فكرة

موسيقى النحل

النحل حشرات رائعة ومعقَّدة، أثبتت فائدتها العلمية وأهميتها بالنسبة لهذا الكوكب، ولكن ما تبيَّن هو أن لديها أيضاً مواهب موسيقية غير مستغلة. فقد نجح الفنان البريطاني ولفغانغ بترس مع فرقته التي تدعى «بي»، بالتعاون مع 40,000 نحلة في عزف سيمفونية جميلة من الموسيقى التجريبية.

وكانت علاقة بترس مع هذه الحشرات قد بدأت من خلال مشروع آخر. إذ تم اختيار بترس لتمثيل المملكة المتحدة في معرض أقيم في ميلانو سنة 2015م، تحت شعار «إطعام الكرة الأرضية… طاقة من أجل الحياة». فاستلهم تصميم الجناح من النحل المسؤول عن %30 من الطعام الذي نتناوله، والمهدَّد في الوقت نفسه بالمبيدات الحشرية المستخدمة في الزراعة. وجاء تصميم الجناح على شكل خلية ضخمة من الأشباك المتداخلة التي يبلغ وزنها 50 طناً، وارتفاعها 17 متراً، بحيث يمكن للزوار الدخول إليها والتجول فيها.

ومن خلال استخدام أجهزة استشعار الاهتزاز، استطاع بترس أن ينقل حركة النحل من خلية فعلية موجودة في نوتنغهام الإنجليزية إلى هيكله الضخم الذي أنشأه في معرض ميلانو. وسار كل شيء على ما يرام، ولكن بقي هناك سؤال يحرِّك بترس ويؤرقه وهو حول كيفية نقل الأصوات التي سمعها عندما رفع الغطاء عن خلية النحل التي زارها في نوتنغهام، حيث سمع أنين النحلات التي، بدلاً من أن تكون مزعجة بالنسبة إليه، بقيت همهمتها العميقة تحرِّك مشاعره من الداخل. ولذلك عزم على نقل هذه الأصوات بطريقة أو بأخرى.

ولهذه الغاية، شكّل بترس فرقة موسيقية مع زميليه كيلو بالات وتوني فوستر ومجموعة من المغنين، وعازفي التشيلو وموسيقيين آخرين، وسمَّاها «بي»، أي نحلة، لتسجيل موسيقى تصاحبها أصوات حية صادرة عن خلية نحل نوتنغهام المكوّنة من 40,000 نحلة. وبعد ذلك، قامت الفرقة بتجارب لاختبار مجموعة من الأصوات المختلفة خلال جلسات التسجيل لإيجاد التوازن الصحيح بين أنين النحل وأصوات الآلات الموسيقية الأخرى. ولكنها وجدت أن الحفاظ على النحل، وكأنها آلة العزف الأبرز في الفرقة أعطى أفضل النتائج وأعذب الأصوات. وكان الحفاظ على هذا النغم الجميل دون مقياس زمني موسيقي ولا كورس يتطلَّب التركيز والانضباط، وهي صفات يندر وجودها في المشهد الثقافي الحديث. مما يجعل هذه المعزوفة الجميلة تصريحاً عن الحياة الحديثة ذاتها بأفضل أحوالها.

يقول بترس: «إن الأمر يتعلق بالاستماع بدلاً من الإملاء في محاولة لمجاراة اللحن والانسجام معه، حيث يتم العمل مع الشيء بدلاً من العمل ضده». ويضيف أن البشر يميلون إلى الاعتقاد بأنهم هم المسيطرون دائماً، ولكن ينبغي لهم أن يتعلموا ترك الأمور تسير في شكلها الطبيعي في بعض الأحيان. ومما لاشك فيه أن الأمر قد يكون صعباً أحياناً، ولكنه يمكن أن يكون محرراً أيضاً.

 

أضف تعليق

التعليقات