في عددها لشهر محرم 1390هـ (مارس- أبريل 1970م)، نشرت القافلة تقريراً من إعداد هيئة التحرير عن فن العمارة التقليدية في المملكة، الذي لفت إلى تنوُّع طرز البناء ما بين منطقة وأخرى، مع التوقف بشيء من التفصيل أمام بعض المعالم البارزة في هذا المجال مثل قصر المربع في الرياض. وفي ما يأتي مقتطفات من هذا التقرير:
العمارة في الجنوب
كان نمط البناء مأخوذاً عن الكوخ الإفريقي المبني من أغصان الأشجار التي تلتقي في السقف، ويكون البناء دائرياً يبلغ قطره نحو ستة أمتار، أما علو جدرانه فحوالي الثلاثة أمتار. وفي عسير، كان فن البناء يختلف اختلافاً كلياً عما ذُكر، إذ يطبّق هناك أسلوب المداميك المزدوجة في البناء. ويتألف المدماك المزدوج من اللبِن من الداخل ومن صفوف من الحجارة البارزة من الخارج.
وفي المناطق الجبلية كانت الجدران تُبنى برمتها من الحجارة، وتضيق النوافذ والأبواب لتفادي الرياح العاصفة والبرد القارس. وتُبنى مواقد مستطيلة في أحد أطراف المجلس تستخدم في صنع القهوة أو لأغراض التدفئة. ويشاهد في عسير بنايات قديمة ترتفع إلى خمسة طوابق أحياناً، مبنية من اللبِن المجفَّف بأشعة الشمس، ومن الغريب أن هذه البنايات تشاد مائلة قليلاً، ويقال إنها كذلك تكون أمتن وأرسخ. وتحلّى جدرانها من الخارج وأطر نوافذها بالطوب الأحمر. وتطلى نوافذ الطابق العلوي بالجير الأبيض (النورة). أما الأجزاء الداخلية للبناء فتزدان بالزخارف والنقوش.
قصر المربع
وفي منطقتي الرياض والقصيم، كانت البيوت تُشاد من اللبِن المجفَّف بأشعة الشمس، وهي نادراً ما ترتفع إلى أكثر من طابقين، ما عدا بعض القصور والقلاع الضخمة، كقلعة المصمك التاريخية في الرياض. ويقوم البناء في نجد حول فناء فسيح، وتعلو جدرانه عن سطحه حوالي مترين أو أكثر، وتُحلَّى الأجزاء العلوية منها بفتحات تشبه فتحات المعاقل والحصون.
وتتميز مباني هذه المنطقة بسُمْك جدرانها وارتفاع نوافذها وضيقها. وفيما عدا خرط خشب الأبواب وحفر نقوش فيه وطلائه بالألوان الزاهية، وتزيين بعض أجزاء البناء بزخارف من الجبس أو الخشب المطلي، لا يلاحظ في مثل هذه الأبنية إلا زخرف بدائي بسيط.
بيد أن أبنية الخاصة في مختلف هذه المناطق، تختلف عن أبنية العامة وتبرزها من حيث السعة والعلو والزخرف، وإن كانت في أغلب الأحيان غير ذات طابع واحد مميز. ولعل قصر المربع الذي بناه جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز موحِّد الجزيرة العربية ومؤسس الدولة السعودية الحديثة قبل نحو نصف قرن أفضل مثال على ذلك. فالقصر أموي النمط من حيث قيامه حول ساحة مبلطة تتوسطها بركة ذات نوافير، وأبوابه محلاة بنقوش وزخارف أخّاذة، في حين تضفي ألواح الزجاج الصغيرة الملونة على نوافذه رونقاً رائعاً. ويتألف القصر من طابقين يضمّان غرفاً فسيحة وردهات رحبة وشرفات ذات حواجز مزخرفة.
أما سوره ومدخله فتقليديان من حيث الارتفاع والشكل، وأمام البوابة دهليز مسقوف ذو صفات ومقاعد حجرية، وإلى جانب القصر تقوم غرف رجال الحرس والقائمين على خدماته. أما أرضية القصر فمن إسمنت أبيض أو ملوّن شبيه إلى حد ما بالبلاط التقليدي المستعمل في أيامنا هذه. وتتميَّز غرف القصر وردهاته بسعتها وارتفاع سقوفها وزخرفة أبوابها، وهو لا يزال بحالة جيدة.
في المنطقة الشرقية
وفي المنطقة الشرقية تُعدُّ واحتا الأحساء والقطيف من أعرق الأقاليم عمراناً، حيث كانت تقوم قلاع وحصون ذات أبراج عالية. ولأن المنطقة تشتهر بنخيلها، فقد اعتمد على سعف النخيل وجذوعه في سقف الأبنية وصنع أبوابها ونوافذها، وكثيراً ما كانت العامة تبني أكواخها من جذوع النخيل وجريده وسعفه، كما كان الحال في قرى الدمام والخبر التي عمّرها الدواسر بعد هجرتهم إليها من البحرين.
ومن مواد البناء الأخرى في هذه المنطقة الطين الغريني المجلوب من البحر أو من الحفر التي كانت تحفر خصيصاً لذلك في الأراضي السبخة، وكانوا يمزجونه بالتبن بغية تقويته وزيادة تماسكه، والجبس الذي يستخرجونه محلياً لتملط به جدران البناء من الداخل، والقصب والحصير التي تدخل في سقف البناء. وكانت أغلب بيوت الأحساء والقطيف تتألَّف من دور واحد وتدلف إليه من بوابة شحيحة العرض. فتدخل إلى مجلس نصفه مسقوف ونصفه الآخر مفتوح، وهو عبارة عن فسحة صيفية كان الخاصة يفرشونها بجريد النخل ويستعملونها كمجلس صغير.
