يعيش أطفال اليوم مع عالم حميم خاص بهم، هو ألعابهم البلاستيكية التي تزخر بألوان وأشكال وأوجه استعمال لا حصر لها. ويستحوذ البلاستيك على صناعة معظم هذه الألعاب؛ نظرًا لتعدد ميزات استخدامه مقارنة بالمواد التقليدية مثل الخشب والمعدن، التي كانت تُستخدم قبل اكتشاف البلاستيك. فالبلاستيك خفيف الوزن وقابل للتصميم والتشكيل بسهولة، ويتمتع بخواص ميكانيكية وحرارية ممتازة. ولمَّا كان الأطفال من سن الرضاعة حتى البلوغ يقضون معظم أوقاتهم مع هذه اللُّعَب، يتساءل المرء عن مدى خطورتها على صحة فلذات أكبادنا، خاصة إذا علمنا أنها مصنوعة من مواد يدخل في تصنيعها عديد من المواد الكيميائية التي يحمل بعضها طبيعة سُميّة. هذا على الرغم من ادعاء بعض مصنعي تلك اللعب أنهم يتبعون إجراءات صارمة تضمن تحقيق السلامة للأطفال باستخدام ما يُعرف بـ”البلاستيك المتوافق غذائيًا” (Food grade plastic) لصنع تلك الألعاب. وسنحاول من خلال هذا المقال تقديم أهم المعلومات التي يتحتّم على الوالدين معرفتها لتجنيب أبنائهم الآثار السلبية على صحتهم من خلال التعامل مع تلك الألعاب.
تختلف بنية الألعاب البلاستيكية بحسب الغرض منها. قد تكون صلبة، كما هو الحال في مكعبات اللعب، أو على النقيض طرية كما في الدُّمى والمسننات (العضاضات) وغيرها. أبرز المواد البلاستيكية التي تُصنع منها لعب الأطفال ما يلي:
• متعدد الألوفينات (Polyolefin)، مثل متعدد الإيثلين (PE) ومتعدد البروبلين (PP)، وتُستخدم لصناعة الألعاب التي تتطلب صلابة ومتانة كما في لعب السيارات وغيرها.
• متعدد الفينيل (polyvinyl)، مثل متعدد الستايرين (PS) ومتعدد الفينيل الكلوريدي (PVC)، ففي حين يُستخدم الأول في صناعة الألعاب الرغوية ومكعبات الألعاب، فإن الثاني يُستخدم في صناعة الدُّمى والعضاضات والألعاب المنفوخة بالهواء والألعاب العائمة وغيرها.
• إكريلونتريل بيوتادائين ستايرين (ABS)، وتُستخدم لصناعة مكعبات البناء والليغو.
• متعدد أوكسي ميثلين (POM)، وتُستخدم في صناعة أجزاء اللعب التي تتطلب صلابة فائقة كالتروس المستخدمة في ألعاب السيارات.
• متعدد الكربونات (PC)، وتُستخدم لصناعة نظارات الأطفال.
• المطاط الصناعي وأشباهه مثل مواد الإيلاستومر الثيرموبلاستيكية (TPE) واستخداماته مشابهة لاستخدامات متعدد الفينيل الكلوريدي (PVC).
أين تكمن الخطورة؟
المواد المذكورة آنفًا هي في الأساس مواد عضوية في هيئتها النهائية بعد التصنيع؛ لذلك تُعدُّ مواد خاملة كيميائيًا، ولا تشكّل خطورة مباشرة على الصحة. فعلى سبيل المثال، يحتوي متعدد الإيثلين بعد تصنيعه على الكربون والهيدروجين، ويكون في حالة مشبعة وغير قابل للتفاعل في الظروف الطبيعية. وينطبق الأمر نفسه على بقية المواد المذكورة، باستثناء المركبات التي تحتوي على البنزين في تركيبها مثل الستايرين، وكذلك المونوميرات المعروفة بخطورتها مثل كلوريد الفينيل. إذًا أين تكمن الخطورة؟
المشكلة تتمحور في متبقيات المادة المحفزة ذات الأساس المعدني، والإضافات متعددة الأغراض، مثل المُلدّنات والمُلوّنات التي تعتمد في الأساس على المعادن المعروفة بسُميتها مثل الرصاص. إن تعرُّض الأطفال، وبخاصة الرضع، للتلوُّث المحتمل من جرَّاء التعامل مع تلك المواد، سواء عن طريق اللعاب أو الجلد أو الاستنشاق، ربَّما يشكّل خطرًا على صحتهم إذا علمنا أن أجسامهم ومناعتهم لم تكتمل بعد. فقد أشارت بعض الدراسات إلى وجود المعادن الضارة كالرصاص والزرنيخ والكادميوم في لعب الأطفال، خاصة الألعاب المستوردة من بعض الدول التي قد لا تطبق معايير صارمة لمراقبة سلامة لعب الأطفال من التلوث بالمواد الخطرة.
وأشارت دراسة نُشرت في مجلة “البيئة الدولية” (Environment International) (العدد 146، 2021م)، إلى وجود نحو 126 مادة كيميائية في لعب الأطفال البلاستيكية تحمل طبيعة سمية، من بينها 31 مادة تُستخدم بوصفها مُلدّنات للعب الأطفال. وفي بعض الدول المتقدمة كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية تُراقب تلك المُلدّنات، وخصوصًا مركبات الفثالات، وتُسن تشريعات لحظر بعضها. غير أن مكمن الخطر يأتي من الألعاب مجهولة المصدر، أو تلك التي تُستورد من دول لا تُطبق معايير ولا تسن تشريعات لضمان جودتها وسلامتها على صحة الأطفال.
هناك من يدعو إلى تطبيق مبدأ الاستدامة في صناعة لعب الأطفال، وذلك بإحلال البوليمرات الحيوية مكان بعض المواد. إلا أن ذلك لا يُشكِّل حلًا؛ إذ لا بدَّ من إضافة مواد أخرى إلى البوليمر الحيوي لتلدينه وتلوينه.
وختامًا، نقدم بعض النصائح عند شراء اللعب البلاستيكية للأطفال:
• تقليل عدد الألعاب قدر الإمكان. وعند الشراء، يجب اختيار منتجات الشركات التي تتبع معايير دولية وتسن تشريعات تحفظ سلامة تلك اللعب. كما يُفضل التواصل مع الشركة المصنعة للاستفسار عن المواد المضافة، مثل المُلدّنات والملونات وغيرها، لضمان سلامة الأطفال.
• الابتعاد عن الألعاب مجهولة المصدر، أو تلك التي تُنتج في دول تفتقر إلى التشريعات الصارمة؛ إذ يمكن أن يكون مصدر صناعة تلك اللعب البلاستيك المُعاد تدويره، وهو مَظِنَّة أن يحتوي على ملوثات عديدة.
• اختيار الألعاب أحادية اللون، والبعد عن تلك التي تحمل ألوانًا متعددة وفاقعة.
• تجنب الألعاب ذات القطع الصغيرة، خاصة للأطفال الصغار، فقد تؤدي إلى الاختناق إذا دخلت الفم أو الأنف. كما أن حواف الألعاب الحادة قد تسبب خدوشًا وجروحًا.
• إذا لاحظ الوالدان أي بوادر تحسّس جلدي أو تنفسي نتيجة استخدام لعبة ما، فيجب التخلُّص منها على الفور وطلب الرعاية الصحية.
اترك تعليقاً