علوم

نظام الثواني الذي أنقذ كرة السلّة:

لعبة السرعة والدقائق والثواني

لعل لعبة كرة السلة هي أسرع ما يمكن أن نشاهده من لعبات رياضية، وذلك بالنظر إلى الحركة الدائبة التي لا يكاد يتوقف عنها اللاعبون، من أول المباراة حتى آخرها. وإذا دققنا في الأمر، فسنلاحظ أننا قد نجلس على مقاعدنا ساعتين ونحن نراقب إحدى المباريات، مع أن وقتها الرسمي لا يتجاوز 48 دقيقة. وهذا يعني أن اللعب الفعلي، إذا حسمنا أوقات التوقف، مضغوط في ثلاثة أرباع الساعة وثلاث دقائق فقط، مقسمة إلى 4 أشواط من 12 دقيقة الشوط. وما بقي من وقت تتوقف فيه الساعة، فهو لتسجيل ضربات الجزاء، أو للوقت المستقطع لملاحظات المدرب، أو لإعادة الكرة في اللعب بعد خروجها.

ولذا‭ ‬فكل‭ ‬ثانية‭ ‬من‭ ‬ثواني‭ ‬اللعب‭ ‬ثمينة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة،‭ ‬ويظهر‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬اللاعبين‭ ‬على‭ ‬الدوام،‭ ‬إذ‭ ‬نراهم‭ ‬يسارعون‭ ‬إلى‭ ‬تبادل‭ ‬الكرة‭ ‬والتقدم‭ ‬نحو‭ ‬سلة‭ ‬الخصم‭ ‬بحيوية‭ ‬لا‭ ‬تكل‭.‬

لكن‭ ‬اللعبة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬بل‭ ‬عانت‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬بطئاً،‭ ‬حتى‭ ‬كادت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مملة. ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬فقلب‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬نقيضها؟‭ ‬

إليكم‭ ‬القصة‭..‬
في‭ ‬لعبة‭ ‬كرة‭ ‬السلة‭ ‬نظام‭ ‬يحتم‭ ‬على‭ ‬الفريق‭ ‬الذي‭ ‬يمسك‭ ‬بالكرة،‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬في‭ ‬تسجيل‭ ‬سلة،‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬24‭ ‬ثانية،‭ ‬وإلا‭ ‬أعطيت‭ ‬الكرة‭ ‬للخصم‭. ‬وينص‭ ‬النظام،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الكرة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تغادر‭ ‬أيدي‭ ‬لاعبي‭ ‬الفريق‭ ‬في‭ ‬مهلة‭ ‬24‭ ‬ثانية،‭ ‬وأن‭ ‬تلامس‭ ‬لوحة‭ ‬السلة،‭ ‬أو‭ ‬تسقط‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬السلة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الثواني،‭ ‬وإلا‭ ‬أعطيت‭ ‬الكرة‭ ‬للخصم‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬النظام،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬أصل‭ ‬اللعبة‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬يكمن‭ ‬سر‭ ‬هذه‭ ‬السرعة‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬بها‭ ‬اللاعبون،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تفوت‭ ‬عليهم‭ ‬فرصة‭ ‬التسجيل. ‬فإذا‭ ‬لامست‭ ‬الكرة‭ ‬لوحة‭ ‬السلة،‭ ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬اللاعبين‭ ‬دون‭ ‬تسجيل‭ ‬سلة،‭ ‬استعاد‭ ‬الفريق‭ ‬المهاجم‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬مهلة‭ ‬الثواني‭ ‬الأربع‭ ‬والعشرين،‭ ‬إذا‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬في‭ ‬يده،‭ ‬فيما‭ ‬يسمى‭:‬ الاستعادة ‭(‬Rebound‭)‬.

