مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يناير – فبراير | 2025

الإبل والثقافة

الاحتفال بالإبل

بقلم شايستا خان وتصوير حاتم عويضة


مع تبدد ضباب الصباح فوق الصحراء المنبسطة، خرج راكب يمتطي ظهر جمل مزين بأشرطة حمراء، ويتقدم وحده، 100 جمل، وهتف إلى القطيع لبدء خوض غمار المنافسة في شكل هرولة في نهاية مضمار طويل مستقيم. هذه هي إبل الشقح العربية الأصيلة، تمتاز باللون البيج وموطنها في منطقة عرعر، بالقرب من الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية. تهتف الجماهير في المدرجات بينما تتحرك الإبل في انسيابٍ وتصعد بسنامها وتهبط به وتجري بدفع ركبتيها؛ كما تحلق فوقها بضع طائرات مُسيَّرة لتصوير هذا السباق الرائع. على بُعد بضع مئات الأمتار من المسار، يهتف راكب الإبل إلى القطيع مرةً ثانية. يغيّر القطيع اتجاه حركته، ويعود إلى نقطة الانطلاق.

إنه يوم مسابقة جمال الإبل التي تضم 100 جمل في مسابقة مزاين الإبل، والتي تضم أيضًا فعاليات مؤلفة من 10 و20 و30 و50 جملًا، وعشرات المسابقات الفردية، وحلبة سباق كاملة ومنفصلة طولها ثمانية كيلومترات، ومنصات عروض مخصصة لسباق الهجن. إنَّ ما بدأ منذ أكثر من عقدين كمهرجان بدوي في شمال المملكة العربية السعودية، أصبح على مدى العامين الماضيين، مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، وهو عبارة عن مهرجان رسمي لمدة 28 يومًا للاحتفال بهذا الحيوان الذي يعد رمزًا للوطن في المملكة. وفي هذا العام، استقطب المهرجان أكثر من 300 ألف متفرج، وجلب 1900 مالك معهم أهمَّ عناصر المسابقة، وهي: 38 ألف رأس من الإبل.يقدم هذا المهرجان، الذي ترْأسه دارة الملك عبدالعزيز ومقرها الرياض،

أكثر من عشر فعاليات وخيم للمعارض والتاريخ والحِرف اليدوية وغير ذلك الكثير، في معارض دائمة أُنشئت حديثًا. ويهدف المهرجان إلى جذب سكان الحضر – الذين قد لا يكونون في هذه الأيام على دراية بالإبل أكثر مما قد يكون نظراؤهم في ولاية تكساس على دراية بالخيول. 

يقول فواز المحرج، عضو مجلس إدارة نادي الإبل الذي أنشأته حكومة المملكة حديثًا، والمكلَّف بالترويج للفعاليات ذات الصلة بالإبل على مستوى المملكة: “هناك جمهور كبير يتابع الأنشطة المتعلقة بالإبل”. ويوضح قائلًا أنه في العام الماضي كانت فعاليات الإبل في المملكة العربية السعودية “تعزز وتوائم” رؤية المملكة 2030، الاستراتيجية الوطنية للتنويع الاقتصادي.

يضيف المحرج قائلًا: “يهدف المهرجان إلى أن يتحول إلى فعالية عالمية، بها خيم وإبل من دول أخرى، بالإضافة إلى إقامة علاقات دولية رفيعة المستوى سيربطها الناس تلقائيًا بالمملكة العربية السعودية”. 

يقام المهرجان الآن خارج مدينة الرمحية، شمال شرق الرياض، على مساحة تزيد على 10 كيلومترات مربعة، مع وجود مناطق مخصصة لمسابقة مزاين الإبل والسباقات؛ بالإضافة إلى المزادات والأسواق ومنطقة مركزية للترفيه العائلي حيث تُعرَض الإبل النادرة، والفنون المعتمِدة على شَعر الإبل، ومسابقة التصوير الفوتوغرافي والمعارض الثقافية. وكما يوضح المحرج، فإن الهدف من هذه الأنشطة أن تكون مجرد بداية لأكثر من ذلك بكثير: وتشمل الخطط رحلات السفاري على ظهر الإبل، ومصانع حليب الإبل، ومستشفيات للإبل، ومراكز أبحاث الإبل. 

