بيئة وعلوم

مجموعة أسئلة تُثار بشأنها..
مياه الشرب.. من المنشأ إلى التعبئة والتخزين

  • 44

صارت المياه المعبأة في قوارير هي المفضلة للشرب عند الكثيرين في العديد من بلدان العالم. ولكن إلى أي مدى يمكن الاطمئنان إلى هذه المياه؟ سؤال يجيب عنه الزميل محمد أبو المكارم في التقرير التالي:

تعد سلامة المياه من الهموم الصحية للدول والشعوب على مستوى العالم، خصوصاً وأن تلوث المياه يمكن أن يتسبب في كوارث. وقد كانت المياه فيما مضى أكبر مصدر لانتشار الأمراض كالكوليرا والتيفوئيد وغيرهما، ولعلنا نتذكر الوباء الذي عم البيرو قبل أعوام وانتشر منها إلى ستة عشر بلداً آخر في أمريكا اللاتينية وتسبب في إصابة أكثر من 600,000 شخص بالكوليرا، ونتج عنه حوالي 5000 حالة وفاة. وبعد التحري وُجد أن عدم تعقيم المياه هو العامل الأكبر لانتشار ذلك الوباء. يقول الدكتور عبدالله الرحيلي، أستاذ الهندسة البيئية المشارك بجامعة الملك سعود: إن اكتشاف بعض المركبات العضوية في عدد من مصادر مياه الشرب خلال الخمسين عاماً الماضية أدى إلى تحول كبير في أساليب معالجة المياه وفي النظر إلى مصادرها وحمايتها من التلوث البيئي.

وعلى الرغم من أن انتشار التعقيم والمياه المعبأة في قوارير حل كثيراً من تلك المشكلات، إلا أننا لا ينبغي أن نسلم بسلامة المياه التي نشربها معبأة فضلاً عن تلك التي تأتينا عبر الشبكة، كما يرى الدكتور نبيل فياض الذي يعمل بمركز الأبحاث في أرامكو السعودية وعدد من زملائه الذين قاموا بدراسة مخبرية على عينة من المياه المعبأة، بل يجب أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة عندما نمسك بقارورة الماء المعبأ:
هل يمكننا أن نطمئن إلى مياه القوارير؟
هل تخزينها أو نقلها في العراء صحي؟
هل هي أفضل من مياه الشبكة؟
وهل تستحق ما ندفعه فيها من مال؟
هناك الكثير من الأسئلة المشابهة التي ينبغي إثارتها، إذ يؤكد الباحثون ضرورة الاهتمام بسلامة مياه الشرب المعبأة ابتداء من المنشأ ومروراً بالتعبئة والتخزين حتى وصولها إلى يد المستهلك، فبعدما أصبحت مياه الشرب المعبأة في القوارير خياراً شعبياً للمستهلك في كل أنحاء العالم، بات من الضروري المحافظة على سلامتها من أي تلوث يمكن أن تتعرض له من أي مصدر.

القوارير
تستخدم القوارير البلاستيكية المصنعة من بولي فينيل كلورايد (PVC) أو بولي إيثلين منخفض الكثافة (LDPE) أو من البولي ستارين (PS). ويكثر استخدام قوارير الـ (PVC)، أكثر من غيرها. وقد أجريت اختبارات على بعض أنواع المياه والقوارير المستخدمة في تعبئتها، وخصوصا تلك المصنعة من الـ (PVC)، والعلاقة بينهما في ضوء أساليب التخزين ومدته.

تركيز الـ (PVC)
تعتبر البوليمرات، المستخدمة في صناعة البلاستيك المخصص لتعبئة الطعام والماء، خاملة بوجه عام ولا تمثل مخاطر على الصحة العامة. إلا أن البلاستيك الذي يحتوي على الـ (PVC) قد يحتوي على كميات ضئيلة جداً من أحادي كلوريد الفينيل (VCM)، إضافة إلى بعض المركبات الأخرى مثل الملدِّنات ومقاومات الأكسدة، والصبغات، وهذه المركبات بحسب دراسة الدكتور فياض وزملائه يمكن أن تنتقل من بلاستيك القارورة إلى المياه المعبأة فيها. وبما أنها تستخدم في صناعة أنواع عديدة من قوارير مياه الشرب، ولما قد ينتج عن هجرتها من القارورة إلى الماء من مخاطر على صحة الإنسان والبيئة، فقد أصبحت محور مناقشات علمية وبحثية.