داني‭ ‬بايازون
مبتكر‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬اسمه‭ ‬داني‭ ‬بايازون، ‭ (‬Danny Biasone‭)‬ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يملك‭ ‬نادي ‬‮«‬سيراكيوز‭ ‬ناشونالز»‬‭ ‬لكرة‭ ‬السلة،‭ ‬وقد‭ ‬ابتدع‭ ‬قاعدة‭ ‬الثواني‭ ‬الأربع‭ ‬والعشرين‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬1953‭-‬1954م،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬اللعبة‭ ‬من‭ ‬البطء‭ ‬الذي‭ ‬عانته‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭.‬ إذ‭ ‬كان‭ ‬الفريق‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬الكرة،‭ ‬يحتفظ‭ ‬بها‭ ‬مدة‭ ‬طويلة،‭ ‬ويكاد‭ ‬أن‭ ‬يوقف‭ ‬اللعب،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬متقدماً‭ ‬بعدد‭ ‬النقاط‭.‬

أما‭ ‬سبب‭ ‬اختيار‭ ‬بايازون‭ ‬24‭ ‬ثانية‭ ‬لتكون‭ ‬هذه‭ ‬مهلة‭ ‬التسديد،‭ ‬فقد‭ ‬شرحه‭ ‬بايازون‭ ‬بنفسه،‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬لاحظ‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬ما‭ ‬يسجله‭ ‬الفريق‭ ‬في‭ ‬المباراة‭ ‬هو‭ ‬60‭ ‬نقطة. ‬وللفريقين‭ ‬إذن‭ ‬120‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬المعدل. ‬فإذا‭ ‬قسمنا‭ ‬الدقائق‭ ‬الثماني‭ ‬والأربعين،‭ ‬مدة‭ ‬المباراة،‭ ‬أي‭ ‬2880‭ ‬ ثانية،‭ ‬على 120، فيكون‭ ‬معدل‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬الفريق‭ ‬إليه‭ ‬لتسجيل‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬السلة‭ ‬هو 2880 / 120 = 24.

ومع‭ ‬أن‭ ‬قاعدة‭ ‬الثواني‭ ‬الأربع‭ ‬والعشرين‭ ‬أنشئت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تسريع‭ ‬اللعبة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬اللاعبين‭ ‬الدفاعيين‭ ‬يستخدمونها‭ ‬أحياناً‭ ‬لتأخير‭ ‬اللعب،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الثواني‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬فريقهم‭ ‬متقدماً. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحيلة‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مجدية‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬المباريات‭ ‬فقط،‭ ‬ولا‭ ‬تؤثر‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬الوتيرة‭ ‬السريعة‭ ‬التي‭ ‬أحدثتها‭ ‬القاعدة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬اللعب‭.‬

ومن‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬أحدثتها‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬في‭ ‬اللعب،‭ ‬أنها‭ ‬حفزت‭ ‬النشاط‭ ‬الدفاعي،‭ ‬الذي‭ ‬يؤخر‭ ‬اللاعب‭ ‬المهاجم‭ ‬عن‭ ‬التسديد،‭ ‬لإجباره‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬على‭ ‬تسديد‭ ‬غير‭ ‬محكم. ‬ولذا‭ ‬يركز‭ ‬المدربون‭ ‬على‭ ‬لاعب‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭ ‬ممن‭ ‬يتفوقون‭ ‬في‭ ‬التسجيل‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬صعبة،‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬الأخيرة‭.‬

وثمة‭ ‬قاعدة‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬قاعدة‭ ‬الثواني‭ ‬الثماني،‭ ‬لحفز‭ ‬اللعب‭ ‬الهجومي،‭ ‬ومنع‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬الملعب. ‬وتنص‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬الفريق‭ ‬الذي‭ ‬يمسك‭ ‬بالكرة،‭ ‬أن‭ ‬يجتاز‭ ‬خط‭ ‬منتصف‭ ‬الملعب‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ثماني‭ ‬ثوان،‭ ‬وإلا‭ ‬أعطيت‭ ‬الكرة‭ ‬للخصم. ‬وحين‭ ‬يجتاز‭ ‬الفريق‭ ‬المهاجم‭ ‬خط‭ ‬المنتصف،‭ ‬فلا‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬الكرة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬الخط‭ ‬ثانية‭.‬

