما ذاكرة وتاريخ المملكة بشكل جيِّد للأجيال المقبلة، وسيرى الأدباء والشعراء والروائيون والمؤرخون والموسيقيون أعمالهم على الشاشة الكبيرة وسيشارك الجمهور برأيه فيها.
وستكون هناك مشاركات كثيرة للفلم السعودي والخليجي في أهم المهرجانات السينمائية التي وصل لها كثير من السينمائيين السعوديين من قبل. وستؤدي وزارة الثقافة السعودية دوراً كبيراً في نشر الثقافة السينمائية واستغلال انعكاساتها الثقافية.
ستكون هناك برامج تلفزيونية وإذاعية تُعنى بالشأن السينمائي ومدى تطوره، وسيكون هناك نقَّاد متخصِّصون في هذا المجال، وستزدهر الصفحات الثقافية في الصحف والمجلات السعودية وغيرها وسترهب المستثمر والصانع وتجعلهما يعييان حجم المسؤولية ليقدِّما أفضل ما يمكن للمشاهد.
أما على المستوى الفني، فسيكون التحدي الكبير في محاولة محاكاة الأفلام العالمية، ومحاولة الصنَّاع السعوديين والخليجين تقديم الأفضل، وسيُفتح الباب أمام أحلام كثير من الشباب والشابات في كل عناصر السينما ليبدعوا في التمثيل والموسيقى والإخراج والمونتاج والمؤثرات والديكور وتصميم الملابس وتصميم المجوهرات والإضاءة وهندسة الصوت والتصوير ومتابعة الإنتاج.
سيكون هناك مجتمع مشارك في كل شيء من خلال السينما، لأن الجميع أهل للثقة في المحافظة على عاداتنا وقِيَمنا وتقاليدنا.
هذه هي السينما عندما تدخل بلداً، تنعشه وتعلمه معنى الحرية وحدودها، وتسجل تاريخه وثقافته وتطوره وتنشره للعالم بكل سلاسة وسهولة.
اترك تعليقاً