بينما كنت أستمع إلى المحرج، كنت أسائل نفسي لماذا، في القرن الحادي والعشرين، تقام مثل هذه الفعالية التقليدية؟ لماذا لا تقام فعالية عصرية وعالمية، مثل الفورمولا وان؟ 

يُشارك سلطان العماني في لجان التحكيم بمسابقات الإبل منذ أكثر من 30 عامًا، في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فيما يراقب قطيع الشقح، يدوّن بسرعة بعض الأرقام على قطعة من الورق، وقد يشطب صاحب المرتبة السابقة. يشرح العماني قائلًا إن الجَمال هنا يكمن في عيون الناظرين المدرَّبين تدريبًا عاليًا: أعضاء لجنة التحكيم. ويؤخذ في الحسبان طول الناقة، وشكل أنفها وشفتيها، وبنية جسمها وتناسبه. ويواصل العماني شرحه: “يجب أن لا يزيد حجم أي عضو كثيرًا عن باقي الجسد”.

“يجب ألّا يكون جسمها كثير الوبر وكثير الدهون والشحوم، ولا نحيفًا للغاية. وأن يكون السنام مدوّرًا بشكل جيد. وأن توجد مسافة متناسبة بين السنام والرقبة. ويجب أن تكون الرقبة طويلة ونحيلة. ويجب أن يكون الأنف طويلًا، وعريضًا قليلًا عند الجسر – هذه علامة جيدة جدًا للجَمال. وأن تكون الآذان صغيرة وأنيقة، وينبغي أن تتدلى الشفاه. وكلما كانت الناقة أطول، كانت أكثر جمالًا”.

في الجوار، يتواجد عبدالعزيز الموسى الذي يبلغ من العمر 18 عامًا، في المهرجان لتقديم إبل والده في مسابقة الجمال. لقد نشأ وهو يحضر مهرجانات الإبل، وفي العام الماضي، فاز الموسى بجائزة المركز الثاني التي بلغت قيمتها 200 ألف دولار.

يوضح قائلًا: لرعي وتربية إبل جميلة، نقوم بعلفها الشعير والبرسيم المجفف. كما يوجد نظام تمرين خاص للقطيع يشمل جولات طويلة مرتين يوميًا وفحوص بيطرية شهريًا. ويعلق مازحًا: “أعتقد أنّها ستكون منافسة قوية بين إبل الأمير وإبلنا”. 

ونتيجةً لإجمالي الجوائز القيِّمة التي يبلغ مجموعها 57 مليون دولار، التي يتم توزيعها في نهاية المهرجان، ومنها حوالي 31.8 مليون دولار من أجل مسابقة الجمال وحدها، فإنه توجد قواعد صارمة لضمان التسابق العادل. يتحقق التسجيل الإلكتروني من أن كل جمل مزود برقاقة تخزن تفاصيلًا عن الجمل وصاحبه، ويتم فحص الإبل قبل كل فعالية. مع أن مكافأة المسابقة كبيرة، والهيبة الاجتماعية في امتلاك ما يمكن أن يكون قيمته مليون دولار – حرفيًا – من الجمال أو القطيع، إلا أن المخاطر كبيرة – والعواطف قوية.

على الرغم من هذه الحوافز، يوافق جاسر الهاجري على أنهم يحنّون إلى الحياة البسيطة، وأحيانًا حتى إلى الفوضى، في مزاين الإبل القديمة. يقولون، كان هذا تجمُّعًا اجتماعيًا أكثر حيث تلتقي العائلات التي ترعى وتربي الإبل بهدف تقدير الجَمال والبراعة. يقول الهاجري: “أما الآن، فالكل يريد أن يكون الأفضل ويفوز”.

في هذا العام، هناك طرق ووسائل أكثر للفوز: لأول مرة، هناك مسابقة لطاعة الإبل. فوزان الماضي، رئيس اللجان التنظيمية والميدانية، قام بتحكيم هذه المسابقة الجديدة. 

يقول الماضي: “هناك عدة طرق لاختبار طاعة الإبل: اختبارات بسيطة مثل جعل المالك يأمر الجمل بالجلوس أو الوقوف، أو يقدم السائس بعض العلف للجمل، وإذا استمر في تناول العلف على الرغم من مناداة السائس له، يُعتبر الجمل غير مطيع”.

وأكمل الماضي حديثه قائلًا: تنطوي الاختبارات الأكثر تعقيدًا على جعل اثنين من قطعان مختلفة الألوان المشي مع بعضها البعض، و”إذا اتبع جمل القطيع الخطأ على الجانب الآخر، فسيخسر القطيع”. وأضاف: “كما سيأخذ السائس الإبل في مساحات ضيقة للغاية، مما يتسبب في خوف بعضها وتراجعها”. ومن صميم المنافسة ألا ينفصل المالك عن إبله ويظلان معًا.

