مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مارس – أبريل | 2025

الحداثة الأدبية والنقدية في السعودية..

جذورها واتجاهاتها

يتقصَّى الباحث السعودي محمد الصفراني في هذا الكتاب، من منظور نقدي مقارن، جذور الحداثة الأدبية والنقدية في السعودية واتجاهاتها، ويخلُص إلى مجموعةٍ من النتائج، أبرزها على المستوى التاريخي مدى العمق الزمني للممارسة الأدبية عمومًا في المملكة في مختلف الفنون، مثل: الشعر والمقالة والقصة القصيرة والسيرة، وأن ظهور فن الرواية فيها قد سبق ظهورها في بعض الأقطار العربية، مثل: سوريا ولبنان، والسودان، والجزائر، والمغرب. ويوضِّح في هذا السياق أنه قد برزت أقلام مُبدعة في مرحلة النشأة نُشرت مساهماتها في القنوات المتاحة بالرغم من قلة الإمكانات في تلك الفترة. لكنه يؤكد، في الوقت نفسه، أن البدايات الأدبية وما واكبها من حركة نقدية قد عانت بسبب توجُّهٍ أراد جرَّها إلى الماضي حتى إن حاول الظهور بمظهر المُجدِّد.

فبعد فصلين خصَّصهما المؤلف لرصد ملامح النشأة الأدبية والنقدية في السعودية، يناقش مفهوم الحداثة كما يتجلى في السياق الإبداعي فيها على مدار سبعة فصول، فيقف تفصيليًّا على تطور هذا المفهوم من حيث الدور والوظيفة، محاولًا الإجابة عن مجموعةٍ من الأسئلة هي: كيف تشكّلت الحداثة في الأدب والنقد في السعودية؟ وهل كانت السعودية بمنأى عن الفكر التقدمي في المجالين الأدبي والنقدي الذي ظهر في مراكز الثقافة العربية منذ بدايات القرن العشرين؟ وما الذي جعل الحراك السعودي في هذين المجالين يغيب عن معظم مؤلَّفات الأدب العربي الحديث؟

وفي إطار سعيه إلى الرد على هذه الأسئلة، يوضح “الصفراني” أن الحركة الحداثية ارتبطت في السياق السعودي بالشعر ونقده تحديدًا، وأنها قد مرَّت بمراحل متعددة، أولها ما وصفه بمرحلة “الحداثة المترددة” التي مثَّلها، بحسبه، الأديب والمؤرخ عبدالقدوس الأنصاري بمحاولاته الشعرية والنثرية التي ارتدَّ عنها، التي أوجدت بدورها اتجاهًا نقديًّا أطلق عليه “الحداثة المُلتبسة” التي تدعي المنهجية والحداثة وهي أبعد ما تكون عنهما؛ لأنها “دراسات انطباعية تعج بمظاهر الذوق النسبية”.

ومع ذلك، لا ينفي “الصفراني” الأثر المهم لمثل هذه الدراسات الانطباعية في التسويق الإعلامي للأدب السعودي وتقريبه من القراء. أَعقَب ذلك مراحل لافتة كان بطلها، وفقًا لما نقرأ، الشاعر محمد حسن عواد أو “ترجمان الحداثة”، بحسب وصف المؤلف الذي أثبت، من منظور تاريخي، أسبقيَّته في كتابة الشعر الحر، المُعبر عن التوجُّه الحداثي، متقدمًا بذلك على شعراء آخرين سُلِّم بأسبقيتهم في هذا المضمار، مثل: محمد فريد أبو حديد، وعلي أحمد باكثير، وبدر شاكر السياب، ونازك الملائكة.

وكذلك يُقدَّم المؤلف ضمن إجاباته عن أسئلة الكتاب المركزية تحليلًا متعمقًا لمفهوم الحداثة وتجلياته في أبرز الكتب التي شكّلت وعيًا مبكرًا بالحداثة في المجال الإبداعي السعودي، مثل: مؤلَّفات عبدالله عبد الجبار، وعبدالرحيم أبو بكر. ويوضح أن من خلال استقراء هذه المؤلفات، بالإضافة إلى كتاب محمد حسن عواد “خواطر مصرَّحة”، الذي نشره عام 1926م، يتبيَّن أن مصطلح الحداثة أُشير إليه بمفاهيم متعددة، مثل: العصرية والمُعاصَرة والتطوير والتجديد والتنوير والتقدم والتحديث على نحوٍ لا يبتعد في جوهره كثيرًا عن مفهوم الحداثة الشعري كما تبلور واستقر لاحقًا.

ثم يدرس المؤلف مرحلة طرح الحداثة وبلورة مفهومها في نقد الشعر السعودي في الفترة ما بين عامي 1980م و1996م، التي تبدأ بكتاب “الكتابة خارج الأقواس” لسعيد السريحي عام 1986م، ويستخلص منه ومن غيره من المؤلفات مثل كتاب عبدالله الغذامي “الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية” الطرح النظري الذي أسهم في استقرار مصطلح الحداثة وعناصره الحاكمة التي تُؤسَّسُ عليها أيُّ قراءاتٍ تطبيقية في نقد الشعر، وهو ما قام به محمد الصفراني نفسه حين قدَّم في كتابه قراءةً تفكيكية لواحد من النصوص الشعرية التي تجلَّت فيها البُنية الحداثية، وهو نص “الأوقات” للشاعر محمد الثبيتي؛ وذلك لأنه يعدُّ، كما يكتب، “نموذجًا لشعر الحداثة في السعودية، وثمرة من ثمارها على المستوى الإبداعي”.


مقالات ذات صلة

تأليف: مايكل ستريفينز ترجمة: خالد الشايع الناشر، نادي الكتاب، 2024م يُعيد هذا الكتاب النظر فيما يمكن عَدُّه من المُسلَّمات في ميدان البحث العلمي، مثل ضرورة الاعتماد على المنهج وما يعنيه من التقيد بمجموعة من الضوابط والقواعد التي تساعد العَالِم على البرهنة على أفكاره النظرية، والوصول إلى نتائج متماسكة في ميدان تخصصه. ومن هذا المنطلق، يمكن […]

تأليف: مارك كوكيلبيرج ترجمة: عبدالنور خراقي وعبدالرحيم فاطمي الناشر، خطوط وظلال، 2024م يبدأ أستاذ فلسفة الإعلام والتكنولوجيا بجامعة فيينا، مارك كوكيلبيرج، كتابه باقتباس السطور الأولى من رواية “المحاكمة” لـ”كافكا” المنشورة عام 1925م، التي أشارت إلى واقعة القبض على “جوزيف. ك” صبيحة أحد الأيام دون أن يرتكب خطأ ما، والذي سيُعدم لاحقًا بعد محاكمة افتقرَت إلى […]

تأليف: منيرة بن مصطفى حشّانة الناشر، يافا للبحوث والدراسات، 2024م يُقدِّم هذا الكتاب إلى المكتبة البحثية العربية، من منظور نوعي متفرد، مفهوم “الأجواء” محاولًا تأصيله والكشف عن مدلولاته المتنوعة من أجل فتح آفاق للعمل البحثي والنظري والتطبيقي في مجال الجماليات والإنسانيات، وذلك بعد أن لاحظَت مؤلفته أستاذة الجماليات والفلسفة المعاصَرة بجامعة تونس منيرة بن مصطفى […]


0 تعليقات على “الحداثة الأدبية والنقدية في السعودية”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *