نقاش مفتوح

هل نحن نقرأ الكتب التي نشتريها؟

ماذا عن علاقتنا بالقراءة؟ هذا هو السؤال العريض الذي انضوت تحته أسئلة فرعية عديدة، وكان محور جلسة نقاش عقدتها القافلة تحت عنوان “هل نحن نقرأ الكتب التي نشتريها؟” وشارك فيها عدد من الأدباء والمثقفين والمتابعين لحركة التأليف والنشر، وخاصة ما تتكشف عنه معارض الكتب، وحقيقة ما تمثله على صعيد علاقتنا بالكتاب عموماً وفعل القراءة تحديداً.

شارك في جلسة النقاش هذه، التي أدارها د.أشرف فقيه، كلٌّ من الدكتور مسفر القحطاني، والدكتور مصطفى الحسن، وطارق الخواجي، وعبدالله الغبين، وبندر الحربي، ولينة شميري، ورحاب أبو زيد.

وأطلق فقيه النقاش في كلمة حاول فيها ضبط الإطار العام للموضوع، بقوله إن معارض الكتاب في العالم العربي عموماً وفي الخليج خصوصاً تحقِّق حضوراً قياسياً في أعداد الزوار. فعلى سبيل المثال، زار معرض الكتاب الذي أقيم في العاصمة الرياض مؤخراً 400 ألف شخص خلال أسبوع أو أكثر، ووصلت قيمة مبيعاته إلى 8 ملايين ريال في اليوم، أي 60 مليون ريال خلال فترة المعرض. وللأرقام هذه تبعات وتأثيرات تتعلَّق بصناعة النشر في العالم العربي. وقد يرى البعض أنها ناتجة عن مبالغة في رفع أسعار الكتب، والبعض يُدهش من هذا الإقبال الكبير على معارض الكتاب، التي تُقام في بعض العواصم والمدن العربية الأخرى، وتتوزع هذه المعارض على فترة زمنية معيَّنة من السنة، فما يكاد ينتهي معرض في هذه المدينة أو تلك العاصمة، حتى يشد الناشر رحاله حاملاً كتبه نحو معرض جديد.
لذا لا بد من طرح عدد من الأسئلة، ومنها: كيف يمكن قراءة هذا الإقبال على شراء الكتب، والإقبال على زيارة معارض الكتب؟ وحتى الإقبال على إقامة معارض الكتب نفسها يبقى موضع تساؤل. فهل نشهد هبّة “قرائية”، أم إن هذه المعارض لا تعدو كونها متنفّسات ترفيهية ومناسبات شرائية، ينتهزها الناس لاستكمال عادات التسوّق، والعمل على تأثيث المكتبات المنزلية بما يتناسب مع ديكور الصالونات…إن جاز التعبير.

القحطاني: فقدت حماستي لمعارض الكتب
وهنا أثار الدكتور مسفر القحطاني الإشكالية المتمثلة في نوعية المواد المقروءة التي على أساسها تصدر الإحصاءات، فقال “للإجابة عن السؤال “هل نحن فعلاً شعب يقرأ؟” هناك إحصاءات تقول إننا نقرأ ما لا يزيد على ربع كتاب في السنة.

ولكن هناك مغالطة، فما هو الكتـاب الذي يدخل في معيـار القراءة من عدمها؟.. إننا نشهد في المجتمع قراءة مستمرة تظهر في الحرص على قراءة القرآن مثلاً، فهل هذا يدخل في الإحصاءات أم لا؟

اعتقد أن هناك نوعاً من الديكتاتورية عند القارئ التقليدي على القارئ الجديد.