بعيدًا عن أرض المعارض، في مزاد الهجن، يتجمع الرجال والفتيان حول الحظيرة، بينما يقوم الدلاّل، ممسكًا بوقًا في يده، بإدخال ودعوة الأشخاص للمزايدة على ناقة لونها أصفر ذهبي وولدها. “ماذا؟” يسأل، “ألا يريد أحد المزايدة والشراء؟” مما يعلي صوت الحضور بالضحك والمداعبة. ينادي الدلاّل بصوتٍ عالٍ موضحًا أن هذا الزوج ثمين يستحق أكثر بكثير مما تراه العين. يتوقع أحد المراقبين أن السعر قد يصل إلى 60 ألف دولار. 

يقول فهد سعيد الدريبي، صاحب دار المزادات، إن حوالي 400 صفقة تمت خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من المهرجان، مما أدى إلى زيادة في أسعار الإبل على مستوى المملكة. ويوضح قائلًا إنه بإمكان المشترين هنا شراء أي شيء بدءًا من جمل واحد إلى قطيع كامل. يمكن أن يصل سعر الإبل إلى أكثر من سعر السيارات الفاخرة وشاحنات النقل وسيارات الدفع الرباعي الصحراوية: من حوالي 1500 دولار للجمل العربي العادي إلى أكثر من 750 ألف دولار لأعلى فئة من الإبل التي يتم تربيتها لخوض مسابقات المزاين وغمار المنافسات. ويضيف قائلًا: “الناس يشترون لشتى أنواع الأسباب أيضًا”. وأضاف: “ستكون صغار الإبل كافية لتحضير مأدبة عشاء كبيرة، أو ذكور الإبل لخوض غمار المنافسات أو الإنجاب، أو الناقة الجميلة لتربية قطيعها والمشاركة في المسابقات المستقبلية”. 

أكثر سلالات الإبل طلبًا هي شعل الصفراء، ووضحة البيضاء، وصُفُر، التي تكون صفراء مع سنام داكنة. يروي الدريبي بفخر قصة جمل أصيل قام ببيعه وفاز في السباقات لمدة ثلاث سنواتٍ متتالية.

في نهاية زيارتي للمهرجان التي استغرقت يومين، والتحدث مع عشّاق الإبل والخبراء والمتنافسين وآخرين، وجدت إجابةً عن السؤال الذي طرحته. بينما أشاهدهم وهم يداعبون إبلهم ويلعبون معها، وأقرأ بحماس الشِعر المتعلِّق بالإبل وقصصها، أتذكّر كَمْ أنَّ الجمل العربي جزء لا يتجزأ من هوية هذا البلد. 

أنشأ التجار الأوائل بمساعدة الإبل وعلى عاتقها، الحضارات الأولى لهذه المنطقة؛ وعلى عاتق الإبل في أوائل القرن العشرين، وحَّد الملك عبدالعزيز آل سعود مملكة اليوم. وانطلاقًا من هذه الموروثات، يعزز المهرجان شعورًا بالفخر أكثر من أي سباق “فورمولا وان” على الإطلاق



شايستا خان (www.linkedin.com/in/shaisthakhan) كاتبة مستقلة في مجال العلاقات العامة، تقيم في الظهران في المملكة العربية السعودية. وتكتب عن السفر والطعام والثقافة والمواضيع التي تلاقي صدىً واسعًا لدى جيل الألفية المتعدد الثقافات.

الصحافي حاتم عويضة (oweida@gmail.com; @oweidamamann) يقيم أيضًا في الظهران، حيث يعمل مصورًا فوتوغرافيًا في فريق الإنتاج الإعلامي في أرامكو السعودية.

للاطلاع على المقالة الإنجليزية من مجلة أرمكو وورلد.


مقالات ذات صلة

تتميَّز الحِرف اليدوية عن غيرها من المنتجات بأنها ثمار عمل على مستوى الأسرة، يختمر بهدوء في زوايا البيوت، ويعتمد في الإنتاج على ممارسات مستدامة، ونقل المهارات الحرفية عبر الأجيال.

شانغريلا؛ صينية بقدر ما هي تبتية. وعاء تمتزج فيه ثقافات شرقية عدة لتكون نسيجًا وحدَها في خريطة الصين المتنوعة بتنوع إثنياتها وتراثها.

مدينة نوردهافن أول مدينة في العالم يمكن الوصول إلى جميع المرافق فيها في غضون 5 دقائق.


0 تعليقات على “الإبل والثقافة”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *