شهدت صناعة السيارات تقدمًا كبيرًا خلال العقود القليلة الماضية من المحركات الكهربائية القوية، وأنظمة الترفيه المتطورة، والملاحة المعتمدة على الأقمار الصناعية، إلى الأنظمة ذاتية القيادة الذكية؛ فالابتكار لا يتوقف. لكن هذه التطورات تجاهلت، حتى وقت قريب، أحد العناصر الحيوية في السيارة، وهي الإطارات التي تعدُّ الجزء الوحيد من السيارة الذي يتصل مباشرة بالطريق. فبقيت تلك الإطارات على وضعها التقليدي لأكثر من قرن دون تغيير يستحق الذكر، إلى أن برزت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أنظمة مراقبة ضغط الإطارات، التي تُعدُّ خطوة أولى نحو عالم الإطارات الذكية.
منذ أن اختُرعت حوالي عام 3500 قبل الميلاد، كانت العجلات تعاني دائمًا مشكلة التآكل والتلف السريع. والتطوُّر المهم الذي أُدخِل على العجلات، مع انطلاق الثورة الصناعية، هو الإطارات المطاطية. وكان الأوروبيون قد تعرفوا على المطاط الطبيعي في أواسط القرن الثامن عشر عندما جاء به مستعمرو أمريكا الجدد من شجرة المطاط هناك.
بعد قرن من اكتشاف المطاط، حصل المخترعان البريطانيان توماس هانكوك وتشارلز غوديير عام 1845م على براءات اختراع لعملية “الفلكنة” له. والفلكنة هي معالجة المطاط الطبيعي بإضافة الكبريت إليه، ليصبح صلبًا ومرنًا في الوقت عينه، كما يصبح مقاومًا للماء والشتاء، وهو ما يجعله مادة مثالية للإطارات. وبذلك دخلت الإطارات عصر المطاط.
ثم جاء التطوُّر الكبير الآخر عام 1887م عندما اشتكى ابن جون بويد دنلوب، المخترع الإسكتلندي والجراح البيطري، من خشونة ركوب إطارات دراجته المطاطية الصلبة، فاخترع دنلوب أول إطار مطاطي هوائي لدراجة ابنه ثلاثية العجلات، وهو ما جعل الركوب مريحًا أكثر من السابق.
ولكن الابتكارات المهمة في صناعة الإطارات تأخرت، منذ ذلك الحين، لأكثر من قرن حتى ظهور الإطارات الذكية التي بدأت تُحدِث ثورة في تكنولوجيا السيارات. (لمزيد من المعلومات عن تاريخ العجلات وأهميتها في تطور الحضارة، انظر القافلة: لمَ لا نرى العجلات في الطبيعة؟ مارس – أبريل 2016م).
ما الذي يجعل الإطار ذكيًا؟
تجمع الإطارات الذكية بين التصميم المبتكر والتكنولوجيا المتقدمة، وهي مزوَّدة بشبكة من المستشعرات المدمجة التي تراقب مجموعة من العوامل والمتغيرات، مثل: ضغط الهواء في الإطار، ودرجة حرارته، ومستوى التآكل، وحالة الطريق، وعمق المداس، والحالة العامة للإطار.
تُجمع هذه البيانات وتُنقل الى كمبيوتر السيارة أو إلى جهاز محمول متصل من خلال البلوتوث، وهو ما يُتيح للسائقين مراقبة حالة الإطار لتحسين الأمان والكفاءة. وهذا يُسهم في تقليل الحوادث وزيادة عمر الإطارات. والتقنيات التي تجمع هذه البيانات هي:

– المستشعرات المدمجة، وهي مستشعرات خاصة بضغط الهواء ودرجة الحرارة وحركة الإطار، وهذه المتغيرات تتغير تبعًا لحالة الإطار العامة وعوامل الطريق.
– رقائق تحديد الهُوية للإطار بالتردد اللاسلكي، حيث تُخزَّن معلومات مهمة عن الإطار، مثل: تاريخ الإنتاج، وبلد المنشأ، وخصائص المواد المستخدمة في إنتاجه، وسجل الصيانة.
– أجهزة الاتصال اللاسلكي التي تحتوي على أجهزة إرسال بلوتوث أو إشارات لاسلكية منخفضة الطاقة؛ لنقل البيانات إلى كمبيوتر السيارة، أو إلى تطبيق خاص على الهاتف المحمول.
– المعالجات الدقيقة باستخدام الذكاء الاصطناعي؛ إذ تُدمج معالجات دقيقة وخوارزميات ذكاء اصطناعي في تلك الإطارات لتحليل البيانات والتنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها، مثل: الانفجارات المحتملة، أو أنماط التآكل غير المنتظمة في الإطارات.