ولأن المنطقة كثيراً ما تتعرَّض للعواصف الرملية، فإن نوافذ مجالس الأبنية القديمة فيها كانت تتسم بالارتفاع والضيق.
في غرب المملكة
وفي المدينة المنورة يمكن تقسيم البنايات القديمة إلى فئتين، شاهقة وبسيطة. فالبنايات الشاهقة كانت تُشاد من حجر المدينة الأسود المنحوت نحتاً أولياً والطين الذي يخلط بالرماد المخلوط بدوره بالجير الأبيض. أما السقوف فهي من جذوع النخيل وسعفه، ثم تغطى بطبقة من الطين. وتصنع الأبواب والنوافذ من خشب السمر أو السدر أو ألواح الخشب المستوردة. أما البنايات البسيطة فتشاد من اللبِن المجفَّف بأشعة الشمس أو من الطوب المشوي. ولكن أسسها تُبنى بالحجر والطين.
وتتكوَّن البناية الشاهقة في العادة من ثلاثة طوابق أو أربعة. يتألف الأول منها من دهليز فسيح، وربما يحوي مجلساً أو مجلسين وديواناً وقاعة. أما الديوان فهو عبارة عن غرفة نصفها مسقوف ونصفها الآخر مفتوح، وذلك بقصد التهوية والإنارة، ويؤدي الديوان إلى صالة ذات دكتين مرصوفتين بالحجارة مملوطتين بطين مضغوط يصنع من الجير الأبيض والرماد، وكثيراً ما تزين المجالس رواشن خشبية متعدِّدة النوافذ تصنع من خشب مشبك (شیش) يصنعها نجارون مهرة. أما الطوابق الأخرى فتضم كل منها ما يسمى (صفة)، وهي قاعة تقوم فوق سقف الدهليز، ومجلسان يقومان على سقف القاعة، وربما مجلساً واحداً فسيحاً ومجالس خلفية تقوم على سقف الديوان والقاعة. ومن الجدير بالذكر أن الطابق الأرضي كان يضم بئراً ذات فتحة تمر عبر جميع طوابق البناء لكي يتمكن المقيمون فيها من متح ماء البئر دون أن ينزلوا إليها. أما الآن فقد دخلت مواسير الماء النقي جميع البيوت.
أما المباني البسيطة، وهي غالباً ما تكون بيوت عامة القوم فتتألف من مدخل (سیب) ودكة دهليز ونوافذ تنفتح على الخارج وغرف نوم تكون في مؤخرة البناء، ولا يُراعى في إنشائها نظام معيَّن. وهي تُبنى بالحجارة والطين أو باللبن، وتملَّط جدرانها بالنورة، أما سقفها فيبنى من جذوع النخل وسعفه، وأبوابها من خشب السدر أو الخشب المستورد.
وفي مكة المكرمة كان يتبع أسلوب البناء نفسه بيد أن المجالس والقاعات تضيق، وذلك لزيادة عدد الغرف بغية الانتفاع بها في مواسم الحج.
وفي مدينة جدة، على ساحل البحر الأحمر وحتى القرن الحادي عشر للهجرة، كانت المباني تتألف من طابق أو طابقين، وقلما تتألف من ثلاثة طوابق. وكانت واجهاتها مستوية ونوافذها صغيرة وكانت تُبنى على السطح العلوي غرفة صغيرة ذات نافذة مطلة على بوابة البناية، أما السلالم فعالية ضيقة، وهي تارة تبنى من الحجر الدبش وتارة من الطوب أو اللبِن. أما السقوف فتُبنى من جذوع النخل وجريده وسعفه، باستثناء سقوف المباني العامة من مساجد وغيرها فكانت تبنى من جذوع (الدوم) التي “تدوم” على الزمن.
ويدلف العابر إلى هذه المباني من باب لیس رحباً يعلوه حجر مستطيل ضخم (نجاف) يكون في الغالب منحوتاً، ويدخل إلى الدهليز، ومنه إلى القاعة أو الديوان، فالمجلس (الدقيسي) الذي يُعد خصيصاً للضيوف. هذا في الطابق الأول من البناء، أما الطوابق الأخرى فهي شبيهة به من حيث التصميم، وإن كانت أحياناً تختلف عنه بتقسيماتها الخلفية. وفي القرنين الهجريين الثاني والثالث عشر، طرأ على فن البناء بعض التطور إذ أدخلت الرواشين في تزيينها واستعمل الحجر المستخرج من البحر في تبليط أرضها، والطوب الملون في تزيين جدران سطحها. وظل حال البناء على ذلك إلى أن بنيت في مكة المكرمة عام 1347 للهجرة أول عمارة بالإسمنت المسلح، وهي قصر الحكم، وبعد ذلك بنى (آل زينل) بيتهم في جدة من إسمنت مسلح، فتأثر الناس بالنمط المعماري الجديد الحديث، وأصبح مألوفاً لديهم، وبذلك انتهى عهد اللبِن والطين والرواشن والحجر البحري وطين البحر.
اترك تعليقاً