وأضاف القحطاني: إن هذه الإحصاءات تنطبق على معارض الكتب، أما فعل القراءة بمعناه الواسع فالكل يمارسه على هاتفه المحمول أو الأجهزة الذكية الأخرى… لذا أنا أقول هناك شعب يقرأ، لكن السؤال الذي أرغب بتحديده هو ما الذي يقرأه؟ وما هي المادة التي تدخل في إحصاءات القراءة…؟

وأضاف: “بخصوص معارض الكتاب، فأنا عزفت عن المعارض في الفترة الأخيرة، بعد أن كنت حريصاً جداً عليها. فقد لاحظت أن المعارض التي كانت تحتوي على الإصدارات الجديدة، أصبحت تجمعات للمثقفين ولدور النشر، ويغيب عنها الأديب والمفكِّر الذي يُسوّق كتابه الجديد في المعرض. كما أن الكتب التي نتشوق لنراها في المعرض أصبحت قليلة. وقد يكون لمنع بعض الدور من المشاركة أثر في عدم حماستي للذهاب إلى المعرض. لكن هل المعارض هي مقياس حقيقي للقراءة؟”.
الحسن: أكثر من نصف الطلبة الجامعيين

لم يقرأوا رواية سابقاً!
وهنا أحال فقيه السؤال إلى مصطفى الحسن بقوله: “عندما أرى اصطفاف الناس عند دور السينما في بلد ما، فأول ما يخطر ببالي هو أن هذا الشعب مغرم بالسينما والفن البصري. فهل ينطبق هذا على معارض الكتاب عندنا، لنعُدّ هذا الاقبال مؤشراً على نهم للثقافة والقراءة ؟
أضاف الحسن: “إن قياس القراءة في معارض الكتب يقوم على قياس المبيعات، وبعبارة أخرى، فإنه مرتبط بالقوة الشرائية في الدرجة الأولى. ولكني أذكر أنه في معرض فرانكفورت 2005، أجرى المعرض دراسة حول أكثر الكتب قراءة في خمس دول عربية ومن ضمنها السعودية، وكانت هيئة الإذاعة البريطانية مشاركة في هذه الدراسة، وطرحت فكرة المعايير هذه، واقترحت ألاَّ يتعلق الكتاب بالدراسة أو العمل أو أي شكل تعليمي له علاقة بالعمل، وأخرجت الكتب المقدَّسة من الإحصائية، إضافة إلى كل ما يتعلَّق بوسائل التواصل الاجتماعي ما عدا المواضيع البحثية. ووفقاً لهذه المعايير، فإن نسبة ضئيلة جداً هي التي تقرأ. أقل من %1 من مجمل عدد طلاب الفصل الذي أدرّسه.

فأنا مثلاً أدرِّس مهارات الكتابة، وحين أسأل الطلاب “مَنْ منكم يقرأ هذه الرواية للمرة الأولى؟” تكون الإجابة أن اكثر من %50 من الطلاب يقرأون رواية لأول مرة في حياتهم. وهذا يحصل في مدينة من مدن المركز، الشرقية، الدمام، وعلى مستوى طلاب جامعيين”.

وأضاف: “أما بخصوص القوة الشرائية، فصحيح أن دور النشر تخبرنا أنها تبيع في معرض الكتاب أكثر من %50 من مبيعاتها طوال السنة، وما يباع في معرض الرياض هو أكثر من %70 من مجمل مبيعات كل معارض العالم العربي. ولكن إذا قسّمنا حجم المبيعات وهو 70 مليون ريال على عدد المواطنين، لوجدنا أن كل مواطن يدفع نحو ريالين ثمناً للكتب، وهو رقم متدنٍّ جداً.
الخواجي: القرّاء صاروا أكثر انتقائية

والحديث عن القراءة أكثر من الفعل
وعقّب على ذلك طارق الخواجي بقوله: “في معارض الكتب السابقة، كان الشراء عشوائياً وكأنه محموم.. كل إصدارات السنة ..كل كتب فلان.. أما الآن فانتقاء واضح، ولا دخل له بالوضع الاقتصادي. فالقرّاء باتوا يسألون عن الكتاب المحدَّد. وأنا أرى أننا ندخل منطقة استقرار، أو نضج قرائي على الأقل، في ما يختص بمعارض الكتاب”.