قبل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القواعد،‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬إضفاء‭ ‬الحيوية‭ ‬على‭ ‬اللعب،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لعبة‭ ‬كرة‭ ‬السلة‭ ‬بهذه‭ ‬السرعة،‭ ‬وهذا‭ ‬النشاط. ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬الجمعية‭ ‬الوطنية‭ ‬لكرة‭ ‬السلة‭ ‬في‭ ‬أمريكا (National Basketball Association NBA)، تعاني‭ ‬معاناة‭ ‬شديدة‭ ‬في‭ ‬اجتذاب‭ ‬هواة‭ ‬اللعبة‭ ‬واهتمام‭ ‬قنوات‭ ‬التلفزة. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬المتقدم‭ ‬في‭ ‬النقاط‭ ‬يستولي‭ ‬استيلاء‭ ‬حقيقياً‭ ‬على‭ ‬الكرة،‭ ‬ويمتنع‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬التسجيل،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يفقد “‬امتلاكه” ‬الكرة. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يؤدي‭ ‬بالفريق‭ ‬الآخر‭ ‬إلى‭ ‬ارتكاب‭ ‬الأخطاء،‭ ‬لعله‭ ‬بذلك‭ ‬يستعيد‭ ‬الكرة. ‬وبذلك‭ ‬انخفض‭ ‬تسجيل‭ ‬النقاط‭ ‬في‭ ‬السلات،‭ ‬وكثر‭ ‬ارتكاب‭ ‬الأخطاء،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬اللعبة‭ ‬مملة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭.‬

وفي‭ ‬تاريخ‭ ‬كرة‭ ‬السلة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فإن‭ ‬المباراة‭ ‬التي‭ ‬سجلت‭ ‬أقل‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الجمعية،‭ ‬تلك‭ ‬المباراة‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر ‭ ‬1950م،‭ ‬بين “‬فورت‭ ‬وين‭ ‬بستونز”‬،‭ ‬و‭”‬مينيابوليس‭ ‬ليكرز”‬،‭ ‬ففاز‭ ‬الأول ‬على‭ ‬الثاني‭ ‬بـ 19 – 18 ‭ ‬نقطة،‭ ‬منها‭ ‬تسجيل 3 – 1 في‭ ‬الشوط‭ ‬الرابع. ‬فقد‭ ‬احتفظ “‬بستونز‭”‬ بالكرة‭ ‬دقائق‭ ‬عديدة،‭ ‬ولم‭ ‬يحاول‭ ‬لاعبوه‭ ‬التسديد. ‬وكان‭ ‬مجموع‭ ‬محاولاتهم‭ ‬للتسجيل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المباراة،‭ ‬13‭ ‬تسديدة‭ ‬فقط. ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬خطتهم‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬تفوق‭ ‬لاعب‭ ‬الخصم‭ ‬الكبير‭ ‬جورج‭ ‬مايكان ‭ .(‬George Mikan‭)

وقال‭ ‬موريس‭ ‬بودولوف‭ ‬رئيس‭ ‬جمعية NBA، يومئذ‭ ‬معقباً:‬‮ «‬في‭ ‬لعبتنا،‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬النجوم‭ ‬الذين‭ ‬لدينا،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نسجل‭ ‬أرقاماً‭ ‬كبيرة‮»‬. ‬وحاولت‭ ‬الجمعية‭ ‬كثيراً‭ ‬معالجة‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الخمسينيات‭ ‬بلا‭ ‬جدوى،‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬بايازون‭ ‬بمقترحه‭ ‬التاريخي‭. ‬

وهكذا‭ ‬أُنقذت‭ ‬لعبة‭ ‬كرة‭ ‬السلة‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬دقائق‭ ‬الملل‭ ‬والضجر،‭ ‬بل‭ ‬انتُشلت،‭ ‬لتتربع‭ ‬على‭ ‬مرتبة‭ ‬عالية‭ ‬جداً‭ ‬بين‭ ‬اللعبات‭ ‬الرياضية‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬بالحيوية‭ ‬الفائقة‭ ‬والنشاط،‭ ‬الذي‭ ‬يثير‭ ‬حماسة‭ ‬الجمهور،‭ ‬وإقبال‭ ‬المتفرجين‭ ‬على‭ ‬تلفزيونات‭ ‬العالم‭.‬

أضف تعليق

التعليقات

RCD

فعلا لكل مشكلة حل.. اعجبني كثيرا هذا الموضوع وشجعني لمشاهدة مباراة كرة سلة في الدوري الامريكي.