وهناك جيل جديد من الإطارات قيد الإطلاق متصل بشبكات الجيل الخامس وإنترنت الأشياء، التي توفر بيانات يمكن للذكاء الاصطناعي معالجتها لتحسين السلامة والكفاءة والأداء.
المواد المتقدمة المستخدمة في تصنيعها
شهدت صناعة الإطارات المطاطية تطورًا كبيرًا بفضل استخدام المواد المتقدمة، خاصة البوليمرات مثل المطاط الصناعي المعزز بجزيئات النانو مثل “النانوكربون” و “النانوسيليكا”، التي تتميز بمتانتها العالية، ومرونتها وقدرتها على تحمُّل الضغوط ودرجات الحرارة المتغيرة.
كذلك تطورت هذه الإطارات بفضل استخدام اللدائن الذكية متذكرة الشكل (تتغير لكنها تتذكر شكلها السابق ولها القدرة على الرجوع إليه)، والمواد الكهروضغطية التي تُعطي تلك الإطارات قدرة استثنائية على التكيف مع ظروف الطريق المختلفة، والظروف التشغيلية القاسية مثل درجات الحرارة العالية والاحتكاك مع الأرض.
قيادة سيارة ذات إطارات ذكية
تُعدُّ قيادة أي مركبة ذات إطارات ذكية تجربة فريدة من نوعها؛ لأن سائق تلك المركبة سيكون في حالة تفاعل مباشر مع الإطارات والطريق؛ إذ توفر له تلك الإطارات الذكية مراقبة دائمة لحالة الإطار. وهذه المعلومات القيمة سوف تمنح السائق فرصة ثمينة للتوقف بأمان في حال ارتفعت حرارة الإطار بشكل مفاجئ، أو انخفض ضغط الهواء بشكل حاد. كما تُمكّن السائق من معرفة مدى جودة مكابح المركبة وإن كانت بحاجة إلى تغيير أو صيانة.
كذلك، فإن الإطارات الذكية قادرة على التنبؤ باحتياجات الصيانة قبل ظهور المشكلة؛ إذ يصبح بإمكان السائق معرفة نقاط الضعف في الإطار، ومن ثَمَّ، الحؤول دون انفجاره بشكل مفاجئ، فيمنع بذلك وقوع مثل تلك الحوادث القاتلة.
من جهة أخرى، ستحسّن تلك الإطارات أداء المركبات من خلال تعديل بعض خصائصها الديناميكية. فمثلًا، إذا كان الطريق وعرًا، فإنه يُنقل ذلك إلى كمبيوتر السيارة من خلال الإطارات الذكية، ومن ثَمَّ، تُعدَّل إعدادات نظام التعليق في المركبة بشكل تلقائي لتحقيق أقصى درجات الثبات والراحة.
والإطارات الذكية قادرة على استشعار الطرق الرطبة أو الجليدية أو غير المستوية، ومن ثَمَّ، تغيير نظام عمل الكوابح لتصبح قادرة على تثبيت المركبة بشكل مناسب ومنع انزلاقها.
وأهم من ذلك، أنه مع ظهور المركبات ذاتية القيادة، تؤدي الإطارات الذكية دورًا حيويًّا ومهمًا لضمان سلامة وموثوقية تلك المركبات؛ لأنها توفر كمًا هائلًا من البيانات حول البيئة المحيطة بالمركبة وحالة الطريق وغيرها. وتعمل تلك الإطارات على حماية المركبة من الانقلاب في حال حدوث تغيُّر مفاجئ في مسار المركبة، كما في المنعطفات الحادة أو عند التوقف المفاجئ.
تحديات أمام الإطارات الذكية
على الرغم من الفوائد الجمة لهذه الإطارات والمميزات الهائلة التي تتمتع بها، فإن هناك تحديات تقف في طريقها وتتطلب حلولًا تقنية وتشريعية وقانونية.
تقنيًا، تعتمد الإطارات الذكية بشكل رئيس على مجموعة من المستشعرات القادرة على نقل البيانات الخاصة بالإطار إلى كمبيوتر السيارة، كما أسلفنا. وهذه المستشعرات ما زالت ذات دقة محدودة في بعض الحالات وعُرضة لنقل بيانات غير دقيقة، ولم تُختبر بشكل فعلي تحت ظروف تشغيلية قاسية لفترات زمنية طويلة. وهذا ما يؤثر في مدى قدرة نظام الكمبيوتر في المركبة على تحليل تلك البيانات ونقل التنبيهات للسائق.
كذلك تتطلب هذه الإطارات تطوير معايير صناعية دقيقة لها، بحيث تكون متوافقة مع مجموعة كبيرة من المركبات ذات الأنواع المختلفة، وأن تحقق أيضًا تكاملًا سلسًا مع أنظمة المركبة الأخرى، مثل نظام الفرامل المانع للانزلاق، وكذلك نظام التحكم الديناميكي، والتوافق مع المركبات القديمة التي لا تحتوي على أنظمة كمبيوتر متطورة.

واقتصاديًا، تُعدُّ كلفة إنتاج تلك الإطارات الذكية أحد العوائق الرئيسة التي تقف حجر عثرة في طريقها، فإنتاجها يتطلب استخدام بوليمرات ذكية وتقنيات النانو مع دمج أجهزة الاستشعار الدقيقة ونظام الاتصال في الإطار، وهذا يؤدي إلى ارتفاع التكلفة الأولية لسعر الإطار مقارنة بالإطارات التقليدية الموجودة حاليًا في الأسواق.
من جهة أخرى، فإنَّ توافق تلك الإطارات مع نظام الكمبيوتر في المركبة يتطلب تطوير برمجيات مدمجة ومحدّثة بشكل مستمر لتحسين أداء أجهزة الاستشعار، وهذا يشكل عبئًا ماليًا إضافيًا على المُصنّعين وعلى المستهلكين على حد سواء.
وعلى الصعيد البيئي، يؤدي إدخال مواد كيميائية متطورة مثل البوليمرات وغيرها إلى الإطارات إلى استهلاك طاقة عالية.
ولكن المستقبل واعد
على الرغم من جميع التحديات التقنية والاقتصادية التي تواجه الإطارات الذكية، فإن استمرار الاستثمار في البحث والتطوير سيذلل تلك العقبات كافة، وسيجعل الإطارات الذكية جزءًا أساسًا من الحلول العالمية لمنظومة النقل الحديثة ومستقبل المركبات المستدامة والذكية. ويُتوقع أن تُحدث الإطارات الذكية تحولًا جذريًا في عالم صناعة السيارات المُستقبلية خلال السنوات القليلة المقبلة. ومن أهم التطورات التي تلوح في الأفق:
أ – الصيانة التنبؤية: ستكون الإطارات الذكية قادرة على تقديم توقعات أكثر دقة بشأن حالة الإطار واحتياجات الصيانة.
ب – الإطارات ذاتية الإصلاح: يعمل الباحثون الآن على إنتاج إطارات ذكية تستطيع إصلاح نفسها تلقائيًا عند تعرضها لضرر طفيف، وذلك باستخدام مواد قادرة على سد الثقوب التي قد تحدث في الإطار وإغلاقها.
ج – إطارات من دون هواء: تسعى شركات عديدة إلى ابتكار هذا النوع من الإطارات لتفادي مشكلات الثقوب والانفجارات وغيرها في الإطارات الهوائية. وفي هذا السياق، أعلنت وكالة ناسا الفضائية في نشرتها بتاريخ 21 يناير 2025م، عن صناعة مثل هذه الإطارات لاستخدامها على سطح المريخ الصخري وغير المستوي. لكن، وعلى الرغم من مميزات هذا النوع من الإطارات، فإنها ذات تكلفة تصنيعية عالية جدًا مقارنة بالإطارات التقليدية.
د – الإطارات ذاتية التكيف: سيكون في استطاعة إطارات المستقبل الذكية استكشاف ظروف الطريق وتغيير درجة صلابتها استجابة لتلك الظروف، وذلك لمزيد من المرونة والسلامة في حركة المركبة.
هـ – الاندماج مع المدن الذكية وإنترنت الأشياء: ستتمكن الإطارات الذكية من التواصل مع البنية التحتية للمدن الذكية، وهذا يساعد على تحسين تدفق حركة المرور وتقليل الازدحام وتعزيز السلامة. كذلك ستعمل هذه الإطارات على تنبيه فِرق الصيانة المتخصصة في المدن بوجود عوائق على الطرق أو حُفر أو أضرار، وهذا سيمكّن فرق الصيانة من رصد تلك المشكلات والعمل على إصلاحها.
هذا، وتُعدُّ الإطارات الذكية خطوة رائدة في عالم سيارات المستقبل، فهي تجمع بين الابتكار الهندسي والذكاء التكنولوجي من أجل تحقيق مستويات متميزة من الأداء والسلامة والكفاءة للمركبات.
باختصار، تمثل الإطارات الذكية مثالًا على قدرة التكنولوجيا المتقدمة على إعادة تشكيل مفاهيمنا حول المألوف؛ لتصبح عنصرًا ديناميكيًا وفاعلًا وأساسًا في منظومة النقل في المستقبل.
اترك تعليقاً