وهنا توجه إليه د. فقيه بالسؤال: “إذا كنا بصدد تقييم مجتمع القراءة، فالأولى البدء بتعريف القراءة، وما المطلوب منها، والعائد المعنوي منها؟، وما الذي يعنينا من ذلك كله إن زادت أو نقصت نسبة القراءة؟ ما الذي ننتظره من ثقافة القراءة؟.
فأجاب الخواجي: “في الوسط الشبابي حالتان: حالة قارئة وحالة مغرمة بالقراءة. وهنا بدأت القراءة الاستعراضية. ويظهر ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي والإغراق في الحديث عن القراءة بدل القراءة نفسها. وفي المقابل، هناك غضب عند كبار المثقفين أشبه ما يكون بالخوف من أن يسحب البساط من تحت أقدامهم. فالشباب يقرأون كثيراً من العناوين التي لم تكن متوفرة لهم من قبل، وصارت لهم معرفة كبيرة بالكتب الجيدة والترجمات. وذلك لقدرتهم على البحث أكثر، خاصة وأنهم “كائنات انترنتية” أكثر من كبار السن.
سمات قارئ جديد

وأعرب د. القحطاني عن تأييده لملاحظة الخواجي حول ظهور قارئ سعودي شاب ومختلف. ورأى أن هذا القارئ الجديد “بدأ يحرج الكبار، ويغيّر النظرة إلى القارئ السعودي والشباب السعودي، ولا يمكن تجاهل هذه الظاهرة فقد باتت ملحوظة جداً. وبدأ هذا القارئ يخرج إلى الساحة بكتاب جيد أو مقال أو بحث”.

لاحظت أن المعارض التي كانت تحتوي على الإصدارات الجديدة، أصبحت تجمعات للمثقفين ولدور النشر.

وأضاف: “أعتقد أن الحراك الداخلي السعودي قد أنتج لنا كتلة حرجة نستطيع الرهان على أنها ستصنع مشهداً جديداً في المملكة وفي العالم العربي. فعلى سبيل المثال، وبحكم الوسط الذي أتواجد فيه في الجامعة، أطرح منذ عشرين سنة سؤال القراءة على الطلاب، وفي كل فترة أستشف ملامح مختلفة في الإجابة عن هذا السؤال. ففي الفترات الأولى، كان ملحوظاً أن الشباب الذين يقرأون هم أقرب ما يكونون إلى المنتظمين في فعل إصلاحي، صحويين، أو غير ذلك، وشباب الصحوة كانوا الأكثر استجابة إلى القراءة، وكانت القراءة غالباً ما تكون لكتّاب محدّدين، وفي مجال محدّد هو المجال الإسلامي. ولكني خلال السنوات الأخيرة، لاحظت اختلاف الأمر تماماً. فالشباب باتوا متحفزين للقراءة، وليسوا منتجاً صحوياً، ولم يعودوا خاضعين لأولويات القراءة السابقة، بل إلى المنتج الفكري الذي تطرحه المكتبات العربية بشكل عام.

وكشف د. القحطاني أنه أجرى إحصائية على عيِّنة من الطلاب، أظهرت له أن الكتاب الإسلامي بات يحتل المرتبة الرابعة بعد الكتاب الفكري والسياسي ثم الرواية. وفسّر ذلك بأن الأحداث الأخيرة بالعالم العربي أثَّرت على انتقاء الكتب. ففي معارض الكتاب بعد عام 2011، بدا واضحاً أن الشباب باتوا يفتشون في الكتب عن أجوبة لتساؤلاتهم التي طرحتها الأحداث السياسية في البلدان العربية، في محاولة منهم لفهم ما يحصل. فالتساؤلات هذه أثرت على الشباب في استجابتهم، ولاحظت هذا في أطروحاتهم وتساؤلاتهم التي أصبحت أجرأ وأعمق.

الأحداث غيّرت القارئ،
فما الذي غيّرته القراءة؟
وهنا طرح د. فقيه محوراً على تماس مع طبيعة القارىء الجديد، وهو إن كانت القراءة قد أدَّت إلى انتشار ثقافة الرأي والتسامح، وهل أن مقولة القراءة تأخذ القارئ إلى عوالم جديدة هي بالضرورة ذات معنى إيجابي، أم من الممكن أن يكون لهذا الانفتاح جانب سلبي مدمّر، من خلال تكوين حالة فصل أو مواجهة بين الواقع وما يُقرأ عنه؟

على ذلك، عقّبت أبو زيد بقولها: ” إن هناك سؤالاً ينبغي أن نطرحه قبل هذا السؤال، وهو: لماذا نريد تحوُّل الجميع إلى قرَّاء؟ بمعنى آخر، ما الذي نستفيده إن قرأ الجميع؟ فالقُرَّاء لديهم مكانتهم المتميزة وإن كانوا قلَّة. وبالتالي نحن لسنا بحاجة إلى زيادة عدد القرّاء، أو أن نجعل من ذلك مصدر قلق أو مدعاة للنقاش. فهناك من يقرأ ويعمل من أجل القراءة بشكل دوري ومنتظم”.

وقالت: “عندي ملاحظة على انقسام المثقفين في ما يتعلَّق بمعارض الكتاب والمشهد الثقافي. فهناك عزوف مؤخراً عن كل الأنشطة المتعلِّقة بالوزارة، وكأن في هذا محاولة لتوجيه رسالة إلى العمل المؤسساتي بشكل عام، وهذا أزعجني بشدة. فقد نتجت عنه مقالات جارحة لمن حضروا أو امتدحوا الأنشطة والفعاليات. فنحن يجب أن ندفع ونسهم بدفع العجلة إلى الأمام، وإن كانت لدينا اعتراضات على بعض التفاصيل”.
عبدالله الغبين عن وسائل التواصل

ماذا تغيّر في معرض الكتاب؟
عندما طرح مدير الجلسة سؤالاً على الحاضرين حول ما سيغيرونه في معرض الكتاب، فيما لو أنيطت بهم مسؤولية تنظيمه. قال القحطاني: كنت سأركِّز على الجوائز والكتب الأكثر إثارة للاهتمام والترويج لكتب الأطفال. فوضع كتب للأطفال مؤلم، خصوصاً وأن هذه الشريحة تواجه منافسة شديدة من أفلام الكارتون والمحتوى الأجنبي.وقال الحسن: كنت سأمنح الحرية الكاملة للكتاب، فلا يتم منع أي كتاب لأي سبب كان.وقال الخواجي: ربما كنت أضيف إلى برنامج المعرض أفلاماً سينمائية. كما ألغي جميع الندوات وورش العمل بصيغتها القائمة في معرض الكتاب، بسبب سوء التسويق والتوزيع والتنسيق. وقالت أبو زيد: “ربما أخفِّف القوانين التي يدّعون أنها من أجل التنظيم، ولكنها تعقِّد المشهد كثيراً كآلية الدخول.وقال الغبين: أدعو ضيوفاً غير الكتّاب السعوديين، من كتَّاب عالميين ومن العيار الثقيل.

والأمر الثاني هو زيادة المساحة المخصصة للمعرض، فهو يتسع لخمسمائة دار نشر. وما يتقدَّم للاشتراك فيه يزيد على ألف وستمائة دار نشر. ولا تمنع كلها لأسباب رقابية، بل بسبب ضيق المساحة. كما أنني كنت سأقدِّم الدعم لطلاب المدارس والجامعات من خلال صرف الكوبونات والمعونات التي يمكن أن تموِّلها جهات رسمية أو مدارس أو مؤسسات خاصة لشراء الكتب.

