مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2024

الأسود

فلسفة اللالون

فلسفة اللالون  

تأليف: آلان باديو 

ترجمة: جلال بدلة 

الناشر: الساقي، 2024م 

لا يُعدُّ هذا الكتاب أول المؤلفات التي اتخذت من اللون الأسود موضوعًا لها. فعلى سبيل المثال، ثمة كتاب المؤرخ الفرنسي المتخصص في تاريخ الألوان، ميشيل باستورو، الذي قدَّم فيه دراسةً متكاملة عن هذا اللون من منظور موضوعي بحت. لكن كتاب مواطنه الفيلسوف آلان باديو، الذي يحمل عنوان “الأسود.. فلسفة اللالون” يذهب في اتجاه آخر؛ إذ يغلب عليه الطابع الذاتي، لأنه يتضمن في مواضع كثيرة  سردًا شخصيًّا عن علاقة الكاتب باللون الأسود في مختلف فترات حياته، ومع ذلك، يبقى مُحملًا بمعانٍ عامة عن دلالات هذا اللون في سياقات ومجالات مختلفة. 

ولا يضمُّ الكتاب فصولًا، بل شذرات فلسفية وتأملات من وحي الذاكرة وخلاصات لقراءات سابقة، تتوزَّع على أربعة عناوين كبيرة، هي: الطفولة والشباب، وديالكتيكات الأسود، والألبسة، والفيزياء وعلم الأحياء وعلم الإناسة، وفيها يصطحب “باديو” القـارئ في جولة شائقة تضم أمكنة وأزمنة ترتبط باللون الأسود، وتضم مشاهد كان للعتمة فيها أدوار البطولة فترات الطفولة حين اخترع، وهو في الثامنة من عمره، لعبة سمَّاها “أزوف منتصف الليل”، وفيها يوجد عدد من اللاعبين الأطفال في غرفة مُطفأة الأنوار تمامًا، يدخل عليهم بعد ذلك لاعبان آخران، كانا “مُقْصَييْنِ خارج العتمة”، فيتحسسان مكانهما في الظلام المطبق سعيًا وراء الإمساك بهم. وهنا، في هذا السياق، كما يشرح الكاتب، كان ثمة استمتاع بالسواد لكونه محورًا أساسًا في اللعبة بعيدًا عن معناه الشائع المرتبط بالخوف والقلق، وهو المعنى الذي خبره بعد عامين فترة الإجازة الصيفية في واحدة من القرى الصغيرة في جبال البرانس، حين كان يذهب يوميًّا لشراء الحليب في طريق يمكث فيه على الدوام كلب أسود لا تظهر منه غير عينيه في الظلام الدامس، كان يخشى كثيرًا عضته المحتملة في أي لحظة أثناء مروره. ثم نجد الكاتب في مشهد آخر يجمعه باللون الأسـود، حين كان جنديًّا مسؤولًا عن إطفاء موقد الفحم في ليالي الشتاء في معسكره، بما كان يضفيه ذلك من “لمسة سوداء في الأرجاء”. 

ويتأمل المؤلف في دلالة اللون الأسود المتعلقة بما سمَّاه “سواد المعنى المُنتزع من سواد المادة”، وهنا يستدعي “المِحْبَرة” ولحظات “تلطيخ الحبر للأصابع” الذي عدَّه “الوجه الآخر للكتــابة”، فعَبْرَ سواد الحبر الذي ينسكب على الصفحات البيضاء تتشكَّل معاني الجمـل، ويتحقَّق الإبداع. ونستشعر حنين الكاتب إلى زمن الدراسة، بتذكُّره السبورة السوداء التي كانت تنتظر التلاميذ المُختارين من أجل اختبار ما؛ فيكتبون خطوطًا مائلةً تُثير ضحكًا يتأكد حين يبدؤون بعطاس تسبَّب فيه غبار الطباشير البيضاء.  

أمَّا “ديالكتيكات الأسود”، بمعنى تناقضاته التي ناقشها الكتاب، فالمقصود بها عمومًا “ثنائية الأسود والأبيض المصيرية”، على حد تعبير “باديو”، فـ “الأسود” يعني غياب كلّ لون، و “الأبيض” هو مزيج مشوب للألوان كلها، وثمة تواطؤ بين الاثنين؛ لأن معهما يختفي اللون الواقعي، كما أن وجود أحدهما لا يعني إلا غياب الآخر. 

ويتعرَّف القارئ على دلالات أخرى متنوعة للأسود، فهو لون الحداد، ونذير شؤم في حالة الغربان السود والقطط السوداء، وهو لون النفس الشريرة، والشيطان قابع فيه. ويتبيَّن معانيه في المجالات العلمية، في علمي الفيزياء والفلك على سبيل المثال، عند الحديث عن “الثقب الأسود”، و “مادة الكون السوداء”. 


مقالات ذات صلة

صدر مؤخرًا كتابان يسلطان الضوء على العلاقة العميقة بين الخيل والإنسان. يُقدم “الغزاة والحكام والتجار” للمؤرخ ديفيد شافيتز لمحة عن دور الخيول في الحضارات، بينما يُعيد “ضربات الحوافر” لويليام تايلور صياغة القصة الملحمية للخيل مستندًا إلى أحدث الاكتشافات العلمية، ليحل محل الأساطير القديمة.

Money: A Story of Humanity
by David McWilliams
تأليف: ديفيد ماكويليامز
الناشر: 2024م، Simon & Schuster UK

The Haunted Wood: A History of Childhood Reading by Sam Leith 
تأليف: سام ليث  
الناشر: 2024م، Sutherland House Books


0 تعليقات على “الأسود  ”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *