لغويات

كلمات غيّرت

معناها إلى الضدّ

للكلمات سيرة حياة لا تنتهي بالضرورة حيث بدأت. ذلك أن اللغة بطبعها تتمتع بالحيوية والمرونة. فالكلمات كائنات حية، تنشأ وتتطور، تتبدل أحياناً وتندثر أحياناً أخرى.

يصف مصطلح “التطور الدلالي” بشكل عام التبدل في المعنى الذي يطرأ على كلمة أو تعبير، وهو جزء من طبيعة اللغة. إذاً، معنى الكلمات ليس ثابتاً، لكنه يتحوَّل مع الوقت، تحوّله الظروف والسياقات التي يستخدم فيها. وفي أغلب الأحيان يحدث هذا التغيير ضمن اتفاق غير معلن بين مستخدمي اللغة. ولهذا السبب يصعب تحديد الانعطافات التي تحدث لمعنى كلمة ما. ولكنه أيضاً يحدث أحياناً عن عمد، ويشارك في هذا مستخدمو اللغة البارزون مثل علماء اللغة أو مشاهير الأدباء. ورغم أن أسباب تطور الدلالة كثيرة، إلا أنه في كلا الحالتين يكون تغيّر المعنى استجابة لحاجة لغوية أو اجتماعية.

يتخذ تغيرُ معنى كلمة ما أو تطورُها الدلالي أشكالاً متعددة. فعلى سبيل المثال، قد يتسع مع مرور الوقت معنى كلمة ليصبح أشمل من معناها السابق. وعلى العكس، قد ينحسر معنى كلمة ليغدو ضيق الدلالة ومتخصص الاستخدام بعد أن كان أوسع وأعمّ. كما أن هناك حالات يكون البون فيها شاسعاً ما بين معنيين لكلمة واحدة. ولكن الظريف أن يتحوَّل معنى كلمة ما بشكل كلي ليعني ضدّ ما كانت الكلمة تعنيه في وقت سابق. وهذا ما يطلق عليه في العربية “الأضداد” حيث يحمل اللفظ الواحد معنيين متضادين في الوقت نفسه. من الأمثلة على الأضداد كلمة “قسط”. فالكلمة وحدها تعني “عَدَلَ” كما تعني أيضاً “جَارَ وطفّف.” ومثال آخر نجده في كلمة “الغريم” التي تعني إما طالب الدَّيْن أو المطلوب بالدين. ومثال ثالث نراه في كلمة “رائع” التي تصف الشيء الذي يترك شعوراً بالخوف، كما تصف الشيء الذي يترك شعوراً بالإعجاب أيضاً. كما أن ابتذال المعاني في العامية يؤدي أحياناً إلى الأضداد. فمثلاً، في الوقت الذي تطلق فيه كلمة “رهيب” في الأساس لوصف ما يُخاف منه ويفزِع، أصبحت تدل في العامية الآن على ما هو جميل. وفي لغات أخرى، نجد أن كلمة التحية في اللغة الإيطالية “تشاو” التي تقابل الآن “مرحباً” و “وداعاً” كانت فيما مضى، في لاتينية القرون الوسطى، تعني “عبدك أو خادمك المطيع”. وفي اللغة الهندية، الكلمة التي تعني “أمس” قد تعني “غداً” في الوقت نفسه.

أضف تعليق

التعليقات