“هي للتسويق أكثر منها للنقد”
وبعد استقرار الرأي على حقيقة قلَّة القارئين بشكل عام وانعزالهم، قال فقيه إن ثقافة القراءة “ماضية بالمعرض ومن دونه”، الأمر الذي علَّق عليه الخواجي فوراً بالقول: “لا أتفق مع الدكتور أشرف في قوله إن قافلة القراءة تسير بمعرض الكتاب أو من دونه. فهناك كتب ينحصر ظهورها في معارض الكتب، وهناك تكتل للقرَّاء في هذه المعارض، وكثير من الناشرين يستلهمون عناوين الكتب المختارة للنشر عن طريق هذه التجمعات والتحاور معها. فمعرض الكتاب يخدم كحاضنة للقرّاء والمثقفين الذين يعرفون بعضهم عن طريق وسائل التواصل. ولكن هؤلاء هم أنفسهم سبب ظهور ظاهرة التعريف بالآخرين كقرَّاء فقط.

وإثر ذلك، طرح فقيه مسألة دور الكاتب والمؤلِّف، فقال د.الحسن: “الكاتب جزء من هذه الحالة، ويدخل في التقسيمة التي ذكرها طارق. فمن الممكن أن يكون كاتباً استعراضياً، حقيقياً، أو “ديناصوراً”، أي من الجيل القديم. ومعرض الكتاب تظاهرة ثقافية، ومكان رئيس يختلط فيه الكاتب بقرّائه.

ثم وجَّه مدير الجلسة حديثه إلى عبدالله الغبين لاستطلاع رأيه كناشر وشاعر بمعارض الكتاب وإحصاءاتها وزخمها وأرقامها “وكيف تغيّرنا كمجتمع قارئ”.
فقال الغبين: بداية، لنتفق على أن الإحصاءات المتعلَّقة بمعارض الكتاب هي في نظري غير دقيقة. فنحن لا نعرف على ماذا تعتمد. إذ لا توجد آلية واضحة لحساب الحضور وغير ذلك. أما عن تأثير معرض الكتاب بالرياض، فقد أصبح ملموساً في الآونة الأخيرة، بعد عشر سنوات على وجوده. فنسبة القراءة زادت على السنوات الماضية، كما يستدل على ذلك من تويتر، قودريدز، وأندية القراءة.. واستناداً إلى أحاديث كثير من الناشرين، ومقارنة بعدة معارض أخرى، فإن معرض الرياض يشهد نسبة عالية جداً من الإقبال. وهو يؤثر على نسبة القراءة بلا شك. والتأثير هذا له أسبابه: التعطش للكتب في غياب المكتبات العامة. كما أن غياب الفعاليات الثقافية جعل معرض الكتاب قِبلة المهتمين بها. أما بخصوص دور المعرض في خلق حالة من القرّاء المؤثرين… فدعونا نقف قليلاً، هل هناك فعلاً قرَّاء مؤثرون؟ برأيي، هذ الظاهرة بدأت تتشكل مؤخراً فقط،مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعية والمواقع المهتمة بالقراءة.
فقالت أبو زيد: وهذا ما أدى إلى ظاهرة دعوة “المؤثرين” على وسائل التواصل الاجتماعي إلى المناسبات الثقافية، والتعريف بهم كشغوفين بالقراءة وقارئين، من دون أن يملكوا بالضرورة أي طرح مفيد، سوى حيازتهم عدداً كبيراً من المتابعين.
أما القحطاني فرأى أنه لا وجود لقارىء مؤثر من وجهة نظره. ورأى أن القارئ الجاد ليس بالضرورة الشخص الذي يكون قد قرأ كتباً كثيرة، بل هو من مارس النقد خلال قراءته، وخرج من صف القارئ العادي بعدما أصبح له منتج، ظهر من خلاله أنه قارئ جيد.
وهنا عاد الغبين إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي والحديث عبرها عن الكتب وقراءتها، فقال إن وسائل الاتصال هذه “أصبحت ظاهرة للتسويق وليس للنقد، فنرى بعضهم يتحدَّث عن الكتب في وسائل التواصل بغرض التسويق ليس أكثر”. وأكدت أبو زيد هذا الرأي، وقالت” تواصلت معي قارئة وسألتني إن كنت أرغب بأن تتحدَّث عن كتابي عبر وسائل التواصل، وعندما قلت لها لا مانع لدي، سارعت إلى طلب مبلغ مادي لقاء القيام بذلك”.
ولكن مدير الجلسة تساءل: وما المشكلة في أن يكون هناك حراك مجتمعي ثقافي، أحد أعمدته هو التسويق لـ “التثاقف”. فعلى مستوى جوائز نوبل، والبوكر والبوليتزر، هناك جهود كثيرة لترويج المؤلفين مؤلفاتهم وأعمالهم بطرق مشروعة، ويدفعون مبالغ عالية من أجل ذلك. الأمر الذي ردت عليه أبو زيد بسؤال: “أهذا هو الجمهور الذي نريده للقراءة؟.
وهنا كانت للينة شميري مداخلة قالت فيها: أولاً، أنا لا أرى حرجاً من أن يسوّق الكاتب لنفسه، وليس في ذلك ما يعيب.

ثانياً، كثيراً ما ألحظ أن المثقفين عندما يناقشون وضع القراءة تكون لهجتهم متعالية، في تصنيف من يقرأ وماذا يقرأ، بل ويحكمون على البعض أنهم “دخلاء على الثقافة”.. القراءة ليست فعلاً “نخبوياً” يمارسه المثقف باستعلاء ويختزل مفهوم القراءة المجدية والهادفة في قراءته.. فالمفترض أن تكون للجميع بمختلف اهتماماتهم. وعلى الرغم من انتشار الشغف بالقراءة من دون قراءة حقيقية تأملية، وعلى الرغم من عدم إعجابي بهذه الظاهرة، إلاَّ أن شيوع القراءة “كموضة”، قد يكون ظاهرة محمودة في النهاية، فعندما تصبح القراءة فعلاً يومياً متكرراً على مختلف المستويات والاهتمامات، ستتبعها مرحلة يتمايز فيها القرّاء بقيمة ما يقرأون، وبتوظيفهم الصحيح لهذه القراءة وأثرها في حياتهم”.
وعقَّب فقيه على ذلك بقوله: “طبعاً هذه تهمة موجودة.. “من يراقب المراقبين؟” وعلى أي أساس يتم تصنيف قيمة ما يُقرأ؟. فهناك من يعدّون أنفسهم من صفوة القرّاء وينظرون إلى منتجات بعض دور النشر على أنها مبتذلة. وفي الوقت نفسه، تشهد هذه الدور إقبالاً واضحاً من قِبل زوار معرض الكتاب. فعلى ماذا يدل هذا؟
فأجابه الغبين: “فعلاً، هناك بعض الكتَّاب يتم تصنيفهم من النقَّاد على أنهم درجة أولى أو ثانية أو ثالثة، ويلقون رواجاً شديداً وخصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي. فلماذا نحاول أن نختزل القراءة في الرواية أو الكتب الفكرية، ونملي على القارئ ما يجب أن يقرأه.. إذ يفترض أن تكون القراءة متاحة للجميع. ويبدو لي أن سبب نقد بعض هذه الكتب هو أنها لم تكتب بشكل جاد، أو لم تقدَّم بالشكل اللازم.. والقرّاء الذين يقرأون هذه الكتب تتراوح أعمارهم بين 15 و 25 سنة، مما يجعلنا نتفاءل بأن هذه الشريحة ستكون بعد 10 سنوات في مكان أفضل في القراءة.. فقد كنا نواجه كمجتمع مشكلة إقناع الشباب بالقراءة.. والآن عندما ابتدأوا بالقراءة، أصبحنا نلومهم على اختياراتهم في الكتب.. اعتقد أن هناك نوعاً من الديكتاتورية عند القارئ التقليدي على القارئ الجديد، فهو يرفض أن يدعه يقرأ غير ما يعتقد هو أنه يجب أن يُقرأ..
ولكن كان للقحطاني رأي مغاير، إذ قال إن ممارسة هذه الفوقية هي طبيعية في كل منتج وليس في الكتب والقراءة فقط. فالموجودون في السوق ينتقدون المستجدين عليه ويحاولون أن يملوا عليهم معاييرهم، كما ينتقدون رداءة أي شيء يخالف ما هم عليه. وأعرب عن اعتقاده بأن القارئ العادي سيفرض نفسه.

العائد المحقق والمرجو
وفي ختام الجلسة، أعطى مديرها دقيقة واحدة لكل مشارك لكي يعبِّر عن رأيه الخاص بالعائد المعنوي للمعارض المتحققة وتلك المرجوة.

فقال القحطاني: المعرض يكسر حدة التعاطي مع كل ما حولك من أفراد وأفكار ومؤسسات. وكلما كنت أكثر استلهاماً للكتب، انعكس هذا التنوع عليك، وأعطاك قدراً كبيراً جداً من التسامح مع ما حولك وما في المجتمع.
ورأى الحسن: هناك تغيير كبير يحدث في المجتمع. ولكن من الصعب جداً أن نعزو هذا التغير لمعرض الكتاب فقط. فهناك توافق بين ازدهار معرض الكتاب والتغيير في المجتمع، ولكن ما مدى ارتباطهما، وما مدى صحة الربط؟

القراءة ليست فعلاً “نخبوياً” يمارسه المثقف باستعلاء ويختزل مفهوم القراءة المجدية والهادفة في قراءته.

بالنسبة لي أرى أن القراءة تؤدي إلى الانفتاح، وخصوصاً قراءة الرواية.ولكن قارئ الكتب الفكرية لديه القدرة على التسلط على المعلومة، وتوظيفها كيفما شاء. ولا يؤدي الأمر بالضرورة إلى الانفتاح.
وقالت أبو زيد: يتمثل العائد المعنوي الأكبر في كون هذه المعارض تفتح المجال للقاءات الثقافية. ففيها يلتقي القرّاء بالمؤلِّفين والمثقفين والأصدقاء، ويتم فيها تبادل ثقافي ومعرفي، وينتج عن ذلك ترتيب مشاريع كتابية ونقاشات ولقاءات وأمسيات. وهذا قد يكون على هامش المعرض ولكنه قد يكون من أهم العوائد بالنسبة لي.
أما الخواجي فقال: أعتقد أن الوقت مبكر جداً للجزم بأن هذا النضج الفكري هو أحد منتجات معرض الكتاب، فالتسامح والانفتاح وغير ذلك ينتجان عن قراءات معيَّنة، ولكن قراءات أخرى قد لا تؤدي نفس الغرض. إن تأثير القراءة إيجابي بلا شك، ولكن أثرها لا يظهر سريعاً أو يمكن الجزم به الآن.

وقال الغبين: من ملاحظاتي كناشر، فإن أحد معارض الكتب العربية الذي كان من أفضل المعارض في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، أصبح اليوم مرتعاً للصراعات السياسية وفقد مكانته. أما بخصوص معرضي الرياض وجدة، فأعتقد أنهما سيكونان المحرك الأساسي للثقافة العربية، وسيتمثل هذا الحراك بالقراء السعوديين. ربما تبدو هذه النظرة حالمة قليلاً، ولكن هناك مؤشرات تدل عليها، خصوصاً إذا استمر هذان المعرضان بنفس الزخم الحالي.

 

أضف تعليق

التعليقات