قول في مقال

لماذا نشتري الكتب؟

خطر لي وأنا أقرأ جلسة النقاش المفتوح في مجلة القافلة العدد الماضي أن أقلب العنوان الرئيس من السؤال “هل نحن نقرأ الكتب التي نشتريها؟” إلى الســؤال “هل نحن نشتري الكتـب؟” أو “لماذا نشتـري الكتب”، فلربما تدلنا الفكـرة إلى منطقــة لم يكن في حسباننا أن نسلك طريقاً باتجاهها.
بعيداً عن إحصاءات القراءة، وبعيداً عن حركة توزيع الكتاب في العالم العربي، تُمثِّل القراءة أحد المفاتيح المعرفية التي أسهمت في تطور الكائن البشري، ودوّنت مسيرته، أفكاره، أدبياته، علومه، تعاليمه.. إلخ. فما يبقى من أثر هو ما يخط في كتاب، فيما ضاع أو انتحل كثير من الشفاهي. لكن، لماذا نشتري هذا الكتاب دون ذاك؟ خصوصاً وسط موجة جديدة تتنافس فيها الكتب “الأكثر مبيعاً” في المعارض والمكتبات، وتكاثر المنصات الإلكترونية لتوزيع نمط معيَّن من الكتب دون غيرها.
يقول الأديب والفيلسوف الفرنسي فولتير “دعونا نقرأ ونرقص، فهذه هي التسلية التي لن تتسبَّب بأي ضرر للعالم”. على مرّ التاريخ، كانت ولا تزال القراءة للتسلية السبب الأوضح لشراء الكتب، تدخل كتب الشعر والروايات والخواطر، وكتب الخيال بقوة في هذا الجانب. فالكتب التي ربما تقرأها وحدك وتعدها ملاذك وملذاتك الخاصة، قد لا يكون لأغلبها قيمة من وجهة نظر النقد، فهناك شريحة كبيرة من المجتمع تقرأ فقط للتسلية، ولا تهتم بالبعد المعرفي وألعاب اللغة وسلامة الجمل ورصانتها. يقرأ الواحد ليستمتع بقصة مثيـرة أو خاطرة تلمس مشاعره أو معلومة يتفاخر بها إن لم ينسها بعد يومين.
أحد الأسباب الأخرى والمثيرة لاقتناء كتاب هي الرغبة في الاقتناء والقراءة بلا خيارات محدّدة. لكن الملاحظ غالباً، عن المهتمين بإحصاءات القراءة، أن الكتب “الأكثر مبيعاً” لا تُقرأ، أو تتأجل قراءتها، تُركن حتى تصبح غير مرئية، لأنها تقتنى في معظم الأحيان بتأثير خارجي. إذ كيف يمكننا أن نثق بالبيانات؟ عدد القراءة مقابل عدد المبيعات للكتاب نفسه؟ فهذه الكتب تحقق عائدات كبيرة للمؤلفين والناشرين، لكن معدلات قراءتها غير معلومة.
ثمة سبب آخر أولى بالعناية يتمثل في الكتب التي نشتريها لنتعلّم شيئاً، أو تلك التي تلبي احتياجاً معرفياً خاصاً ويعتمد على مدى جودتها واستعراضها للموضوع الذي نبحث فيه وما تقترحه من عناوين أخرى في الموضوع نفسه أو تشعباته. وغالباً ما تتكون هذه الفئة من كتب العلوم الإنسانية والتاريخ والسياسة، تتحصل بالرغبة وتبني مكتبتها في البيت من خلال التجربة. ولكن، يدخل أيضاً في هذه الحالة كثير من الكتب التجارية التي توهمك باجتراح الفكرة، في حين أنها لا تلبي حاجتك، وتركن في صف الكتب “غير المرئية” في الرف المهمل.
وثمة كتب أخرى نشتريها لأن هناك من اقترحها علينا بقوة. معلمك الذي أشار إلى عنوان تستفيد منه، بحث الجامعة الذي اقترح عليك مجموعة من العناوين، نادي القراءة الذي تنتمي له أو تتابع مدونته، وهذه الكتب تكون غالباً متخصصة ومفيدة للدراسة أو لتعزيز مهارات معينة. ويمكن أن يكون الدافع مقترحاً اجتماعياً يضغط باتجاه اقتناء كتاب يتسيّد بزهو واجهات المكتبات المحلية، أو يتصدّر قائمة مقترحات الصحف، أو ما يوصي به القرّاء والنقَّاد على حدٍّ سواء.. فنشتريه بسبب كل هذا الضغط. وهذه الفئة من الكتب تمثل منجم الذهب للمكتبات والناشرين الذين يتفننون في طرق عرضها واستثمار نجاحاتها¬ تسويقياً.
إضافة إلى كل الأسباب السابقة؛ لا يختلف الكتاب عن أي سلعة أخرى في مواسم الأعياد والمناسبات الخاصة. فثمة كتب نشتريها لأنها تمثل هدية جيدة وغير قابلة للتثمين بالنسبة للآخر، ولاختيار أي كتاب، هناك قائمة طويلة من المفضلات والأسباب.

أضف تعليق

التعليقات