وقد أظهرت تلك الدراسة نتيجة لفحص العديد من نوعيات المياه المعبأة أن تركيز الـ (VCM) فيها أقل من 0.6 جزء في البليون (ppb) وهو أقل بكثير من الحد الأعلى المسموح به دولياً والذي يصل إلى جزءين في البليون، الذي يمكن أن يتسبب تجاوزه في الإصابة بالسرطان، في حين تشير بعض الدراسات إلى أن التعرض المستمر لمادة الـ (PVC) قد يؤدي إلى حساسية والتهاب في الجلد، بحسب الدكتور إبراهيم المعتاز، رئيس قسم الهندسة الكيميائية بجامعة الملك سعود.

وتعرض الماء المعبأ لأشعة الشمس لا ينتج عنه -بحسب بعض الدراسات- زيادة تذكر في تركيز
الـ (VCM)، إلا أن العديد من المركبات المتطايرة وشبه المتطايرة لوحظت حينذاك.

كما لوحظ وجود علاقة بين زيادة تركيز كلوريد الفينيل وزمن التخزين لعبوات المياه البلاستيكية. وقدرت هذه العلاقة كما نقل الدكتور المعتاز بمعدل 1 نانوجرام/لتر لكل يوم تخزين. وتجدر الإشارة إلى أن الحد المسموح بحصول الفرد عليه يجب ألا يزيد على 100 نانوجرام في اليوم من كلوريد الفينيل.
لقد أبدى الباحثون قلقا بشأن قابلية الـ (PVC) للتحلل، وانتقال المركبات الداخلة في تصنيع القوارير للماء، وتأثير وسائل وأساليب التخزين في ذلك.

حلول مقترحة
وتؤكد نتائج دراسة الدكتور فياض وجوب تخزين الماء المعبأ في مكان بارد بعيداً عن أشعة الشمس، وعلى لزوم اتباع الوسائل نفسها والاحتياطات المتبعة لبقية أنواع الطعام على الماء المعبأ للحفاظ على سلامته، كما توصي باستخدام أنواع أخرى من البلاستيك غير الـ (PVC) لتخزين مياه الشرب.

في حين يشير الدكتور المعتاز إلى أنه يوجد في المملكة عدد من المواد البلاستيكية التي يمكن استعمالها عوضاً عن الـ (PVC)، ومن هذه الخيارات المتاحة: البولي إثيلين منخفض الكثافة LDPE، والبولي إثيلين مرتفع الكثافة HDPE، وبولي إيثيلين ترفثليت PET، والبولي بروبلين، وغيرها.

مواصفات ومعايير
يجب أن تكون خواص المياه مطابقة لخواص مياه الشرب المعبأة والواردة بالمواصفة القياسية السعودية لمياه الشرب المعبأة وغير المعبأة رقم 409/84، ومنها ما يلي:

أولاً: الخصائص العامة
يجب أن تكون المياه المستخدمة في المصنع من مصدر نقي وغير ملوث وبعيدة عن مصادر التلوث.

ثانياً: الخصائص الطبيعية
-1 ألا يزيد اللون على 15 وحدة (أ) بمقياس كوبلت بلاتين.
-2 ألا تزيد العكارة على 15 وحدة (ب) بجهاز الشمعة لجاكسون.
-3 الطعم والرائحة مقبولان.
ثالثاً: الخصائص الكيميائية
أ – ألا تزيد نسبة النترات على 45 جزءاً في المليون (10 أجزاء في المليون نيتروجين)، ولا تزيد نسبة النترات والنيتريت والأمونيا مجتمعة على 10 أجزاء في المليون نيتروجين.
ب – ألا يحتوي على العناصر المعدنية التالية بتركيزات تزيد على الحدود الموضحة بالجدول التالي:

ج – أن تتراوح نسبة المواد الصلبة الذائبة الكلية بين 100 جزء في المليون و700 جزء في المليون.
د – أن يكون الحد الأدنى المسموح به للرقم الهيدروجيني 6.5 والحد الأقصى المسموح به 8.5.
هـ – ألا يقل تركيز الفلوريد عن 0.6 جزء في المليون ولا يزيد على 1 جزء في المليون.
و – في حالة معالجة المياه بالكلور أو بالأزون أو بالأشعة فوق البنفسجية أو بمحلول اليود أو بأية وسيلة أخرى يجب أن تكون هذه المعاملة كافية لقتل الميكروبات.
ز – ألا يزيد تلوث المياه بالمبيدات التالية على الحدود الموضحة أدناه.

رابعاً: الخصائص الإشعاعية
ألا تحتوي المياه على مواد مشعة بكمية تزيد على التركيزات التالية:

خامساً: الخصائص الحيوية
أن تكون المياه خالية تماماً من الحشرات أو بويضاتها أو يرقاتها أو حويصلاتها أو أجزائها أو الكائنات الحية الأولية ومن ضمنها الأميبا، وأن تكون خالية من الطحالب والفطريات.

سادساً: الخصائص الميكروبيولوجية
يجب أن تكون المياه خالية من الميكروبات المرضية التي قد تسبب ضرراً على الصحة العامة وذلك حسب الاختبارات الخاصة بذلك، وأن تكون الحدود القصوى للتلوث ببكتريا المجموعة القولونية كما يلي:

أ – في حالة استعمال طريقة التخمر المتعدد الأنابيب: ألا تظهر أكثر من وحدة من وحدات التحليل في العينة عدداً أكثر احتمالاً من 2.2 أو أكثر لإحياء المجموعة القولونية لكل 100مل. كما يجب ألا تظهر أية وحدة من وحدات التحليل عدداً أكثر احتمالاً لمجموعة القولون من 9.2 أو أكثر لكل 100 مل.
ب – طريقة الترشيح الدقيق: ألا تحتوي أكثر من وحدة من وحدات التحليل في العينة على 4 لكل 100مل من بكتريا مجموعة القولون، وألا يزيد المتوسط الحسابي لعدد بكتريا المجموعة القولونية على 1 لكل 100 مل.

هذه هي بشكل عام المواصفات التي يجب أن تتحلى بها مياه الشرب المعبأة بالقوارير، لكي تستحق فعلاً اطمئناننا إليها. ومن شاء التفصيل فليراجع لائحة الاشتراطات الصحية الواجب توافرها في مصانع مياه الشرب المعبأة الصادرة عن وزارة الشؤون البلدية والقروية في مطبوعاتها، أو على موقعها: http://www.momra.gov.sa. وإذا كان تأمين معظم هذه المواصفات يقع على عاتق شركات التصنيع، فإن بعضها ولا شك، مثل طريقة التخزين، يقع على عاتق المستهلك. وبمراعاة هذه الشروط من قبل الطرفين يمكن القول إننا رأينا فعلاً الماء الذي نشرب.

الماء بالأرقام
بلغ حجم المياه الكلي في الأرض حوالي 1360 مليون كيلومتر مكعب، إلا أن 97% من هذا الماء مالح في البحار والمحيطات و2% عذب تكوّنه الأنهار والجبال الثلجية و1% يوجد في الأحواض الجوفية العميقة التي يصعب استغلالها.

ويستهلك سكان المملكة 986 مليوناً و694 ألفاً و557 متراً مكعباً (م3) من المياه سنوياً (عام 1417هـ) منها 477 مليوناً و659 ألفاً و104 م3 من مياه الآبار و509 ملايين و35 ألفاً و435 م3 من مياه التحلية، بزيادة 12% (111 مليون م3) عن عام 1413هـ.

وتؤكد تقارير عدة أن الاعتماد على مياه الشرب المعبأة بقوارير يتزايد بوتيرة ملحوظة في بلدان الشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا. وعزت أسباب ذلك إلى عدم اطمئنان الناس إلى شبكات جر مياه الشفة في بعض البلدان، والتقنين في التوزيع عبر الشبكات في البلدان، وزيادة الوعي حول أهمية نظافة المياه ومواصفاتها التي تحظى وهي في القوارير بثقة المستهلك أكثر من غيرها.

أضف تعليق

التعليقات